عودة فنان العرب.. محمد عبده ينثر سحره في ليلة الموسيقار طلال بدار الأوبرا المصرية
في ليلة استثنائية حملت عبق الفن الأصيل، أضاء فنان العرب محمد عبده، مسرح دار الأوبرا المصرية في الثاني من مايو 2025، بحفل غنائي ضخم بعنوان "ليلة الموسيقار طلال"، حيث جاءت هذه الفعالية بعد غياب دام ثلاث سنوات عن الساحة الفنية المصرية، وعودة طال انتظارها إلى خشبة الأوبرا بعد ست سنوات من آخر ظهور له عام 2019.
وشهد الحفل حضورًا جماهيريًا كبيرًا، حيث امتلأ المسرح الكبير بعشاق الطرب الأصيل، ليؤكد محمد عبده مرة أخرى مكانته كأيقونة فنية تجمع بين الأصالة والحداثة.
ليلة الموسيقار طلال
وبدأ الحفل بأداء مميز لأغنية "عالي السكوت"، من كلمات الأمير بدر بن عبد المحسن وألحان الموسيقار طلال، بقيادة المايسترو أمير عبد المجيد والمايسترو وليد فايد، وبمشاركة فرقة موسيقية مكونة من 90 عازفًا، معظمهم من الموسيقيين المصريين الذين اعتادوا مرافقة فنان العرب في حفلاته.
وقدم محمد عبده 13 أغنية، بعضها جديد تم تسجيله خصيصًا لهذه المناسبة، فيما تضمنت القائمة أعمالاً خالدة من ألحان الموسيقار طلال، مثل "المدينة"، و"بعلن عليها الحب"، و"رماد المصابيح".
وشاركت في الحفل المطربة المصرية سهيلة بهجت والمطربة التونسية يسرا محنوش، مضيفتين بصمة شبابية أصيلة إلى الأمسية، في حين أن الحفل الذي استمر لساعات، شهد تفاعلاً كبيرًا من الجمهور، وكان بمثابة احتفالية فنية عكست عمق العلاقة بين الفن السعودي والمصري.
محمد عبده وطلال في شراكة خالدة
ويعد اختيار أعمال الموسيقار طلال للحفل تكريمًا لشراكة فنية استمرت عقودًا بينه وبين محمد عبده، أنتجت أعمالاً ترسخت في وجدان الجمهور العربي، حيث بدأ تعاونهما في السبعينيات، وتكلل بأربعة ألبومات بين 2013 و2016، تضمنت أغاني مثل "رماد المصابيح" و"المدينة"، التي أعيد تقديمها في هذا الحفل.
وألحان طلال المعروفة بعمقها العاطفي وتجسيدها للتراث الخليجي، وجدت في صوت محمد عبده تعبيرًا مثاليًا، مما جعل هذه الأعمال جسرًا بين الأجيال.
والحفل قدم أيضًا أغاني جديدة من ألحان طلال، سجلت خصيصًا لهذه المناسبة، ما يعكس استمرارية هذا الإرث. هذا التكريم لم يكن مجرد عرض موسيقي، بل احتفاء بتاريخ فني مشترك جمع بين الإبداع السعودي والجمهور العربي.
استعدادات مكثفة للحفل
واستعد محمد عبده لهذا الحفل بعناية فائقة، حيث أجرى أربع بروفات في القاهرة، بدأت منذ 26 أبريل 2025، مع فرقته الموسيقية التي ضمت نخبة من العازفين المصريين، حيث وصل الفنان إلى القاهرة قادمًا من لندن، مكرسًا وقتًا لضمان تقديم أداء يليق بجمهوره المصري.
ونشرت شركة روتانا، المنظمة للحفل، صورًا من كواليس البروفات عبر حسابها على إنستجرام، أظهرت تفاني الفنان في مراجعة النغمات وتنسيق الأداء مع العازفين، ما عكس حرصه على تقديم تجربة فنية متكاملة، وهذه الاستعدادات أثارت حماس الجمهور، خاصة بعد الإعلان عن تخصيص الحفل لأعمال الموسيقار طلال، الذي ارتبط بمحمد عبده بشراكة فنية أنتجت أعمالاً لا تنسى.
جسر فني بين السعودية ومصر
ولم يكن الحفل مجرد حدث غنائي، بل تأكيد للريادة الفنية المصرية كحاضنة للفن العربي، كما أشار رئيس دار الأوبرا، الدكتور علاء عبد السلام.
ودار الأوبرا المصرية التي افتتحت عام 1988 بمنحة يابانية، لطالما كانت منصة لتكريم الفن الأصيل، وباستضافتها الحفل تحت عنوان "ليلة الموسيقار طلال" عززت من مكانتها كجسر ثقافي بين الشعوب العربية.
