العداء "محمد الدخيل" لـ"الرجل": تحدي الذات والتكنولوجيا مكناني من النجاح في سباق "درب العُلا"

لم يكن تحقيق الفوز في سباقات الركض بالنسبة للعداء "محمد الدخيل" نتيجة مهارة وتدريب مكثفين فحسب، بل نتيجة ذلك التناغم الفريد بين قدراته الرياضية الفائقة والتكنولوجيا الحديثة التي رافقته، فالساعة التي اعتمد عليها لم تكن مجرد أداة لمعرفة الوقت، بل كانت شريكته الذكية، تقرأ نبضه، تحلل أداءه، وتوجهه لحظيًّا لاتخاذ القرارات الصحيحة في الأوقات الحرجة، ما جعلها جزءاً لا يتجزأ من استراتيجيته لتحقيق النجاح، الذي وضعه في بؤرة تركيز منصة "الرجل"، فكان هذا الحوار.
في البداية.. ما الذي ألهمك لاختيار مجال الركض؟
منذ عام 2006 واللياقة جزء أساسي من نمط حياتي وهويتي، وقد أخذت رحلتي في عالم الركض منحى جديداً في عام 2022، عندما أكملت أول نصف ماراثون رسمي، تلاه ماراثون كامل، فقد دفعني الزخم للانتقال إلى مرحلة أكثر تحدياً في الركض لمسافات طويلة، حيث شاركت في أول سباق ألترا لمسافة 50 كيلومتراً في "درب العلا" في عام 2023، ومنذ ذلك الحين، أكملت ثلاث سباقات ألترا لمسافة 50 كيلومتراً، وكل واحد منها علمني دروساً جديدة عن المرونة، والشجاعة، والنمو الشخصي.
ما الذي شجعك لخوض سباق "درب العُلا" هذه المرة لمسافة 100 كيلومتر؟
ما يحفزني ليست المسافة بحد ذاتها، بل التحدي الكامن في تجاوز حدودي الشخصية، واستكشاف المجهول، واكتشاف نسخة جديدة من نفسي لم ألتقِ بها بعد، ولعل ما يثيرني في هذا السباق أنه ليس تحدياً جسدياً فحسب، بل رحلة نحو القوة الذهنية أيضًا، واكتشاف الذات، وفرصة لأثبت لنفسي أن الحدود ليست ثابتة، بل يمكن إعادة تعريفها باستمرار.
يُعرف سباق "درب العُلا" بتحدياته الفريدة.. هل يمكنك توضيح ما الذي جذبك إلى سباق درب العلا عن غيره من السباقات؟
منذ اللحظة التي وطأت فيها قدمي "العُلا"، شعرت بطاقة لا توصف، قوة تتوهج بالهدوء والسلام تنبع من المناظر الطبيعية الخلابة، فقد منحني الركض لساعات عبر الصحراء الواسعة والصامتة، بعيدًا عن صخب العالم، شعورًا بالوضوح والاتصال لم أختبره من قبل، لم يكن الأمر مجرد تحدٍ جسدي؛ بل شعرت كأنني أستعيد نفسي، وأعيد الاتصال بها على مستوى أعمق.
كان قرار خوض أول سباق ألترا لمسافة 100 كيلومتر في "درب العُلا"، بدلاً من أي مكان آخر في العالم، قراراً شخصياً للغاية، فهنا، وقعت حقاً في حب رياضة الركض لمسافات طويلة، هذا هو المكان الذي اكتشفت فيه معنى أن أتحدى حدودي، ولا أستطيع أن أتخيل مكاناً أكثر أهمية لخوض أكبر تحدٍ في مسيرتي حتى الآن، هنا في وطني، المملكة العربية السعودية.
ماراثون العلا
في سياق المناظر الطبيعية المتنوعة ما الذي يجعل ماراثون العُلا مميزاً بالنسبة لك شخصياً؟
ما يجعل ماراثون العُلا مميزاً بالنسبة لي هو جماله الأخاذ، إلى جانب التحدي الحقيقي الذي يقدمه، فتضاريسه المتنوعة، والارتفاعات المتغيرة، إلى جانب تغيرات المناخ طوال اليوم تشكل اختباراً حقيقياً للتحمل البدني والمرونة العقلية.
لكن ما يميز هذا السباق حقاً هو الجمال الساحر الذي يحيط بك وأنت غارق في التحدي، ما نسميه غالباً "كهف الآلام"، فهي تجربة نادرة، حيث تلتقي روعة الطبيعة مع الشجاعة الشخصية، لتذكرك بالسبب الذي يجعلك تستمر في المسير بينما يصرخ كل جزء منك بالتوقف، العُلا ليس مجرد سباق؛ إنه مغامرة عبر أحد أجمل وأعظم المناظر الطبيعية في العالم، حيث تحمل كل خطوة تخطوها فيها معانٍ عميقة.
