من شون كونري إلى دانييل كريغ.. كيف تطورت شخصية جيمس بوند عبر العقود؟
العميل السري البريطاني جيمس بوند أو "007"، أحد أكثر الشخصيات السينمائية شهرة وتأثيرًا في تاريخ السينما العالمية.
فالشخصية التي ابتكرها الكاتب "إيان فليمنغ" في سلسلة رواياته الشهيرة، ليجسّد على مدار العقود صورة "البطل الجاسوس"، الذي يجمع بين الأناقة والذكاء والقدرة القتالية الفائقة، تركت بصمتها الواضحة على عشاق الفن السابع على مدار السنوات، فيما تناوب على تجسيدها مجموعة من أبرز نجوم السينما، وكل منهم أضفى لمساته الخاصة على الشخصية.
ومنذ انطلاقة سلسلة أفلام جيمس بوند، وضعت شركة الإنتاج معايير صارمة لاختيار الممثل الذي سيحمل عباءة العميل السري الأشهر في العالم، ومن أبرز هذه الشروط أن يتمتع المرشح بكاريزما عالية، تجمع بين الأناقة البريطانية والقدرة الجسدية على أداء مشاهد الحركة، إلى جانب إقناع الجمهور في مشاهد الدراما والرومانسية.
كما يُشترط أن يكون الممثل في الفئة العمرية المناسبة، غالبًا ما بين أوائل الثلاثينيات وأواسط الأربعينيات، بما يضمن استمراره لعدة أفلام متتالية، كما تولي الشركة أهمية كبيرة لقبول النجم عالميًا، مع قدرته على الحفاظ على الطابع الكلاسيكي للشخصية، على أن يكون أيضًا منتميًا لإحدى الدول التي حكمتها الإمبراطورية البريطانية.
ممثلون ارتبطوا بدور جيمس بوند
تعاقب على أداء شخصية جيمس بوند منذ بداية تقديم الشخصية للسينما عام 1962. وحتى الآن، ستة ممثلين يحملون إحدى جنسيات الدول التابعة للتاج البريطاني، وهم:
اقرأ أيضًا: جيمس بوند في 007 First Light.. لعبة حصرية تجمع بين القتال والتسلل
- شون كونري:
قدم الممثل الأسكتلندي شون كونري النسخة الأولى من شخصية العميل السري البريطاني جيمس بوند، وأصبح رمزًا طوال الفترة التي قدم فيها الشخصية.
وقد قام ببطولة سبعة أفلام هي:
- Dr. No 1962
- From Russia with Love 1963
- Goldfinger 1964
- Thunderball 1965
- You Only Live Twice 1967
- Diamonds Are Forever 1971
كما قدم في عام 1983 فيلم Never Say Never Again خارج السلسلة الرسمية.
- جورج لازينبي:
قدم الأسترالي جورج لازينبي شخصية جيمس بوند لمرة واحدة فقط، عندما لعب بطولة فيلم On Her Majesty’s Secret Service 1969، ورغم النجاح الذي صاحب تقديم الفيلم، لكنه كان على خلاف كبير مع الجهة المنتجة، التي فضلت عدم الاستعانة به في أي عمل آخر للسلسلة.
- روجر مور:
يعد الممثل الإنجليزي روجر مور صاحب أطول فترة زمنية في تجسيد شخصية العميل البريطاني، حيث قام ببطولة سبعة أفلام على مدار 12 عاما، كانت البداية من:
- Live and Let Die 1973
- The Man with the Golden Gun 1974
- The Spy Who Loved Me 1977
- Moonraker 1979
- For Your Eyes Only 1981
- Octopussy 1983
- A View to a Kill 1985
- تيموثي دالتون:
الممثل البريطاني تيموثي دالتون قدم نسخة أكثر واقعية وصرامة من شخصية العميل البريطاني، حيث قام ببطولة فيلمين: The Living Daylights 1987 وLicense to Kill 1989.
- بيرس بروسنان:
واكب ظهور الممثل الإيرلندي بيرس بروسنان في شخصية جيمس بوند الحضور السينمائي الكبير للجمهور على مستوى العالم، علاوة على التفاف الجمهور مرة أخرى على الشاشات، وهو ما جعله من أنجح الممثلين الذي قدموا السلسلة، واعتبره البعض أنه أعاد البريق لشخصية العمل البريطاني، وجمعت أعماله بين الأناقة والحركة الحديثة.
شارك بروسنان في أربعة أفلام:
- GoldenEye 1995
- Tomorrow Never Dies 1997
- The World Is Not Enough 1999
- Die Another Day 2002
- دانيال كريغ:
يعد الممثل البريطاني من أنجح من قدموا شخصية بوند، حيث قدم الشخصية بشكل واقعي وإنساني، علاوة على أن تطور مشاهد الأكشن في الأعمال الفنية الجديدة، ما ساهم في التفاف الجمهور حول الشخصية بشكل كبير، وقدم كريغ دور البطولة في خمسة أفلام هي:
- Casino Royale 2006
- Quantum of Solace 2008
- Skyfall 2012
- Spectre 2015
- No Time to Die 2021
تطور شخصية بوند عبر العقود
يمكن تقسيم الفترة الزمنية التي تم تقديم شخصية جيمس بوند فيها، والتي بلغت أكثر من 60 عامًا، إلى خمس حقب زمنية، تميزت بالتنوع، ولدى كل منها ما يميزها عن غيرها.
اقرأ أيضًا: جيف بيزوس يخطط لدور بارز لزوجته في فيلم جيمس بوند الجديد
- الحقبة الكلاسيكية:
هي الحقبة التي بدأها الممثل الإنجليزي شون كونري، وهي السنوات العشر الأولى في عرض الشخصية بداية من عام 1960.