كما شهد الحفل حضور شخصيات عامة وسفراء دول عربية مما أضاف إلى الحفل بعدًا دبلوماسيًا، مؤكدًا العلاقات الوثيقة بين السعودية ومصر، كما أن اختيار أعمال طلال الذي لحن لمحمد عبده أربعة ألبومات بين 2013 و2016، كان تكريمًا لإرث موسيقي خليجي يحظى بشعبية واسعة في مصر.
اقرأ أيضًا: لأول مرة نجل فضل شاكر يحيي حفلين في السعودية.. تعرف علي الموعد
محمد عبده ودار الأوبرا المصرية
وتعد عودة محمد عبده إلى دار الأوبرا المصرية حدثًا مهمًا، إذ كان آخر حفل له على هذا المسرح عام 2019، حيث قدم أغاني مثل "أحلى خبر" و"أنا من أكون"، وحقق نجاحًا كبيرًا رفع شعار "كامل العدد".
كما أحيا حفلاً سابقًا في مايو 2017، قدم خلاله 16 أغنية متنوعة، وبدأ بأغنية "يا راحلة"، واستمر لثلاث ساعات وسط تفاعل جماهيري كبير، وهذه الحفلات تعكس ارتباطًا وثيقًا بين فنان العرب وهذا الصرح الثقافي، الذي يمثل رمزًا للفن العربي الأصيل.
ليلة من العاطفة والذكريات
وشهد الحفل تفاعلاً استثنائيًا من الجمهور، حيث امتلأ المسرح الكبير بحضور متنوع من الأعمار، من الشباب إلى كبار السن الذين ارتبطوا بأغانيه منذ عقود، ومع كل أغنية كان الجمهور يردد الكلمات بحماس، خاصة عند أداء "المدينة" و"عالي السكوت"، حيث ارتفعت أصوات التصفيق والهتاف.
وجاءت لحظات مؤثرة شهدتها الأمسية عندما توقف محمد عبده لتحية الجمهور، معبرًا عن امتنانه لدعمهم خلال رحلته الصحية، مما أضاف طابعًا إنسانيًا للحفل، وهذا التفاعل عكس قدرة فنان العرب على توحيد القلوب عبر ألحانه، مؤكدًا أن الفن الأصيل لا يعرف حدود الجيل أو الجغرافيا.
رحلة الشفاء.. محمد عبده يتحدى المرض ويعود لجمهوره
ولم تكن عودة محمد عبده إلى مسرح دار الأوبرا المصرية في مايو 2025 مجرد حدث فني، بل كانت تتويجًا لرحلة شجاعة في مواجهة مرض السرطان الذي أعلن إصابته به في مايو 2024.
وحينها كشف فنان العرب، في رسالة صوتية مؤثرة مع الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن، أنه يتلقى العلاج الكيميائي في باريس، مطمئنًا جمهوره بتحسن حالته الصحية، حيث خضع لجلسات إشعاع وحقن كل ثلاثة أشهر لتقليل إنزيمات السرطان، حيث اكتشف المرض في مرحلة مبكرة "بين المرحلتين الصفر والأولى"، مما عزز فرص الشفاء.
ودعم الجمهور والفنانين، بما في ذلك رسائل التضامن من زملائه مثل عايض يوسف وأصالة نصري، لعب دورًا كبيرًا في رفع معنوياته.
وفي نوفمبر 2024، طرح ألبومًا جديدًا تضمن سبع أغانٍ من ألحان الموسيقار طلال، في دلالة قوية على إصراره على مواصلة إبداعه، في حين أن عودته إلى الرياض في يناير 2025 بحفل ضمن موسم الرياض، بعد غياب 13 شهرًا، أكدت تعافيه شبه الكامل، حيث أدى على مسرح يحمل اسمه، معبرًا عن امتنانه لدعاء جمهوره الذي شكل عاملاً كبيرًا في تحسنه.
والرحلة العظيمة هذه عكست إرادته الصلبة في التغلب على التحديات الصحية، ليواصل إسعاد محبيه في القاهرة وخارجها.
ليلة خالدة في ذاكرة الفن العربي
وكان حفل محمد عبده في دار الأوبرا المصرية ليلة فنية استثنائية، جمعت بين الأصالة والإبداع، وعكست عمق الروابط الثقافية بين السعودية ومصر، ومن خلال أدائه المميز لأعمال الموسيقار طلال، أحيا فنان العرب ذكريات الجمهور وألهمهم بقصة صموده وتعافيه.
والحفل لم يكن مجرد عودة لفنان كبير، بل احتفاء بإرث فني يمتد عبر الأجيال، ومع استمرار محمد عبده في إحياء حفلاته، كما في العلا المقرر في مايو 2025، يبقى صوته رمزًا للإبداع الذي يتحدى الزمن والظروف، تاركًا بصمة لا تمحى في قلوب محبيه.