الركض يشكل تحدياً ذهنياً وجسدياً.. فما الذي يحفزك خلال أيام التدريب الصعبة؟
ما يحفزني خلال أيام التدريب الصعبة هو الإثارة التي أشعر بها في أثناء الرحلة نفسها، والأمر لا يتعلق بيوم السباق فقط، بل بالتحول الذي يحدث على مدار الطريق، فكل سباق ركض وكل لحظة صعبة هي التزام مع نفسي ووعد بالاستمرار، مهما كانت التحديات، فأنا دائماً أتذكر أن النمو، سواء كان عقلياً أم جسدياً، يحدث في تلك اللحظات الصعبة عندما تختار الاستمرار.
فالماراثون بالنسبة لي هو أكثر من مجرد سباق؛ إنه احتفال بالتقدم، بالتضحيات، وبالقوة التي اكتسبتها على طول الطريق، فإن معرفة مدى تقدمي يعزز قوتي الداخلية، ويدفعني للاستمرار والسعي نحو تحقيق ما يتجاوز الحدود الممكنة.
كيف تكيفت مع متطلبات اللياقة البدنية الخاصة لماراثون العُلا؟
نظراً لخلفيتي في تدريب القوة واللياقة البدنية، كنت أتمتع دائمًا بأساس قوي في الأداء الرياضي، ومع ذلك، فإن التحضير لسباق العُلا لمسافة 100 كيلومتر تطلب مني تركيزًا مختلفاً تماماً على مر السنين، حيث قمت بتكييف تدريباتي بشكل أكبر نحو تمارين التحمل، مع الحفاظ على توازن جيد بين القوة، وخفة الحركة، وجلسات الركض التي تلبي متطلبات المسار المتنوعة.
فالتدريب لسباق 100 كيلومتر لا يقتصر على قطع المسافة فحسب، بل يتطلب تحضيراً ذكياً ومنظماً، ويجب أن أعتمد تنوعاً في التمارين، مثل أيام ركض طويلة متتابعة، وتدريبات مرتين في اليوم، من أجل بناء القوة البدنية والصلابة العقلية.
كما أن إعطاء الأولوية للتعافي المناسب والوقاية من الإصابات هو أمر بالغ الأهمية، لضمان قدرة جسدي على التعامل مع الحجم والشدة المطلوبين لهذا التحدي، فإنه نهج شامل يمزج بين القوة والتحمل والانضباط، ما يضمن جاهزيتي لما قد تلقيه تضاريس العُلا في طريقي.
بصفتك مؤثراً في مجال اللياقة البدنية.. كيف تأمل أن تلهم الآخرين من خلال المشاركة في هذا السباق الصعب؟
بصفتي أباً لثلاثة أطفال، وفي الأربعينيات من عمري، تكمن أولويتي الكبرى في إلهام بناتي من خلال القيادة بالقدوة، أريدهن أن يرَينَ أن النمو الحقيقي يأتي من تجاوز الحدود، واحتضان التحديات، والسعي المستمر لأن يصبحن أفضل نسخة من أنفسهن.
أريد أن أبين لهن أن التحديات ليست عقبات يجب تجنبها، بل هي فرص للنمو الشخصي، وبعيداً عن دوافعي الشخصية، أتمنى أن تلهم رحلتي نحو سباق العُلا لمسافة 100 كيلومتر الآخرين، بغض النظر عن أعمارهم، للخروج من مناطق راحتهم، سواء كان ذلك في الركض، أم اللياقة، أم في أي هدف آخر في الحياة،
أريد أن يدرك الجميع أن الخطوة الأولى نحو المجهول، حتى وإن كانت تبدو مرعبة، هي نقطة التحول الحقيقية، والأهم من ذلك، آمل أن أذكِّر الجميع بأن الاستمتاع بالرحلة نفسها، واحتضان الدروس التي نتعلمها على الطريق، والاحتفال بالتقدم هو ما يجعل هذا السعي أكثر قيمة من مجرد الوصول إلى خط النهاية.
تلعب التكنولوجيا دوراً مهماً في اللياقة البدنية اليوم.. كيف كانت ساعة Apple Watch مفيدة في تدريبك على الماراثون؟ وما هي علامات البيانات المحددة التي تتبعها؟
أصبحت ساعة Apple Watch جزءاً أساسياً من تدريبي على الماراثون، تماماً كما هو الحال مع اختيار زوج الأحذية الرياضي المناسب، كل جلسة تدريب ألتزم بها تخدم هدفاً معيناً في تحسين أدائي العام، والبيانات التي أجمعها من ساعتي تلعب دوراً حاسماً في ضمان بقائي على المسار الصحيح وتحقيق تقدمي.
