منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي 2025.. بين "ستارلينك" و"الروبوتاكسي"

حلّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، برفقة كِبار المسؤولين التنفيذيين في الولايات المتحدة (من قطاعات أبرزها التكنولوجيا والبنوك)، ضيوفًا على أراضي المملكة العربية السعودية منذ أيام.
وفقًا لصحيفة The New York Times، فإن وجود المسؤولين التنفيذيين هنا كان بهدف الترويج لأعمالهم أمام المستثمرين السعوديين، في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي 2025، والشركات، والجهات الحكومية ذات الثروات الكبيرة، إضافةً إلى استغلال فرصة تواجد ترامب ومسؤوليه، مثل وزير الخزانة سكوت بيسنت ووزير التجارة هوارد لوتنيك، ومحاولة إقناعهم بتخفيف أو تعديل الرسوم الجمركية بطريقة أو بأخرى.
لكن بعيدًا عن الأهداف السياسية والدبلوماسية، ما يُهمنا الآن في هذا التقرير، أو ما سنُسلّط الضوء عليه، هو الجانب التقني، حيث سنُجمّع أبرز الأحداث الإيجابية التي ستعود بالنفع على المملكة ومواطنيها في القريب العاجل، مثل مشروع ستارلينك، أو الآجل مثل شراء أكثر من 18 ألف وحدة ذكاء اصطناعي في إطار تعاون شركة Humain السعودية -التي أُنشئت حديثًا- مع Nvidia خلال 5 سنوات. كل هذا وأكثر سنتحدث عنه بشيء من التفصيل.
أقمار ستارلينك في منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي 2025

خلال منتدى الاستثمار السعودي الأمريكي 2025، صرّح إيلون ماسك بأن المملكة وافقت على إدخال خدمة الإنترنت الفضائي "ستارلينك"، التابعة لشركة سبيس إكس، إلى أراضيها.
شكر ماسك السعودية على هذه الخطوة المهمة في سبيل التوسع والانتشار في الشرق الأوسط، حيث تكثر العديد من المناطق التي تعاني ضعف البُنى التحتية وتقل فيها درجة التغطية. ولمن لا يعرف، فخدمة ستارلينك، تعتمد على شبكة ضخمة من الأقمار الصناعية تدور في مدار منخفض بالقرب من الأرض. توفر الخدمة تعطية إنترنت واسعة على سطح الكوكب وتعمل حاليًا في أكثر من 125 دولة حول العالم.
حتى هذه اللحظة، ليس معروفًا ما إذا كانت الخدمة ستتوفر للمستخدمين العاديين أم أنها ستقتصر فقط على قطاعي النقل البحري والطيران، حيث تكاد تنعدم التغطية، لكن في كل الأحوال، هي خطوة في غاية الأهمية ضمن حزمة الاتفاقيات الاستثمارية التي تُقدر قيمتها بحوالي 600 مليار دولار.
تجدر الإشارة إلى أن العمر الافتراضي للقمر الصناعي الواحد التابع لشركة ستارلينك هو 5 سنوات. تأمل سبيس إكس أن يكون لديها عشرات الآلاف من هذه الأقمار الصناعية وتكوين ما يُشبه "الكوكبة الضخمة megaconstellation" منها. يصل وزن القمر الصناعي الواحد من ستارلينك V2 نحو 800 كجم، وهذا أثقل بأكثر من 3 أضعاف الجيل الأقدم الذي يزن حوالي 260 كجم.
الروبوتاكسي قادم إلى المملكة

