في وقت قياسي.. كيف نجحت السعودية في انتزاع استضافة إكسبو 2030؟
يمتد تاريخ معارض إكسبو الدولية لأكثر من 170 عامًا، حيث أُقيم أول معرضٍ في لندن عام 1851، وكان يُعرَف بـ"المعرض العظيم Great Exhibition"، ومنذ ذلك الحين أُقيمت معارض إكسبو في العديد من المدن حول العالم، وأصبحت منصة رئيسة لعرض الاختراعات والابتكارات التكنولوجية.
النسخة القادمة من المعرض؛ إكسبو 2030، ستُقام في العاصمة السعودية الرياض، وذلك بعد أن تمكنت المملكة من الحصول على الاعتماد النهائي من المكتب الدولي للمعارض BIE في سرعةٍ قياسية، تقريبًا في نصف المدة، فما الذي فعلته السعودية لتستضيف معرضًا بهذا الحجم، وسط منافسة شرسة من كوريا الجنوبية وإيطاليا وغيرهما؟
معرض إكسبو 2030
إكسبو معرض عريق، يمتد تاريخه لأكثر من 170 سنة، ويهدف إلى إثراء الابتكار والصناعات التكنولوجية والعلمية وغيرهما، وقد أقيمت النسخة الأولى من هذا المعرض في لندن عام 1851، تحت اسم "المعرض العظيم Great Exhibition"، وقد زارها في ذلك الوقت نحو 6 ملايين شخص، وُظِّفَت نصف المبالغ التي دفعوها في تأسيس أشهر المتاحف اللندنية مثل متحف فيكتوريا وألبرت.
وما لا يعرفه الكثيرون أن مُعظم المنتجات والأجهزة التي نستخدمها اليوم قُدمت للمرة الأولى أمام الملأ في معرض إكسبو، على سبيل المثال: التليفون قُدِّم في النسخة الثانية من المعرض (الولايات المتحدة، فيلاديلفيا 1876)، والمصباح الكهربائي (في الولايات المتحدة، نيو أورلينز 1884)، وجهاز الأشعة السينية (في الولايات المتحدة، بافلو 1901)، والتلفاز (في الولايات المتحدة، نيويورك 1939)، وأجهزة الكمبيوتر (في الولايات المتحدة، سياتل 1962)، والقائمة تطول.
نبذة عن ملف ترشح الرياض لإكسبو 2030
مثّل ملف ترشح الرياض لاستضافة معرض إكسبو 2030 إنجازًا استثنائيًا بكل المقاييس، حيث تمكنت العاصمة السعودية، في نوفمبر 2023، من الفوز بأحقية الاستضافة من الجولة الأولى للتصويت، محققة 119 صوتًا من أصل 165 للدول الأعضاء في المكتب الدولي للمعارض BIE.
هذا الفارق الكبير في الأصوات، يُعد من أكبر الهوامش في تاريخ المعرض العريق، وهو ما يعكس حجم الثقة الدولية في قدرات المملكة العربية السعودية على تنظيم حدث عالمي بهذا المستوى، كما يعكس تفوقها الواضح على أشرس منافسيها؛ من بوسان الكورية الجنوبية إلى روما الإيطالية.
فترة إقامة المعرض والثيم الأساسي
سيقام معرض إكسبو في الرياض بدايةً من أكتوبر 2030 وحتى مارس 2031، ويتوقع أن يستقبل أكثر من 40 مليون زائر من حول العالم.
والشيء اللافت هنا أنه سيتوافق مع عام 2030، الذي يمثل لحظةً مفصلية للعالم، حيث يشهد اكتمال أجندات عالمية كأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، بالإضافة إلى رؤية المملكة.
أما بالنسبة لشعار أو "لوجو" الحدث، فهو عبارة عن نخلة تتفرع منها ست سعفات؛ كُل سعفة تحمل نمطًا ولونًا مميزًا، في تجسيد لتنوع وحيوية العاصمة، كما يعكس الشعار موضوعات المعرض التي تشمل الطبيعة، والعمارة، والفن، والتقنية، والعلوم، والتراث.
أما الموضوع أو الثيم الأساسي الخاص بنسخة المعرض في السعودية، فهو "Foresight for Tomorrow" أو "استشراف الغد" بالعربية، يُعبر عن رغبة المملكة في استكشاف الفرص والتحديات الراهنة، والتفكير في كيفية التصدي لها، فضلًا عن استشراف المستقبل والتخطيط له بشكل فعال.
