عندما تبدأ القصة قبل العرض: دعوات الأزياء تتحوّل إلى فنّ وسرد وهوية
في عالم الموضة المعاصر، لم تعد الدعوات إلى عروض الأزياء مجرّد بطاقات أنيقة تُظهر اسم المدعو ومكان العرض، بل تحوّلت إلى أعمال فنية متكاملة تعبّر عن هوية الدار واتجاهها الإبداعي قبل أن تُعرض التصاميم على المنصّة.
أصبحت الدعوة اليوم عنصرًا من عناصر الفخامة والتميّز، وجزءًا من رواية العلامة التي تُروى من خلال التفاصيل الدقيقة والرموز والمواد المختارة بعناية. إنها ليست مجرّد وسيلة اتصال، بل تذكرة إلى عالم المصمم ورؤيته الخاصة.
الدعوات تتحوّل إلى رموز فاخرة
شهدت السنوات الأخيرة تحوّلاً جذريًا في مفهوم الدعوات الخاصة بعروض الأزياء، إذ تجاوزت الورق الفاخر والأحبار المذهّبة لتصبح تحفًا فنية قائمة بذاتها. وقد تجلّى هذا الاتجاه بوضوح هذا الموسم لدى دور الأزياء الكبرى مثل ديور بقيادة جوناثان أندرسون، وشانيل مع ماتيو بليزي، وبوتيغا فينيتا تحت إشراف لويز تروتيه، حيث قدّمت كل دار دعوة تحمل رمزية تعبّر عن رؤيتها الخاصة.
فقد أرسل أندرسون دعوة عرضه الأول لدار ديور على هيئة طبق فني من البورسلين مزين بقطع صغيرة من البيض أو الجوز المصنوع من الخزف، في إشارة إلى الحرفية الفرنسية الكلاسيكية ومفهوم الحياة اليومية الراقية التي يستلهمها في تصميماته.
أما ماتيو بليزي، المدير الإبداعي الجديد لدار شانيل، فقد اختار أن تكون الدعوة على شكل سلسلة فضّية صغيرة تتدلى منها قلادة على هيئة منزل يحمل شعار الدار.
جاء هذا التصميم ترجمة أنيقة لفكرة البساطة الفاخرة، ورمزًا يُجسّد هوية شانيل المتجذّرة في التفاصيل الراقية التي لا تحتاج إلى تبرير. فبهذه اللمسة الدقيقة، أراد بليزي أن يجعل من الدعوة أول بوابة يعبُر منها الضيف إلى عالم الدار الجديد.
بين بوتيجا وبالنسياجا: فلسفتان مختلفتان يجمعهما التفرّد
تُجسّد دعوة بوتيغا فينيتا هذا الموسم، تحت إشراف المديرة الإبداعية لويز تروتيه، فلسفة البساطة الراقية التي لطالما ميّزت الدار. لم تعتمد الدعوة على الصخب أو المبالغة، بل جاءت في هيئة قطعة جلد فاخرة يمكن تحويلها إلى حقيبة صغيرة، في تجسيد مباشر لمفهوم الحرفية الوظيفية الذي تتبناه العلامة.
بهذا التصميم المبتكر، تجاوزت الدعوة كونها تذكارًا عابرًا لتصبح قطعة عملية تحمل روح الدار، وتجسيدًا ملموسًا لفلسفة بوتيغا فينيتا القائمة على الدمج بين الجمال، الحرفية، والوظيفة.
في المقابل، اتبعت دار بالنسياغا بقيادة بييرباولو بيتشولي نهجًا أكثر جرأة في تصميم دعواتها. فلطالما عُرفت الدار بخروجها عن المألوف، إذ اعتادت خلال السنوات الماضية تقديم دعوات فنية غير تقليدية، تتنوّع بين قطع رمزية غريبة أو عناصر من الحياة اليومية أعيد ابتكارها بأسلوب مبتكر، مثل المفاتيح وحافظات النقود وغيرها، لتؤكد من جديد روحها المتمرّدة في عالم الموضة.
اقرأ أيضًا: الشرق الأوسط يلتقي بالأناقة: تصاميم عربيّة تعكس التراث والفخامة
بهدف كسر التوقّعات وإثارة الفضول، تسعى الدار دائمًا إلى إشعال الحوار حول العرض قبل انطلاقه. وفي هذا الموسم، قدّمت بالنسياغا دعوة فريدة تمثلت في مشغّل كاسيت مرفق بشريط موسيقي صُمم خصيصًا للعرض، إلى جانب زجاجة عطر من أحدث إصدارات الدار.
الدعوة كجزء من تجربة العرض
عندما تصل الدعوة، تبدأ القصة. فتصميمها، رائحتها، ملمسها، وحتى طريقة تسليمها، جميعها عناصر تُسهم في صياغة المزاج الذي يرغب المصمم بنقله إلى جمهوره ومحبّي الدار.
في ديور، تعكس الدعوة روح الأرشيف العريق وتستحضر الماضي بلمسة من السريالية الفنية التي تُجسّد أسلوب المصمم الفريد وأصالة الدار.
أما في بوتيغا فينيتا، فيروي الجلد وطريقة القصّ والملمس حكاية الحرفية الدقيقة التي تميّز كل تفصيل في المجموعة.
وفي شانيل، تتحوّل البساطة إلى رمز للدفء والأنوثة الكلاسيكية، حيث تصبح الدعوة امتدادًا لهوية الدار المتمحورة حول التوازن والخلود.
اقرأ أيضًا: الأناقة الفاخرة.. امتلك ما لا يملكه سواك
تُوظّف كل دار دعوة العرض كمقدّمة موسيقية لما سيأتي، تمهّد من خلالها للمشاهد ما سيختبره من مشاعر ورؤى جمالية خلال العرض، وتضعه في الحالة الذهنية المناسبة لاستقبال الإبداع.
إنها فلسفة قائمة على الإثارة والدهشة، تؤكد أن الدعوة ليست مجرّد مدخل إلى الحدث، بل جزء أساسي من التجربة الإبداعية الكاملة.
فهذه التفاصيل الدقيقة تُجسّد كيف أصبحت الدعوة البوابة الأولى لعالم الدار الجديد، حيث يبدأ السحر قبل أن تُضاء المنصّة.
