السيارات ذاتية القيادة تنطلق في الرياض.. السعودية تفتح رسميًا أبواب النقل الذكي
يشهد العالم تطورات هائلة في صناعة المركبات وتسهيل سبل المواصلات، وذلك بإدخال الذكاء الاصطناعي لتأمين مهام القيادة، وينتج عن ذلك ما يُعرف اليوم بالمركبات ذاتية القيادة، التي تتميز بقدرتها على استشعار محيطها والتحرك بتحكم واكتفاء ذاتي، ومن المتوقع أن تسهم هذه المركبات في تخفيف الازدحام المروري، وتحسين جودة الحياة، وتحقيق درجات سلامة عالية.
وقد ازداد اهتمام عدد من الدول بالمركبات ذاتية القيادة في الآونة الأخيرة، مما دفعها إلى السعي لرفع جاهزيتها لتبني هذه الوسائل في منظومتها للنقل، عبر وضع السياسات التشريعية اللازمة لاستخدامها، والاستثمار في تهيئة بنيتها التحتية، فضلاً عن تخصيص طرق لإجراء الاختبارات.
تشغيل المركبات ذاتية القيادة في الرياض
جانب من تدشين المرحلة التطبيقية الأولية للمركبات ذاتية القيادة في المملكة.#مسارات_مستقبلية#وزارة_النقل_والخدمات_اللوجستية pic.twitter.com/jtsf7TzPUF
— وزارة النقل والخدمات اللوجستية (@SaudiTransport) July 23, 2025
وفي خطوة تُعد الأولى من نوعها على مستوى المملكة العربية السعودية، دشن وزير النقل والخدمات اللوجستية، المهندس صالح الجاسر، المرحلة التطبيقية الأولية لتشغيل المركبات ذاتية القيادة في مدينة الرياض، وذلك ضمن مشروع طموح يعكس توجهات السعودية نحو تطوير منظومة نقل ذكية وآمنة، تعتمد على أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي.
ويأتي هذا الإطلاق في إطار الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية، وضمن مستهدفات رؤية السعودية 2030، الرامية إلى تعزيز الاستدامة وتوظيف الحلول التكنولوجية المتقدمة لتسهيل التنقل وتحسين جودة الحياة.
يسهم إطلاق المرحلة التطبيقية الأولى من المركبات ذاتية القيادة في تعزيز مستقبل التنقّل الذكي والمستدام.#الهيئة_العامة_للنقل_TGA pic.twitter.com/Xaodwku2CE
— الهيئة العامة للنقل | TGA (@Saudi_TGA) July 23, 2025
وتنطلق المركبات ذاتية القيادة في هذه المرحلة ضمن بيئة تشغيلية واقعية تغطي 7 مواقع، بينها مطار الملك خالد الدولي، وعددًا من المواقع الحيوية في مدينة الرياض، وتشمل طرقًا سريعة ووجهات مختارة في وسط المدينة، وفقًا لوكالة الأنباء السعودية.
وتُنفذ المرحلة تحت إشراف تنظيمي وفني مباشر من الهيئة العامة للنقل، فيما تعمل المركبات خلال هذه المرحلة على نقل الركاب مع وجود مسؤول أمان داخل كل مركبة، لضمان السلامة ومتابعة أداء الأنظمة الذكية في الظروف الفعلية.
وقد أكد المهندس صالح بن ناصر الجاسر، على أن إطلاق هذه المرحلة التطبيقية الأولية يجسد الرؤية الطموحة للمملكة نحو بناء منظومة نقل ذكية ومتكاملة، تدعم النمو الاقتصادي وتحسن جودة الحياة.
وأشار إلى أن تمكين التقنيات الحديثة وتطوير الأطر التنظيمية والتشغيلية، يمثلان محورًا رئيسيًا للتوسع في تطبيق هذه التقنية، يدعم التحول الذي يشهده قطاع النقل، وامتدادًا لجهود المملكة نحو تعزيز الاستدامة، ورفع كفاءة التنقل، وتوطين الابتكار.
فيما أكد الجاسر، أن هذا المشروع يُعد نموذجًا يحتذى به في الشراكة بين القطاعين العام والخاص نحو مستقبل تنقل أكثر ذكاءًا وأمانًا.
مواقع تغطية المرحلة الأولى للمركبة ذاتية القيادة
تعمل المركبات ذاتية القيادة في بيئة تشغيلية واقعية، وتغطي مواقع حيوية تشمل: الصالتين رقم 2 و5 بمطار الملك خالد الدولي، وواجهة روشن للأعمال، وجامعة الأميرة نورة، ومحطة قطار الشمال، إضافة إلى مقر الهيئة العامة للنقل، كما تشمل المرحلة الأولى 13 محطة ركوب وإنزال موزعة على طرق رئيسية في العاصمة.