الكاتب الكندي برايان دي جونسون كتب مقالة عن التطور التاريخي لشخصية جيمس بوند، حملت عنوان "James Bond: The evolution of an iconic franchise"، أشار إلى أن جيمس بوند العميل البريطاني ظهر أنيق وبارد، مع طابع كلاسيكي وساحر.
ففي Dr. No (1962)، تم تقديم الشخصية للجمهور بصفات الرجل البريطاني التقليدية، التي تحمل السحر، والثقة، والهدوء، وهي السمات الرمزية التي أسست مبادئ مسؤولو التجسس في المخابرات البريطانية.
- المرح والأسلوب الفني:
ذهب برايان دي جونسون إلى مرحلة روجر مور، التي تميزت بأسلوب مرح قليلا، مع وجود حس بسيط للكوميديا والفانتازيا أيضًا، حيث تحول بوند إلى شخصية خفيفة الظل، يمكنه منافسة بعض النجوم في هوليوود، مع احتفاظه بحس الأناقة البريطانية المعروف.
- الواقعية المتشددة:
قدمها الممثل البريطاني تيموثي دالتون في أواخر 1980، حيث ظهر بنبرة أكثر جدية وواقعية، وامتاز أداء دالتون بعمق عاطفي ونضوج نفسي، مع بداية التركيز على الإنسانية الخاصة ببوند، وأنه ليس مجرد بطل خارق، ولا مجرد ضابط يحاول القيام بواجبه تجاه بلده.
- عصر النهضة:
تمكن بيرس بروسنان من إعادة الرونق لشخصية جيمس بوند بداية من حقبة التسعينات، حيث عادت الحيوية للسلسلة، ونجحت الشركة المنتجة في الجمع بين سحر بوند الكلاسيكي، مع إضافة بعض الحركات العصرية، والتركيز على فترة بعد نهاية الحرب الباردة، وتم تقديم شخصية جيمس بوند خلالها بلمسة كبيرة من الأناقة والذكاء، وساعدها وسامة بيرس بروسنان على إحياء الجماهيرية التي انخفضت قليلًا لشخصية العميل البريطاني.
- العصر الحديث:
بداية عصر الألفية الجديدة شهدت تلك المرحلة تحولًا جذريًا، مع تولي دانييل كريغ تقديم الشخصية الأيقونية، والتي جمعت بين الواقعية والإنسانية، ولمسنا أبعادًا جديدة، وعمقًا أكبر في الكتابة والصراع بين جيمس بوند وجهاز المخابرات البريطانية، والأشرار الذين يتم التصدي لهم، علاوة على زيادة جرعة الأكشن في الأعمال الفنية، والتضحية التي شهدنها في النهاية المأساوية لشخصية جيمس بوند البطل في فيلم No Time To Die ، والتي توفي فيها بوند للمرة الأولى.
لماذا يظل جيمس بوند رمزًا للبطولة الرجالية؟
يصور جيمس بوند كرمز للرجولة المتكاملة، فهو الرجل الواثق من نفسه، الجذاب، الأنيق بشكل دائم، ما جعله يرمز لـ"الرجل الذي يتطلع له الجميع" سواء من حيث المظهر، أو الأسلوب والأداء المهني، وقد وصفته مصادر مثل Encyclopedia of Opinion بأنه Alpha male أو الرجل كما يجب أن يكون.
ينظر أيضًا لشخصية جيمس بوند، بأنه الشخصية التي تحقق التوازن بين القوة والضبط والضمور الداخلي، حيث تقدم شخصية العميل السري 007 نوعًا من أنواع الرجولة المفرطة "hyper-masculinity"، والتي يستخدمها كآلية دفاعية يظهرها الشخص لتعويض الضعف الذي يشعر به، أو القرب العاطفي، هذا التناقض بين الرغبة في القوة والتوتر الداخلي يعطي الشخصية عمقًا دراميًا يجعلها أكثر إنسانية وجاذبية.
الباحث ايثان ك.سمايل، يشبه شخصية بوند بشخصية أوديسيوس الأسطوري، حيث يظهر كلاهما شجاعة وذكاء منقطع النظير، على أنهما يعانيان من درجة كبيرة من الفضول، الذي يقودهما إلى عدد كبير من المواقف الخطرة والمشكلات، التي يتحتم عليهم العمل على حلها، وهذا الربط والتشبيه يعزز الفهم لدينا نحو الشمولية التي يتمتع بها بطل أو شخصية مثل جيمس بوند، الذي يتخطي في بعض الأحيان كونه مجرد جاسوس.
وحسب مجلة جامعة راجشاهي للعلوم الاجتماعية، فإن صورة الرجولة تطورت عبر الزمن في مكونات الرجولة نفسها من حيث الجسد المهيب، القوة، التكنولوجيا، السلطة الثقافية السياسية، وعلى الرغم من هذا التطور، ظلت هيمنة الصورة الذكورية ثابتة تقريبًا حتى اليوم.
أما الورقة البحثية التي أعدها مارتن باركر من "أكاديمية ويسترن لعلوم الإدارة"، فقد ذهبت إلى أن استمرار جاذبية البطل الكلاسيكي رغم التحديات، هو ما يمكن أن تمثله شخصية جيمس بوند، حيث أن المغامرات التي يخوضها العميل السري البريطاني بكل ما تحمله من مواقف صعبة وتهديدات عالمية، تجعله نموذج لـ"الرجل الذي لا يلين"، ما يجعله شخصية لا يمكن تجاهلها كرمز للبطولة الرجالية في أفلام الأكشن والحركة.