الروبوتاكسي Robotaxi، أو التاكسي الآلي ببساطة، هو عبارة عن سيارة ذاتية القيادة مزودة بمجموعة من المستشعرات لتوصّلك من النقطة "أ" إلى النقطة "ب" بكل سهولة.
تستطيع هذه السيارات التنقل وسط الشوارع المزدحمة -وإن كان هذا تحديًا في بعض الأحيان- وتفادي العقبات والتعامل مع أي شيء طارئ أو مفاجئ غالبًا؛ حسب جودة السيارة.
كنا قد تحدثنا عن هذا الموضوع سابقًا، لكن ما يهمنا الآن أن هذه السيارات موجودة -بدرجات معينة- في بعض الدول مثل أمريكا والصين، والآن ستدخل إلى السعودية!
🚨 Tesla Robotaxi will be available in Saudi Arabia, Elon Musk confirms:
“You heard it here from Elon! He’s bringing Robotaxi to the Kingdom.” pic.twitter.com/3IeaZezYb8— TESLARATI (@Teslarati) May 13, 2025
إلى جانب أقمار ستارلينك الفضائية، أكد إيلون ماسك خلال مشاركته في المنتدى أن سيارات تسلا الآلية ستصل إلى السعودية، متى؟ لم يُحدد، لكن تصريحاته كانت تحمل دلالات بأن شركة تسلا تنوي التوسع في الخليج، وعمومًا، هذه هي المرة الأولى التي يُصرح فيها ماسك بأنه ينوي التوسع داخل السعودية.
ما يلفت النظر في هذا المشروع أنه ليس محصورًا في موديلات معينة من سيارات تسلا، مثل Cybercab، حيث يمكن لأي مركبة من تسلا لديها القدرة على القيادة الذاتية أن تكون "روبوتاكسي"، لكن هذا يتطلب تعاونًا من السلطات والمُستهلكين.
العلاقة بين تسلا والسوق السعودية تبدو في أحسن حالاتها. فقد أطلقت الشركة مؤخرًا شاحنات الـ Cybertruck في المملكة، وفتحت باب الطلبات للعملاء المحليين الشهر الماضي.
اقرأ أيضًا: مستقبل المركبات ذاتية القيادة.. هل سنصل إلى "المستوى الخامس"؟
بناء مراكز ضخمة للذكاء الاصطناعي

لعل الإعلان الأهم في المنتدى كان إعلان شركة Nvidia عن صفقة لبيع أكثر من 18 ألف وحدة ذكاء اصطناعي متطورة إلى شركة Humain، وذلك في بهدف تدشين بنية تحتية ضخمة لمراكز بيانات الذكاء الاصطناعي. هذه ليست مجرد صفقة، وإنما بداية لتحالف استراتيجي سيجعل السعودية من أعمدة الذكاء الاصطناعي في العالم.
السعودية نجحت فيما عجزت عنه -بل تتمناه- الصين، وهو الحصول على وحدات الذكاء الاصطناعي المتطورة التي نتحدث عنها، حيث تعتبر الولايات المتحدة هذه الوحدات أمنًا قوميًا ووسيلة للحفاظ على التفوق التكنولوجي والأمني في مجال الذكاء الاصطناعي.
شركة Humain، بقيادة طارق أمين (الذي شغل منصب الرئيس التنفيذي لأرامكو الرقمية)، تنوي أن تكون اللاعب الرئيس في إنشاء مراكز بيانات عملاقة وتطوير منصات رقمية مدعومة بأحدث النماذج الذكية. تنوي الشركة أن تستفيد من منصة Omniverse Cloud التابعة لإنفيديا لكي تُشغّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات، وذلك بقدرة 500 ميجاواط! نعم؛ 500 ميجاواط؛ وهذا رقمٌ يكفي لتغذية مدينة بها من 300 إلى 400 ألف نسمة بالكهرباء.
من إجمالي الـ 600 مليار دولار، قالت المملكة إنها ستخصص 20 مليار دولار لبناء هذه المراكز الضخمة، ورُغم أنها لم تذكر اسم إنفيديا صراحةً؛ فإن أسهم الشركة ارتفعت مباشرةً لأنه من الصعب تخيل أي سيناريو يتم فيه بناء مراكز بيانات بهذه الضخامة دون مساعدة إنفيديا؛ رائدة تزويد مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي بالوحدات أو الشرائح اللازمة.
جدير بالذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أوضح أنه يسعى لمزيد من الاستثمارات الأمريكية في المملكة، طالبًا 400 مليار دولار إضافية فوق الـ 600 مليار التي وعد بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في مكالمة هاتفية مع ترامب في يناير الماضي.
يُذكَر أيضًا أن شركة Humain الواعدة تم الإعلان عن إطلاقها قبل المنتدى بساعات، وخلاله؛ منح ترامب كلًا من الشركة السعودية و"G42" الإماراتية حق الوصول إلى شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة، خاصةً من شركة Nvidia، وهذا يمثل تخفيفًا للقيود التي فرضتها إدارة بايدن سابقًا على تصدير هذه التكنولوجيا للمملكة.
لن تستفيد السعودية من شرائح إنفيديا وحدها بالطبع، حيث أعلنت عن شراكات استراتيجية مع منافس إنفيديا؛ العملاق الأحمر AMD، والتي ارتفعت أسهمها كذلك بعد المنتدى. بالأخير، وفي بيانٍ صدر عن البيت الأبيض؛ وصفت الإدارة الأمريكية الاتفاقيات التي أبرمتها مع المملكة بأنها "تاريخية وتحولية لكلا البلدين، كما أنها تمثل حقبة ذهبية جديدة من الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية".