أسرار البداية الذكية: كيف يتجنب رائد الأعمال الجديد القرارات المتهورة؟
في السنوات الأخيرة، أصبح الكثيرون يفكرون في بناء مشاريعهم الخاصة، والاستقلال بأعمالهم بعيدًا عن قيود الوظائف، على حدِّ توصيف شريحةٍ من رواد الأعمال.
الإحصائيات تُشير إلى أن أكثر من نصف الراغبين في الاستقلال بأعمالهم، أو بمعنى آخر الراغبين في أن يصبحوا مديرين لأنفسهم، مُستعدين لتحمل درجة لا بأس بها من المخاطرة المالية لبدء أعمالهم الخاصة.
لكن، وكما نعرف جميعًا، ليست هكذا تُدار الأمور، فعالم الأعمال لا يرحم، وأخطاء رواد الأعمال الجُدد قد تكون كارثية، وتتسبب في خسارة كل مجهوداتهم التي كوّنوها طوال السنوات.
نصائح لتجنب أخطاء يرتكبها رواد الأعمال
غالبًا ما تكون المرحلة الأولى لأي شركة ناشئة هي المرحلة الأكثر حساسية وتأثيرًا على مصير المشروع ككل، والشيء اللافت أن جزءًا كبيرًا من الإخفاقات تحدث نتيجة القرارات المتهورة، المدفوعة بالحماس المبالغ به، والذي يُذهب التفكير المنطقي، وليس بسبب سوء أو ضعف فكرة المشروع في حد ذاتها.
أخطاء يرتكبها رواد الأعمال الجدد
إلى جانب أخطاء رواد الأعمال في المرحلة الأولى من بناء شركاتهم، هناك أخطاء أخرى شائعة وقاتلة، مثل:
اختيار نموذج أعمال خاطئ
كثيرٌ من المبتدئين يقعون في حب نموذج "المشروع الفردي Sole Proprietorship"؛ ظنًا منهم أنه أكثر ربحية وبساطة، لكن الواقع أن هذا النموذج يحمل أبعادًا خطيرة، سواء على مستوى المسؤولية القانونية أو المالية، وبسبب خطأ بسيط، قد يخسر رائد الأعمال الجديد كل شيء!
السؤال المهم في هذه المرحلة يجب أن يكون: ما هو النموذج المناسب لقدراتي وخبرتي ورأس المال الذي أملكه؟ وبدلًا من التفكير بأنانية، يجب على رائد الأعمال الجديد أن يُفكر في النماذج الأخرى، التي توفر تقاسم المسؤوليات والأرباح مع أطراف أخرى.
التعالي على المشروع
يمكن تسميتها أيضًا بالثقة الزائدة في النفس، والمقصود هنا أن يظن رائد الأعمال نفسه قادرًا على إدارة كل جوانب المشروع بمفرده، دون أي نوع دعم من الآخرين.
وهي واحدة من أكثر أخطاء رواد الأعمال الجدد شيوعًا، إذ قد يعتقدون بأنهم يجب أن ينفذوا كل شيء بأنفسهم، بدايةً من تطوير المنتج إلى التسويق والتفاعل مع العملاء.
وهنا يجب أن يفهم كل رائد أعمال جديد، أن لكلٍ صنعته التي يبرع فيها، فالمهمة الأولى يجب أن توكَّل إلى قسم "البحث والتطوير R&D"، والثانية إلى قسم "التسويق Marketing"، والثالثة إلى "العلاقات العامة PR"، وذلك لاتخاذ قرارات مدروسة، وتركيز صاحب العمل على ما يُفترض أن يفعله بالأساس، وهو مراقبة تطور شركته.
البدء لمجرد البدء
يبدأ الكثيرون أعمالهم الخاصة لمجرد أن يحصلوا على لقب "رائد أعمال"؛ دون أهدافٍ واضحة، وهو ما يُشبه البحّار التائه وسط المحيط دون بوصلة تُرشده.
والحقيقة أن كُل رائد أعمال عليه أن يعرف ما المنتج أو الخدمة التي سيقدمها تحديدًا، ولمن، ولماذا، ونقاط قوته وضعفه، إلخ.
فإذا كنت رائد أعمال يتحسس خطاه، فتعلم صياغة ما يُعرف بـ"بيان المهمة Mission Statement"، واعرف هدفك جيدًا واحرص على أن يكون قابلًا للتحقيق وفق قاعدة SMART، التي تحدثنا عنها في تقارير سابقة.
