كيف تتجاوز الخوف من التقدم في العمر وتعيد اكتشاف نفسك وحياتك؟
عادةً ما ترتبط الشيخوخة في أذهاننا بنهاية الحياة، وصعوبة الحركة، والتجاعيد التي تملأ الوجه، الشعر الذي صار ملونًا بالأبيض بعد أن ودّعه الشباب.
لكن الأمر يبدو أعمق من ذلك، فمن الطبيعي أن يكون هناك خوف من التقدّم في العُمر وتغير الشكل، خاصةً مع تصاعُد عمليات التجميل، وتلك الصور التي نطالعها حول المظهر المثالي للأشخاص عبر منصات التواصل الاجتماعي، بما يعزِّز ذلك الخوف ويفاقِمه.
ولكن من ناحيةٍ أخرى، فقد تحيا ربيع العُمر حقًا في مرحلة الشيخوخة، التي هي مرحلة ضمن المراحل الطبيعية لحياتك، والتي معها يكون المرء قد اكتسب نضجًا نفسيًا وعاطفيًا، ربّما لا يحصِّله لو ظلّ شابًا.
وربّما تكون هي المرحلة التي يكتسب فيها المرء عادات جديدة ونموًا مستمرًا في المهارات الشخصية، فكيف تتجنّب الخوف من التقدم في العُمر، وتنظر إليه بمنظورٍ إيجابي يجعلك تعيش حياة أسعد؟
أسباب الخوف من التقدم في العمر عند الرجال
ضغط الحياة المُعاصرة، وعمليات التجميل التي لا تتوقّف، والتي تساعد بعض الناس على الاحتفاظ بمظهر الشباب ولو قليلًا، والمظهر المثالي للأشخاص الذين نراهم على هواتفنا الذكية؛ كلّ ذلك يزيد خوفنا من الشيخوخة والتقدُّم في العُمر، بالإضافة إلى عوامل أخرى، مثل:
1. التغيّرات الجسدية والنفسية:
"في جوهره، فإنّ الخوف من الشيخوخة هو خوف من التغيّر والخسارة"، هذا ما قالته الدكتورة "كاري ديتزل"، الطبيبة النفسية السريرية ومديرة قسم علم نفس الشيخوخة وعلم النفس العصبي في مركز بيكر ستريت للصحة السلوكية.
فكثيرٌ من الناس ينتابهم الخوف من الشيخوخة، من ناحية أنّهم قد يفقدون عقولهم أو أنّهم جسديًا لن يعودوا قادرين على فعل ما يريدون فعله، وما إذا كان بمقدورهم العيش بمفردهم مع الشيخوخة أم لا، فالتغيّرات الجسدية والنفسية التي يتوقّعونها تظل من أسباب الخوف من التقدم في العمر.
2. تراجُع القِيمة مع تقدُّم العُمر:
كذلك قد يقلق بعض الناس من التدهور الجسدي المصاحب لتقدّم العُمر، بما يصحبه من خوفٍ يتغلغل في أعماق النفس، من أن يصبِح المرء غير مرئي بالنسبة للآخرين أو معزولًا اجتماعيًا.
فالتقدّم في السن مرتبط بشعور الفقدان، ليس فقط فقدان الحياة، ولكن أيضًا فقدان ما يجعل الناس يشعرون أنّهم ذوو قيمة، وفقدان مرحلة العُمر، التي كانوا يساهمون فيها في المجتمع، إذ يعتقدون أن أهميتهم لأحبائهم ومجتمعاتهم ليست كما كانت في السابق.
3. الوفاة:
تحت كل ذلك الخوف، غالبًا ما يكون هناك خوف من الموت نفسه، فالشيخوخة هي التذكير الأكثر وضوحًا بفناء الإنسان، وهذا يمكن أن يثير انزعاجًا لبعض الناس، كما قد يخاف البعض من الطريقة التي قد يموتون بها، وما إذا كانوا سيغادرون هذا العالم وهم يشعرون بالكرامة، ودون أن يكونوا عبئًا على أحبائهم.
اقرأ أيضًا: رهاب الإخفاق: عندما يكون الخوف من ارتكاب الأخطاء محور حياتك
4. الحُزن على الفرص الضائعة:
بينما يكون المرء في باكورة شبابه، قد يشعر وكأنّ الوقت يتفلّت من بين أصابعه، فإذا مضى العُمر، ولم تتحقّق الأهداف التي تمناها المرء لنفسه، فقد يشعر وكأنّها قد لا تتحقق أبدًا، لكن في مقابل ذلك يكتسب المرء إحساسًا أقوى بالذات واستقرار عاطفي أعمق مع التقدُّم في العُمر، وهذا قد يكون أثمن من الحُزن على الأهداف التي لم تتحقّق أو الفرص الضائعة.
لماذا نخاف من التقدم في العُمر في مرحلة الشباب؟
يشير علماء النفس إلى سببين رئيسين؛ هما المخاوف الداخلية والتأثيرات الاجتماعية، فعندما نكبر، نادرًا ما نرى تمثيلات واقعية للشيخوخة؛ إذ تظهِر وسائل الإعلام والإعلانات وحتى شبكات التواصل الاجتماعي، صورًا مختارة بعناية للشباب والنجاح، وبالوقت نفسه تُصوَّر الشيخوخة على أنّها تراجُع أو شعور بالوحدة أو ضعف.