اقرأ أيضًا: إكسبو 2030 الرياض يحصل على الضوء الأخضر الدولي رسميًا
وتتلخص محاور المعرض هذا الدورة في: التكنولوجيا التحولية التي تستعرض الابتكارات في مجالات الذكاء الاصطناعي، وشبكات الجيل الخامس 5G، والتنقّل، والرعاية الصحية، والصناعات الناشئة؛ والحلول المستدامة التي تقدم مسارات عملية نحو كوكب أكثر عدالة واستدامة؛ والتنمية الشاملة، وخلق فرص العمل، والتعليم، والتبادل الثقافي.
مشاريع السعودية الرئيسة استعدادًا لإكسبو
المملكة العربية السعودية لم تحصل على حق استضافة المعرض وفي وقتٍ قياسي بالمصادفة، ولكن نتيجة لجهد وعمل كبير، حيث:
طورت البنية التحتية للرياض بشكل كبير، وذلك من خلال تطوير أنظمة نقل عام ذكية، وربطها بشبكة قطار الأنفاق، مع تخصيص محطة لإكسبو تتيح الوصول المباشر من المطار إلى موقع المعرض في غضون 10 دقائق فقط.
كما تم توسيع شبكة النقل العام لتشمل 176 كيلومترًا من خطوط المترو الجديدة، إلى جانب تعزيز البنية التحتية الرقمية، من خلال الاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الحديثة في مجالات الروبوتات والاتصالات.
كما خصصت المملكة مساحةً شاسعة تقدر بنحو مليوني متر مربع لاستقبال أكثر من 40 مليون زائر في آلاف الوحدات السكنية، فيما يولي المخطط الرئيس أهمية كُبرى للاستدامة، من خلال الاعتماد على الطاقة المتجددة، وزراعة ملايين الأشجار، وتوفير بنية تحتية خضراء تدعم أنماط الحياة الصحية.
وقد أولت المملكة اهتمامًا كبيرًا بالمشهد الثقافي، حيث أُسس معهد مسك للفنون برعاية ولي العهد، وعادت المملكة للمشاركة في معرض بينالي البندقية بعد غياب لمدة 8 سنوات، كما تم تطوير مراكز ثقافية مثل مركز الملك عبد العزيز الثقافي (إثراء).
اقرأ أيضًا: الرئيس الفرنسي: نرغب بأن نصبح شريكًا للسعودية في إكسبو 2030 ومونديال 2034
وعملت الرياض كذلك على تقديم برامج سياحية متكاملة، تُبرز التراث السعودي ومواقع الجذب الرئيسية مثل العُلا، والبحر الأحمر، والدرعية، ومن ثم فإن التوقعات بارتفاع عدد الزوار الأجانب إلى 70 مليونًا بحلول عام 2030 ليست غريبة في ظل هذا التطور الذي تشهده المملكة.
ما أهمية إكسبو 2030 بالنسبة للسعودية؟
يمثل إكسبو 2030 في الرياض جسرًا ثقافيًا عالميًا، ومن المتوقع أن تشارك فيه أكثر من 200 دولة، ليصبح بذلك أول مركز عالمي للتبادل الثقافي بهذا الحجم.
كما يُعتبر المعرض نقطة تحول رئيسية، وبداية لمستقبل أكثر إبداعًا، إذ سيشكل انطلاقة لمرحلة جديدة من النمو وظهور شركات عالمية، وهذه مجرد البداية لما يمكن أن نطلق عليه "عصر ما بعد الإكسبو"، والذي سيضع الرياض في صدارة المشهد العالمي.
على الصعيد الاقتصادي، ووفقًا لتقرير منشور من شركة الراجحي المالية، من المتوقع أن يكون لاستضافة المملكة لإكسبو 2030 أثر اقتصادي كبير على قطاعات الخدمات، وعلى رأسها السياحة، والنقل، والخدمات المالية، وغيرها.
وأشار التقرير إلى أن المعرض قد يسهم بنحو 19% من الناتج المحلي غير النفطي في عام 2023، مع توقع استقبال نحو 37 مليون زائر، وزيادة عدد الزوار الأجانب إلى 70 مليونًا بحلول 2030، من بينهم أكثر من 30 مليون زائر لأغراض دينية.
كما يتوقع التقرير نمو قطاع البناء بمعدل سنوي مركب يبلغ 5.7%، ليصل إلى 79.1 مليار دولار بحلول 2030، مقارنة بـ52.2 مليار دولار في 2022، و54.5 مليار دولار بنهاية 2023.
ومن خلال إكسبو 2030، تسعى المملكة لإلهام العالم وتشجيعه على تبني حلول مستدامة، تدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية محليًا وعالميًا.
فيما يهدف المعرض إلى ترسيخ مكانة المملكة كمنصة عالمية تعكس تقدمها في الابتكار والتنمية المستدامة، وزيادة الوعي بالتحديات العالمية، ودعم الابتكار، مع توقعات بتحقيق مليون فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، وتوليد ما يقارب 50 مليار دولار من العوائد.
