العالم يترقّب أطول كسوف شمسي في القرن.. تعرّف على موعده وكيفية مشاهدته بأمان
يتهيأ سكان العالم لمتابعة حدث سماوي استثنائي طال انتظاره، حين يشهد كوكب الأرض أطول كسوف شمسي كلي في القرن الحادي والعشرين، حيث ستغرق بعض المناطق في 2 أغسطس 2027 في ظلام دامس يستمر لنحو ست دقائق.
هذا الحدث النادر، الذي لا يتكرر إلا كل عدة عقود، أصبح حديث العلماء وعشاق الفلك ووسائل الإعلام، وسط تحذيرات من وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" بضرورة اتباع إجراءات السلامة الصارمة عند المشاهدة، تجنبًا للمخاطر الصحية التي قد تصيب العينين جراء النظر المباشر إلى قرص الشمس.
وفيما تتجه أنظار العالم إلى السماء، تبرز الأسئلة: أين ومتى يمكن مشاهدة هذا الكسوف؟ وما الفارق بين الكسوف الكلي والجزئي؟ وهل هناك طرق آمنة لمتابعته دون تعريض البصر للخطر؟
في هذا التقرير، نصحبك قراء "الرجل" في جولة حول التفاصيل الكاملة للظاهرة، بداية من التفسير العلمي لماهية الكسوف، مرورًا بالجدول الزمني لمواعيد ظهوره في القارات المختلفة، وصولاً إلى تحذيرات الخبراء ونصائحهم لمتابعته بأمان.
رحلة إلى قلب الظاهرة.. ما هو الكسوف الشمسي؟
يُعرف الكسوف الشمسي بأنه ظاهرة فلكية تحدث عندما يقع القمر بين الأرض والشمس، فيحجب ضوءها كليًا أو جزئيًا عن بعض مناطق الكرة الأرضية.
- الكسوف الكلي: يحدث عندما يغطي القمر قرص الشمس بالكامل، فتغرق المنطقة الواقعة في "مسار الظل" في ظلام تام لعدة دقائق.
- الكسوف الجزئي: تغطي فيه حافة القمر جزءًا فقط من قرص الشمس، ما يجعل الشمس تبدو كأنها "هلال مضاء".
- الكسوف الحلقي: يظهر عندما يكون القمر في أبعد نقطة عن الأرض، فلا يغطي قرص الشمس كليًا، تاركًا حلقة مضيئة تُعرف بـ"حلقة النار".
ولكن ما يميز الكسوف المرتقب أنه الأطول في القرن، إذ يصل زمن الظلام الكلي إلى نحو 6 دقائق و22 ثانية في بعض المناطق، وهو زمن استثنائي لم تشهده البشرية منذ عقود طويلة.
ما الذي يجعل هذا الكسوف المنتظر استثنائيًا؟
تتفاوت مدة الكسوف الكلي عادة بين ثوانٍ معدودة ودقيقتين، ونادرًا ما يتجاوز الثلاث دقائق، ولكن هذه المرة، تجمعت عدة عوامل فلكية جعلت الظاهرة أكثر طولاً وإبهارًا، ومنها:
- اقتراب القمر من الأرض في مداره، ما يجعله يبدو أكبر حجمًا مقارنة بالشمس.
- وقوع الأرض في مسار مثالي للظل، يسمح بامتداد فترة الظلام.
- اتساع منطقة المشاهدة، حيث سيمتد الكسوف عبر قارات عدة من آسيا إلى أمريكا اللاتينية.
وبحسب علماء الفلك، فإن تكرار كسوف بهذه المواصفات لن يحدث إلا بعد أكثر من 100 عام، ما يجعل من هذه اللحظة فرصة تاريخية لملايين البشر.
9 دول عربية في قلب "كسوف القرن"
في الثاني من أغسطس عام 2027، سيشهد العالم ما يُعرف بـ"كسوف القرن"، حيث يمر القمر أمام الشمس في محاذاة شبه مثالية، ليحجب نورها كليًا، ويغرق مساحات شاسعة من الأرض في ظلام النهار.
والمدهش أن 9 دول عربية ستكون في قلب هذا الحدث، وهي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، مصر، السودان، السعودية، اليمن، والصومال، إضافة إلى أجزاء من جنوب إسبانيا وبعض مناطق شرق أفريقيا.
وستُسجل مدينة الأقصر، في جمهورية مصر العربية، أطول فترة كسوف كلي، تصل إلى أكثر من 6 دقائق و23 ثانية.
وبحسب خبراء الفلك، فإن هذا الكسوف الكلي سيمتد لمسار عريض، يصل عرضه إلى نحو 258 كيلومترًا، ويمتد عبر الأرض لمسافة تقارب 15,227 كيلومترًا، مغطيًا مساحة تتجاوز 2.5 مليون كيلومتر مربع.
وهذه الأرقام تجعل من الظاهرة واحدة من أوسع وأطول الكسوفات الشمسية في التاريخ الحديث.
فيما يصف علماء الفلك هذا الكسوف بأنه الأطول منذ أكثر من قرن، إذ يُعد الحدث الأكثر تميزًا بين عامي 1991 و2114.
وتعود هذه المدة الطويلة إلى أن القمر سيكون في أقرب نقطة له من الأرض خلال مداره البيضاوي، ما يجعله أكبر حجمًا بالنسبة لقرص الشمس، فيغطيها بالكامل، ويمنح العالم مشهدًا استثنائيًا لن يتكرر قريبًا.
اقرأ أيضًا: في إنجاز غير مسبوق.. تصوير هالة الشمس خلال كسوف جزئي لأول مرة
أين ومتى يُشاهد كسوف أغسطس 2027؟
وفقًا للبيانات الفلكية المنشورة من هيئات دولية، سيمتد مسار الكسوف في 2 أغسطس 2027 عبر قارات متعددة، وفيما يلي أبرز مراحله حسب مكانها:
- أول ظهور للكسوف الجزئي: سيكون فوق المحيط الهادئ عند الساعة 17:45 بتوقيت غرينتش.
- بداية الكسوف الكلي: فوق سواحل المكسيك الشمالية عند الساعة 18:30 بتوقيت غرينتش.
- ذروة الكسوف الكلي: في سماء أمريكا الوسطى (تصل مدته في بعض المناطق إلى 6 دقائق و22 ثانية).
- انتقال الظاهرة شرقًا: عبر البرازيل وشمال الأرجنتين حتى المحيط الأطلسي.
- نهاية الكسوف: مع اختفاء الظاهرة فوق المحيط عند الساعة 21:30 بتوقيت غرينتش.
أما في العالم العربي، فسيكون الحدث ملحوظًا بشكل جزئي في عدة دول، أبرزها:
- دول الخليج: السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، والبحرين.
- مصر والسودان: يشاهد السكان كسوفًا جزئيًا يقترب من 45%.
- المغرب العربي: تونس، الجزائر، والمغرب، سيشاهدون مراحل متأخرة من الظاهرة.
متى تحدث الكسوفات الشمسية في 2025 و2026 و2027؟
وفقًا لما أعلنته وكالة "ناسا"، فإن الأعوام 2025 و2026 و2027 ستشهد سلسلة من الكسوفات الشمسية الفلكية، التي ستتباين في نوعها ومناطق رؤيتها حول العالم.
- كسوف سبتمبر 2025:
سيكون الكسوف في 21 سبتمبر 2025، وهو عبارة عن كسوف جزئي، وسيُشاهد من: أستراليا، القارة القطبية الجنوبية، والمحيطين الهادئ والأطلسي، حيث سيغطي القمر جزءًا من الشمس فقط، بحيث يختلف حجم الجزء المظلل بحسب موقع الراصد.
- كسوف فبراير 2026:
في 17 فبراير 2026 سيكون العالم على موعد مع كسوف حلقي (حلقة النار)، والذي سيُرى من القارة القطبية الجنوبية بشكل حلقة ضوئية تحيط بالقمر، وكذلك كسوف جزئي سيُشاهد من أفريقيا وأمريكا الجنوبية والمحيطات المحيطة.
- كسوف أغسطس 2026:
في 12 أغسطس 2026 سيكون هناك كسوف كلي مبهر، ستشهد فيه 5 دول ظلامًا كاملاً، وهي: غرينلاند، آيسلندا، إسبانيا، روسيا، وجزء صغير من البرتغال، بينما ستتمكن أوروبا وأفريقيا وأمريكا الشمالية من متابعة الكسوف بشكل جزئي.
تكرار الكسوفات.. هل هي نادرة حقًا؟
الادعاءات المتداولة بأن الكسوف "يحدث مرة في القرن" غير دقيقة، فبحسب سجلات ناسا ومجلة الفلك Astronomy، هناك على الأقل كسوفان للشمس كل عام، وقد يصل العدد أحيانًا إلى ثلاثة كسوفات (كلي أو جزئي أو حلقي) حول العالم، إذن، فإن الظاهرة ليست نادرة بقدر ما يعتقد الناس، لكنها نادرة فقط في أن تكون مرئية من مكان بعينه.
تحذيرات ناسا.. المشاهدة بالعين المجردة للكسوف خطيرة
شددت وكالة "ناسا" على أن النظر المباشر إلى الشمس أثناء الكسوف، قد يتسبب في أضرار خطيرة ودائمة لشبكية العين، قد تصل إلى فقدان البصر.
وأوصت وكالة "ناسا" باستخدام نظارات خاصة معتمدة للكسوف، تحمل ترخيص ISO 12312-2، أو أجهزة الإسقاط غير المباشر مثل الثقوب الصغيرة أو العدسات المثقبة، أو التلسكوبات المزودة بمرشحات شمسية معتمدة.
كما حذرت من الاعتماد على النظارات الشمسية التقليدية، والزجاج المعتم أو الملون، وكذلك كاميرات الهواتف غير المزودة بمرشحات، والتي قد تحرق حساس الكاميرا وتضر العين.
البُعد الثقافي والروحي للكسوف
لطالما ارتبطت ظاهرة الكسوف بالأساطير والطقوس الروحية في ثقافات عدة، ففي بعض الحضارات القديمة، اعتُبر الكسوف "ابتلاعًا للشمس من قِبل تنين سماوي".
وفي العالم الإسلامي، ترتبط الظاهرة بصلاة "كسوف الشمس" التي حث عليها النبي محمد ﷺ.
وفي المجتمعات المعاصرة، أصبح الكسوف حدثًا علميًا وثقافيًا يجمع الناس حول السماء في لحظة تأمل فريدة.
اقرأ أيضًا: خسوف القمر الدموي في سبتمبر.. أطول ظاهرة فلكية لعام 2025
"كسوف القرن".. فرص علمية استثنائية
إلى جانب جمال المشهد، يمثل الكسوف فرصة ذهبية للعلماء لدراسة الغلاف الجوي للشمس (الهالة الشمسية)، الذي يصبح مرئيًا بوضوح، والانفجارات الشمسية وتأثيرها على الأقمار الاصطناعية، وتأثير الظلام المؤقت على الحيوانات والنباتات.
وقد أعلنت "ناسا" بالتعاون مع جامعات عدة عن إرسال مناطيد وأقمار صغيرة لمراقبة الظاهرة وجمع بيانات نادرة.
وبينما يستعد الملايين لرفع أبصارهم إلى السماء، تبقى الحقيقة أن هذا الكسوف ليس مجرد حدث بصري، بل تجربة إنسانية تُذكرنا بمدى ضآلة كوكبنا أمام عظمة الكون.
ست دقائق من الظلام الكوني ستجمع البشر في لحظة انبهار واحدة، حيث تختفي الشمس مؤقتًا خلف ظل قمر صغير، لتُظهر لنا أن الطبيعة ما زالت تحتفظ بأسرار تُثير الدهشة في كل مرة، وفي موعد لا ينبغي تفويته، ليس لأنه نادر فحسب، بل لأنه يمنحنا فرصة لنعيش جميعًا تحت سماء واحدة، بعيون شاخصة إلى مشهد لن يتكرر قريبًا.