وأوضحت وكيل تمكين النقل في الهيئة العامة للنقل، الدكتورة أميمة بامسق، أن المرحلة الحالية ستستمر لمدة 12 شهرًا، تحت إشراف مباشر من الهيئة، قبل أن يتم التوسع إلى مراحل جديدة تغطي مختلف مناطق المملكة.
ولضمان أعلى معايير السلامة، أكدت الهيئة أن كل مركبة ستضم "مسؤول أمان" خلال فترة التشغيل الأولية، لمتابعة الأداء وتقييم الأنظمة الذكية في ظروف واقعية، كما أشارت بامسق، إلى أن الوجهات التي تم اختيارها خُطط لها بعناية، لتلبية احتياجات سكان الرياض وزوارها على حد سواء.
فيما يُنفذ هذا المشروع من خلال شراكة تكاملية بين عدد من الجهات الحكومية مثل: وزارة الداخلية، وهيئة البيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وهيئة المواصفات والمقاييس، إضافة إلى شركات خاصة رائدة في التقنيات مثل WeRide وAiDriver وUber، ما يجعله نموذجًا فاعلاً للتعاون بين القطاعين العام والخاص.
5 عناصر جذب لمستخدمي النقل الذكي
يعزز إطلاق المرحلة الأولى من المركبات ذاتية القيادة في الرياض، خيارات منظومة النقل في المملكة العربية السعودية، مما يوفر 5 عناصر جذب للمستخدمين:
- ارتفاع مستوى الأمان إلى 10 أضعاف مقارنة بالسيارات التقليدية
- تحسين حركة المرور عبر خفض الازدحام بالاعتماد على تخطيط مسار القيادة
- استخدام خوارزميات معقدة لتحديد المسافة بين المركبات
- خفض الانبعاثات الكربونية
- تقليل أعباء التنقل لغير السائقين.
وتستحدث المملكة بذلك نمط تنقل جديد يعتمد على الذكاء الاصطناعي، بعد تجارب واسعة على المركبات ذاتية القيادة في بيئات محمية، والتي انتقلت الآن إلى التطبيق في 7 مواقع حيوية بالرياض، بسرعة قصوى تبلغ 100 كلم/ساعة، مع توفير 13 محطة شحن كهربائية، خلال المرحلة الأولى من المشروع.
وتمتد هذه المرحلة لـ12 شهرًا، وتهدف إلى بناء منظومة نقل ذكية آمنة، تدعم الابتكار وتوفر بيئة نقل موثوقة، وتحقق التكامل مع وسائل النقل الأخرى، تماشيًا مع توجهات المملكة نحو مستقبل أكثر استدامة وكفاءة في قطاع النقل، حسب هيئة النقل.
كما تبرز مزايا النقل الذكي التي يمكن تلخيصها في عدة نقاط، منها:
- تقليل الحوادث:
تتبنى عددًا من الدول مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، والصين، وسنغافورة، المركبات ذاتية القيادة للأسباب ذاتها التي جعلت السعودية تعتمدها وسيلة نقل جديدة في العاصمة، لتلحق بمشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام، الذي يتضمن الحافلات وقطار الرياض، من أجل توفير حلول متكاملة للنقل العام.
وفي الإطار ذاته، تتعزز الأسباب التي تدفع نحو اعتمادها، على غرار تقليل الحوادث، فالقيادة الذاتية تعتمد على أنظمة تقنية، وبالتالي تقلل أخطاء البشر التي تتسبب في معظم الحوادث، وتظهر بيانات شركات مثل "Waymo" أن الاعتماد على المركبات ذاتية القيادة يخفض إصابات الحوادث بنسب تصل إلى 90%، وهو الأمر ذاته الذي ينسجم مع رغبة المملكة في تقليل حوادث الطرقات إلى أقل من 5 حالات لكل 100 ألف نسمة.
- حماية البيئة:
تعتمد المركبات الذاتية على الكهرباء، كما تُبرمج وفقًا لأنماط قيادة ذكية تقلل استهلاك الطاقة، وتشير دراسات أجراها معهد ماساتشوستس التقني، بأنها تخفض الانبعاثات الكربونية واستهلاك الوقود، ما يدعم أهداف التنمية المستدامة.
كذلك فإن التنسيق بين المركبات الذاتية يمكّنها من السير بسلاسة أكبر، وتقليل التوقفات المفاجئة، ما يخفف من الازدحام المروري، ويزيد من كفاءة استخدام الطرق، خاصة في المدن الكبرى.