وهذا ما يشكّل الطريقة التي ننظر بها إلى أنفسنا ومستقبلنا، فإذا كُنت غير راضٍ بالفعل عن حياتك، سواء من ناحية العمل أو العلاقات أو الإنجازات، فإنّ التقدُّم في العُمر قد يضاعِف الشعور بعدم الإنجاز، بما قد يجعل كل شيءٍ أسوأ.
وتشرح عالِمة النفس "بيكا ليفي" -الأستاذة بجامعة ييل، ومؤلّفة كتاب "كسر قانون العُمر: كيف تحدد معتقداتك المدة التي تعيشها ورفاهيتك؟"، أنّ الوصمة المجتمعية المرتبطة بالشيخوخة، تتحد مع انعدام الأمن الشخصي، لتخلق عقلية غير صحية وخائفة.
وعندما نقارن أنفسنا باستمرار بالآخرين بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، نشعر وكأن الوقت ينفد منّا للحاق بهم، وهذا ما يغذِّي القلق من التقدُّم في العُمر.
دور نمط الحياة الصحي في تقليل الخوف من التقدم بالسن
لا يقلّ نمط الحياة الصحي نفسه أهمية في تقليل الخوف من التقدُّم في العُمر، فالبقاء بصحة جيدة، بما يتضمّنه ذلك من تغذية سليمة وممارسة للرياضة، يمكِن أن يحسِّن جودة الحياة مع تقدم العُمر، فمثلًا وجدت "المجلة الطبية الأمريكية" أنّ مؤشّر كتلة العضلات، يُعدّ مؤشرًا لطول العُمر لدى كبار السن.
كما أظهرت دراسة نشرت عام 2018 في دورية "Frontiers in Psychology"، أنَّ النشاط البدني يؤثِّر إيجابيًا في الوظائف الإدراكية للدماغ، بما يُساعِد في الحفاظ على الوظائف الذهنية مع التقدُّم في العُمر.
استراتيجيات للتغلب على فوبيا الشيخوخة
لا يمكِن تفادي الشيخوخة، لكن يمكن التغلب على الخوف من التقدم في العُمر، فالشيخوخة ليست نهاية المطاف، بل ربّما كانت ربيع العُمر الذي تتحقّق فيه إنجازات لم تتحقّق من قبل، وفيما يلي بعض الاستراتيجيات للتغلب على ذلك الخوف والتمتّع بحياةٍ أفضل:
1. غيِّر منظورك عن الشيخوخة:
الشيخوخة ليست فزّاعة لك، بل هي مجرد مرحلة من مراحل الحياة، وينصح علماء النفس بمعرفة المزيد عن الشيخوخة والتركيز على جوانبها الإيجابية؛ إذ تُظهِر الأبحاث أنّ الناس غالبًا ما يصبحون أكثر سعادة مع تقدّمهم في السن، كما يجدون السلام في الأشياء البسيطة، واكتشاف معانٍ جديدة للحياة.
كما تؤكِّد الدراسة التي أجرتها ونشرتها جامعة ييل عام 2014، أنّ الأشخاص الذين ينظرون إلى الشيخوخة بشكلٍ إيجابي، يتمتّعون بصحةٍ أفضل وثقة أفضل في النفس، فعندما تتوقّف عن رؤية الشيخوخة على أنّها تراجُع، فإنّك ستعيش بثقةٍ أكبر.
اقرأ أيضًا: رهاب السعادة.. عندما تنقلب البهجة إلى تعاسة وخوف
2. بناء وتعزيز العلاقات:
حاول أن تبني علاقة قوية مع زوجتك، أصدقائك، أشقائك، الأشخاص الذين تربطك بهم علاقة منتظمة؛ إذ أن التواصل معهم بشكل منتظم يمكن أن يعالِج الخوف من الوحدة مع التقدُّم في العمر، وبمجرد بناء هذه العلاقات، يصبح من الأسهل الاستمرار فيها في أواخر العمر، بدلًا من محاولة بناء علاقات جديدة.
كما وجدت دراسة أجرتها جمعية علم النفس الأمريكية، أنّ الدعم العاطفي من خلال العلاقات يُسهِم بشكلٍ أساسي في الصحة النفسية للإنسان.
3. تعامل مع الشيخوخة باعتبارها فرصة جديدة:
الشيخوخة لا تعني توقّف الحياة، بل تفتح الأبواب أمام إمكانيات جديدة؛ إذ يمكِنك التفكير فيما تحب أن تفعله عندما يكون لديك مزيدًا من الوقت، مثل ممارسة الهوايات أو قضاء وقت مع العائلة أو السفر.
فالتقاعد مثلًا مع التقدم في العُمر، يمكن أن يكون فرصة لاستكشاف أمورٍ جديدة، لم تُتَح لك ما يكفي من الفرص لاكتشافها سابقًا، وتخيّل أنّ هذه المرحلة بداية فصلٍ جديد، وليس نهاية الحياة.
4. التركيز على النموّ الشخصي:
لا يعني التقدم في العمر التوقف عن النمو؛ فكثيرٌ من الناس يجدون أهدافًا جديدة في تطوير الذات أو تعلّم مهارات جديدة أو حتى ردّ الجميل لمجتمعاتهم، سواء كان ذلك من خلال كتابة كتابٍ مثلًا، أو تعلّم مهارة جديدة، أو إرشاد الأجيال الأصغر سنًا، فهذه الأنشطة تعزِّز الشعور بالغاية والهدف في الحياة، وأيضًا الفرح.