اقرأ أيضًا: هل أنت من رواد الأعمال؟ إليك 5 كتب يرشحها الخبراء
التقليل من أهمية التسويق والعكس
كثير من المشاريع تتعثّر، إما لأنها تجاهلت التسويق، أو لأنها أنفقت عليه أكثر مما تتحمّل، والحقيقة أن أفضل منتج في العالم لن يبيع نفسه، لكن المشروع نفسه سيفلس إن أُنفِقَ على تسويقه أكثر من اللازم، فالتسويق يجب أن يكون مدروسًا، وأن يوضع وفق خطة واضحة تُحدد ميزانيته.
السعي وراء المثالية
لهذا الخطأ أوجهٌ كثيرة، منها أن يؤجّل رائد الأعمال المبتدئ إطلاق المنتج حتى يكون كاملًا، متغافلًا فكرة أن أغلب المنتجات الناجحة في العالم بدأت بنسخٍ أولية معيوبة.
ولا أحد يُنكر أهمية أن يكون المنتج كاملًا مليئًا بالمميزات، وبالتأكيد أنه كلما كان كذلك كان أفضل، لكن الشيء الأهم أن يصل المنتج إلى السوق باكرًا وإذا كان به عيب ما، فيمكنك إصلاحه سريعًا بعد أن تستفيد من آراء العملاء، فكل يوم تؤجل فيه دخول السوق، تفقد زخمًا وفرصًا لردود فعل قيمة، فلا تنتظر الفرصة المثالية، وابدأ فحسب.
الرغبة في التوسع السريع
التوسّع السريع هو أحد أكثر أخطاء رواد الأعمال المبتدئين، وأكثر الأسباب التي تُفشل الشركات الناشئة، سواء بتوظيف موظفين لا حاجة حقيقية لهم، أو بفتح أسواق جديدة قبل اختبار السوق الحالية.
هذا لا يعني أن تحجم عن النمو، بل أن تكون واقعيًا؛ لا توظّف إلا إن كان ذلك يخفف عنك عبئًا واضحًا، أو يضيف قيمة مباشرة، أو يحسّن المردود المالي.
الخوف من سرقة فكرتك
واحدة من أكثر المخاوف شيوعًا بين رواد الأعمال في بداياتهم هي أن يُفصحوا عن فكرتهم، فيتم "سرقتها" وتنفيذها من قِبل شخص آخر.
هذا الخوف، رغم أنه مفهوم، فإنه مبالغ فيه في أغلب الأحيان، والحقيقة أن الناس لا يسرقون الأفكار، بل يتجاهلونها، فالفكرة وحدها لا تكفي، والتنفيذ هو ما يصنع الفارق.
القلق من السرقة قد يمنعك من خطوات أساسية، مثل عرض فكرتك على عملاء محتملين، والحصول على تمويل، والبحث عن شريك تقني، أو حتى مناقشتها مع صديق قد يُلهمك بتعديل جوهري، فإذا ظللت صامتًا خوفًا، ستخسر فرصة التعلّم، وفكرتك ستبقى في درج المكتب لا في السوق.
الجهل بمهارات الإقناع
كمبتدئ، أغلب الظن أنك لن تمتلك فريقًا، وأغلب الظن أيضًا أنك أنت من سيُضطر لبيع المنتج أو الفكرة للآخرين.
ومن الأخطاء القاتلة أن تظن أن جودة منتجك أو فكرتك تكفي وحدها لتجعل الناس يشترون، والواقع أن السوق مزدحم، والانتباه نادر، والناس لا تشتري فقط بناءً على القيمة، بل بناءً على قدرتك على شرح تلك القيمة لهم بشكل جذاب، ومن ثم يجب أن تتمتع بقدرة عالية على الإقناع والبيع حتى تنجّح فكرتك، سواء كنت تخاطب مستثمرًا أو عميلًا أو شريكًا، فقط تعلم.
تجاهل الجمهور
المنتج الجيد لا يساوي شيئًا إذا لم يكن يلبي احتياجًا حقيقيًا لدى جمهور محدد، فلا تظن أن فكرتك وحدها كافية لتجعل الناس يدفعون.
اعرف عملاءك جيدًا، أي راقب سلوكهم الشرائي، واستمع لهم جيدًا، ولا مشكلة أن تسألهم، فالفهم العميق هو وسيلتك الوحيدة التي يمكن أن تُنجيك من الضباب.
أهمية الفهم العميق للسوق عند تأسيس شركة ناشئة
أخيرًا، إذا كنت تريد اقتحام سوقٍ يمتلك لاعبيه الرئيسيين بالفعل، فلا بد ولا مفر من دراستهم جيدًا؛ فالسوق لا يهتم بمدى حماسك، بل بمدى فائدة الشيء الذي تقدمه مقارنةً بالبدائل المتاحة.
ولكي تعرف جودة البدائل المتاحة، يجب أن تدرس منافسيك؛ تعرف من هم، وماذا يقدمون، وكيف يسعرون منتجاتهم، وما نقاط قوة وضعف هذه المنتجات، إلخ.