- شمولية التنقل:
توفر المركبات الذاتية حلاً مثاليًا للأشخاص الذين لا يستطيعون القيادة، مثل كبار السن وذوي الإعاقة، ما يجعل التنقل أكثر عدالة وشمولاً لجميع فئات المجتمع.
ومع الوقت، يمكن للمركبات الذاتية تقليل الحاجة لامتلاك سيارة خاصة، كما ستقلل من تكاليف النقل الفردي، والاستفادة من المساحات المخصصة لمواقف السيارات في استخدامات حضرية أكثر فاعلية.
وفي سياق عالمي، توقعت شركة "ماكنزي" للاستشارات، أن تصل نسبة المركبات الذاتية جزئيًا أو كليًا في بعض المدن الكبرى إلى أكثر من 15% بحلول العام 2030، مؤكدة أن هذه التقنية ستغير شكل المدن وسلوكيات التنقل بشكل جذري.
كما ذكرت شركة "Waymo" التابعة لألفابت، مالكة Google، أن سياراتها الذاتية قطعت حوالي 114.3 مليون كيلومتر بدون سائق بشري، ما يؤكد تصاعد الثقة بهذه التقنية واستعداد الأسواق لتبنيها.
أولى خطوات مشروع المركبات ذاتية القيادة في السعودية
انطلقت أولى الخطوات السعودية في مجال المركبات ذاتية القيادة عام 2019، عندما دشنت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست"، أول تجربة لحافلة ذاتية القيادة داخل حرمها الجامعي.
وفي مايو 2021، دخلت تقنية وخدمات التوصيل بالمركبات ذاتية القيادة إلى المملكة عبر شراكة بين "الشروق إكسبرس" السعودية المتخصصة بالتوصيل، و"تيسكبوتيكس" لتقنيات الذكاء الاصطناعي من هونغ كونغ، بدعم من وحدة التحول الرقمي في السعودية.
والبداية كانت من مدينة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست"، الواقعة شمال جدة، حيث وضعت "الشروق إكبسرس" مركبتين ذاتيتيْ القيادة في الخدمة، "وهما حاليًا تجوبان شوارع كاوست، بقدرة استيعابية 70 طلبًا في اليوم للمركبة، وقد نجحت التجربة في جميع مراحلها بنسبة خطأ صفرية"، كما أكد حينها الرئيس التنفيذي لشركة "الشروق إكسبرس" أحمد خنفر لـ"الشرق".
وتتراوح تكلفة وحدة القيادة الذاتية هنا بين 25 إلى 40 ألف دولار، حيث تتكون من أجهزة ليدار ميكانيكية، وأجهزة ليدار شبه صلبة، وهي تكنولوجيا استشعار لتحديد المدى عن طريق الضوء أو الليزر، بالإضافة إلى الكاميرات، وأجهزة تحديد المواقع "DGPS"، ووحدة تحكّم عن بُعد في القيادة لتساعدها على التنقل الذاتي، بما يتيح، على سبيل المثال، "تقديم خدمات التوصيل للميل الأخير يوميًا من غرفة البريد بالحرم الجامعي في كاوست إلى عناوين القاطنين في المنطقة السكنية، والبالغ عددهم 400"، بحسب خنفر.
فيما قدر أن يصل سوق توصيل الشحنات عبر المركبات ذاتية القيادة إلى أكثر من 236 مليون دولار بحلول العام2027، وفقًا لتقرير صادر عن "فيرفايد" لأبحاث السوق.
ومع تقدم التقنيات، توسعت المملكة في هذا المجال، حيث أُعلن في بداية عام 2025 عن إنشاء "ساحة الاختبارات المستقبلية للتنقل"، التي أتاحت اختبار المركبات ذاتية القيادة والطائرات ذات الإقلاع والهبوط العمودي في بيئة واقعية.
وفي صبيحة 23 يوليو 2025، توّجت هذه الجهود بتدشين المرحلة التطبيقية الأولية للمركبات ذاتية القيادة في مدينة الرياض، إيذانًا ببدء التشغيل التجريبي على نطاق حضري، ضمن خطة وطنية شاملة للنقل الذكي.
إطلاق المرحلة التطبيقية الأولية للمركبات ذاتية القيادة في المملكة..
