هل تلعب الفيروسات دورًا في الصحة النفسية؟.. دراسة تكشف التفاصيل
توصلت دراسة جديدة إلى أن الفيروسات الشائعة قد تلعب دورًا مباشرًا في تغيير خطر الإصابة بالعديد من الاضطرابات النفسية الرئيسية.
تشير النتائج، التي نُشرت في مجلة "Brain, Behavior, & Immunity – Health"، إلى أن بعض الفيروسات قد تزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب، بينما يرتبط البعض الآخر بشكل مفاجئ بانخفاض خطر الاضطرابات مثل القلق، الوسواس القهري، والفصام.
الفيروسات تؤثر على المخاطر النفسية
لطالما لوحظ أن الأشخاص المصابين بأمراض نفسية خطيرة يعانون من معدلات أعلى من الإصابة بالفيروسات. وقد طرح هذا السؤال حول ما إذا كانت الفيروسات تساهم في هذه الأمراض النفسية، أو إذا كانت هناك عوامل أخرى، مثل نمط الحياة أو الوصول إلى الرعاية الصحية، تفسر هذه العلاقة.
لكن الدراسات السابقة تواجه صعوبة في التمييز بين الارتباط والسببية، وذلك بسبب وجود العديد من العوامل غير المقاسة التي قد تؤثر على كل من التعرض للفيروسات والحالة النفسية.
في محاولة لتجاوز هذه الصعوبة، استخدم فريق من الباحثين بقيادة جيان-وي هوانغ في جامعة صن يات-سن في الصين نهجًا جينيًا للتحقق مما إذا كان الاستعداد للإصابة ببعض الفيروسات يمكن أن يسبب بشكل مباشر اضطرابات نفسية محددة.
استخدم العلماء تقنية إحصائية متقدمة تعرف بـ Mendelian randomization، التي تعتمد على التغيرات الجينية كبديل للتعرض، في هذه الحالة الفيروسات.
هذه التقنية توفر أدلة أقوى على العلاقة السببية بين الفيروسات والاضطرابات النفسية، حيث أن الجينات تُوزع عشوائيًا عند الولادة، ولا تتأثر بعوامل البيئة أو نمط الحياة التي قد تُعقد البحوث الصحية التقليدية.
حلل الباحثون البيانات الجينية من قواعد بيانات ضخمة تضم معلومات عن أكثر من 410,000 شخص من مشروع FinnGen، الذي يحتوي على معلومات جينية للمشاركين.
تم فحص التغيرات الجينية المرتبطة بـ 12 فيروسًا مختلفًا، مثل فيروس التهاب الكبد B، وفيروس نقص المناعة البشرية، وفيروس كورونا المستجد، وفيروس الورم الحليمي البشري، وفيروس إبشتاين-بار، وتم اختبار الروابط السببية بين هذه الفيروسات وخمسة اضطرابات نفسية: القلق ، الوسواس القهري، الفصام، الاكتئاب الشديد، والنوبات الهوسية.
اقرأ أيضًا: دراسة تكشف: اضطراب ADHD قد يكون مفتاح الإبداع
أظهرت النتائج العديد من الروابط المهمة والمفاجئة في بعض الحالات. على سبيل المثال، أظهر التحليل أن الاستعداد الجيني للإصابة بفيروس التهاب الكبد B يرتبط بانخفاض خطر الإصابة بالقلق، حيث كانت احتمالية الإصابة بالاضطراب أقل بنسبة 6% لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد جيني للإصابة بهذا الفيروس.
هذا يشير إلى تأثير وقائي محتمل لهذا الفيروس أو الاستجابة المناعية التي يسببها.
وبالمثل، كانت بعض الفيروسات مرتبطة بانخفاض خطر الإصابة باضطراب الوسواس القهري.
على سبيل المثال، كان الاستعداد الجيني للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية مرتبطًا بانخفاض بنسبة 16% في خطر الإصابة بالاضطراب.
وكان الاستعداد الجيني للإصابة بفيروس كورونا المستجد (المسبب لجائحة كوفيد-19) مرتبطًا بانخفاض أكبر في هذا الخطر بنسبة 22%.
فيما يتعلق بالاكتئاب، كانت النتائج أقل إيجابية. أظهر التحليل أن الاستعداد الجيني للإصابة بفيروس إبشتاين-بار (المعروف بتسببه في مرض وحيدات الخلايا) يرتبط بزيادة طفيفة في خطر الإصابة بالاكتئاب الشديد.
كما أن الاستعداد للإصابة بفيروس شلل الأطفال كان مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بالاكتئاب بنسبة 3%.
تتماشى هذه النتائج مع أبحاث سابقة تشير إلى أن الالتهابات العصبية الناجمة عن الفيروسات مثل إبشتاين-بار قد تلعب دورًا في بيولوجيا الاكتئاب.