خطوة تعكس توجّه المملكة نحو منظومة نقل ذكية ومستدامة، تحقق معها توجهات الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية.#مسارات_مستقبلية#وزارة_النقل_والخدمات_اللوجستية pic.twitter.com/bWqYXySp38— وزارة النقل والخدمات اللوجستية (@SaudiTransport) July 23, 2025
مركبات "أوبر" ذاتية القيادة في السعودية
في مايو 2025، أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "أوبر"، دارا خسروشاهي، أن الشركة تعتزم إطلاق مركبات ذاتية القيادة في المملكة العربية السعودية خلال العام الجاري، مشيرًا إلى أن "أوبر" تجري حاليًا محادثات مع شركاء في مجال القيادة الذاتية، بالإضافة إلى عدد من الوزارات في المملكة.
وقال في جلسة حوارية ضمن منتدى الاستثمار السعودي - الأمريكي، إن "المملكة تنفذ مشاريعها دومًا بطموح وزخم كبيرَيْن"، معربًا عن حماسه لرؤية هذه التقنيات قريبًا على أرض الواقع.
وفيما يتعلق بمستقبل التنقل، تحدث خسروشاهي، عن المركبات ذاتية القيادة، واصفًا إياها بأنها "تمثل مستقبلاً واعدًا"، لما توفره من سلامة أكبر على الطرق، إذ إنها غير معرضة للتشتت أو الإهمال، وتتعلم باستمرار من البيانات والملايين من الأميال التي تقطعها حول العالم.
فيما أكد أن "أوبر" تعمل حاليًا مع 18 شريكًا في مجال المركبات ذاتية القيادة، وتهدف لأن تكون منصة تتكامل مع المدن والجهات التنظيمية، لضمان إدخال هذه التقنية بشكل آمن إلى المملكة.
التحديات التي تواجه توسع القيادة الذاتية في المملكة
على الرغم من هذه الخطوات الواعدة، يواجه تبني السيارات ذاتية القيادة في المملكة العربية السعودية عدة تحديات، أبرزها: البنية التحتية، حيث تحتاج المركبات ذاتية القيادة إلى بنية تحتية رقمية متطورة، تشمل شبكات اتصال عالية السرعة، وأنظمة خرائط دقيقة تُحدّث بشكل فوري، إضافة إلى إشارات مرور ذكية وحساسات موزعة في الطرق.
كذلك يفرض انتشار هذا النوع من المركبات تطوير قوانين واضحة تنظم تشغيلها، وتحدد المسؤوليات في حالة وقوع حوادث، إضافة إلى معايير السلامة المطلوبة لاعتماد هذه المركبات.
كما يمثل إقناع الجمهور بالوثوق في السيارات ذاتية القيادة تحديًا كبيرًا، خصوصًا في المجتمعات التي اعتادت نمطًا تقليديًا في القيادة يعتمد على تدخل الإنسان.
بالإضافة إلى البيئة الصحراوية والغبار والحرارة العالية في بعض مناطق المملكة، والتي قد تُعقّد عمل الحساسات والكاميرات الخاصة بهذه المركبات، ما يتطلب حلولاً تقنية مصممة خصيصًا للظروف المحلية.
ورغم التحديات، تقدم القيادة الذاتية فرصًا واعدة للمملكة العربية السعودية على عدة مستويات، منها:
- تقليل الحوادث، حيث يمكن للمركبات ذاتية القيادة المساهمة في تقليل نسبة الحوادث بشكل كبير، بما ينعكس إيجابًا على حياة الأفراد وخفض تكاليف الرعاية الصحية.
- رفع كفاءة النقل لما تتيحه هذه التقنية من تحسين في انسيابية المرور وتقليل الاختناقات المرورية، من خلال اعتماد أنظمة ذكية تدير حركة السيارات بشكل متناسق.
- تعزيز الاقتصاد المحلي وفتح آفاق جديدة للاستثمار في الشركات الناشئة، وتطوير البرمجيات، والصناعات المرتبطة بالحساسات والاتصالات، الأمر الذي يسهم في تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط.
- دعم الاستدامة البيئية، فغالبًا ما تُستخدم المركبات ذاتية القيادة بالتكامل مع تقنيات الدفع الكهربائي، ما يقلل الانبعاثات الكربونية ويعزز جهود المملكة في حماية البيئة.
وأخيرًا، يبدو أن المملكة العربية السعودية تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل يُشكل فيه الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، ورغم أن الطريق نحو اعتماد واسع النطاق لتقنيات القيادة الذاتية لا يخلو من التحديات، فإن الإرادة السياسية، والاستثمارات الكبيرة، والانفتاح على الابتكار، كلها عوامل تجعل المملكة في موقع متميز، لتكون من روّاد هذا المجال في المنطقة والعالم.