وسواء كنت أتدرب على تمارين القوة أم ركوب الدراجات أم الركض، توفر لي ساعة Apple Watch القدرة على مراقبة القياسات الأساسية، مثل: الوتيرة، والسرعة، ومناطق معدل نبض القلب، والسعرات الحرارية المحروقة، والمسافة المقطوعة، وتساعدني هذه البيانات على البقاء ضمن المناطق المستهدفة، ما يضمن أنني أتدرب بكفاءة دون أن أبذل جهداً زائداً أو أؤدي أداءً ضعيفاً، فهي ليست مجرد أداة للتتبع، بل أصبحت دليلاً للتدريب الذكي والموجه، تسمح لي بتعديل نهجي ليصبح تدريبي أكثر فعالية وشمولاً.
ما هي الوظائف الثلاث المفضلة لديك في Apple Watch والتي لا يمكنك الاستغناء عنها؟
أفضل ثلاث وظائف في Apple Watch التي لا يمكنني الاستغناء عنها أثناء التدريب هي:
- تطبيق التمرين: هذه الميزة هي جوهر تدريبي، حيث تسمح لي بتتبع كل جلسة بدقة، سواء كانت ركضاً أم تمارين قوة أم ركوب دراجات، إذ يبقيني هذا التطبيق مركزاً على أهدافي، ويضمن أن كل تمرين يخدم غرضه في تحسين أدائي العام.
- متتبع اللياقة والنشاط: يعد الحفاظ على الاتساق أمراً أساسياً بالنسبة لي، ويقدم لي متتبع النشاط التحفيز يومياً، من خلال توفير صورة واضحة لتقدمي، كما أصبح إغلاق حلقات النشاط تحدياً شخصياً، ما يدفعني للبقاء نشطاً ومسؤولاً كل يوم.
- وظيفة ريموت الكاميرا: أصبحت هذه الوظيفة ضرورية بشكل غير متوقع، خاصة عندما أركض بمفردي، فهي تتيح لي التقاط اللحظات الشخصية في المناظر الطبيعية الخلابة، مثل العُلا، وتحويل جلسات التدريب الفردية إلى تجارب لا تُنسى، من دون الحاجة إلى شخص آخر لالتقاط الصور.
اقرأ أيضًا: الملاكم زياد المعيوف: فخري بوطني أكبر من انتصاراتي.. أسعى لصنع تاريخ سعودي في الملاكمة
نصائح محمد الدخيل للعدائين
ما هي أهم ثلاث نصائح تقدمها للعدائين الطموحين للاستعداد لسباق مثل سباق العُلا؟
أهم ثلاث نصائح بالنسبة لأي شخص يطمح لخوض سباق ماراثون مثل سباق "درب العُلا":
- حدد هدفك وادرس السباق جيداً: ابدأ بتحديد المسافة التي تريد خوضها بوضوح، سواء كان هذا أول ماراثون لك أو سباق ألترا لمسافة طويلة، ومن الضروري أن تفهم متطلبات السباق، والتضاريس، والمناخ، والارتفاع، فقم بالبحث واستفد من تجارب العدائين الآخرين، لأن المعرفة تمكنك من الاستعداد عقلياً وجسدياً للمواجهة.
- ضع خطة تدريب منظمة ومستدامة: حدد برنامج تدريب واقعي يتناسب مع نمط حياتك ومستوى لياقتك، وليس من الضروري أن يكون معقداً، بل أن يكون متسقاً، فمن خلال مزيج متوازن من ركض التحمل وتقوية العضلات والتعافي، ستتمكن من بناء أساس قوي، مع تقليل خطر الإصابات.
- تدرب بذكاء واحتضن الرحلة: امنح نفسك وقتاً كافياً للتطور تدريجياً، ركز على الاستماع إلى جسدك، وأعط الأولوية للتعافي، وتجنب الإفراط في التدريب، والأهم من ذلك، استمتع بالعملية، فالنمو الشخصي والدروس التي تتعلمها على طول الطريق، بالإضافة إلى لحظات الاكتشاف الشخصية، هي ما يجعل الوصول إلى خط النهاية مجزياً بشكل لا يوصف.
ما مدى أهمية التحضير الذهني لسباق الماراثون، وما هي استراتيجياتك للحفاظ على تركيزك وتحفيزك؟
التحضير الذهني هو الأساس الذي يفتح الباب أمام الإمكانيات، إنه القوة التي تغذي كل خطوة في الرحلة، بدءاً من الالتزام العميق بنفسك، وهذا التزام ليس فقط بالهدف النهائي، ولكن بالحضور التام يوماً بعد يوم، بغض النظر عن شعورك، فالتحضير الذهني يتعلق بخلق الإثارة لكل من الرحلة والإنجاز النهائي، مع تكريس نفسك بالكامل لما تتطلبه هذه الرحلة على طول الطريق.
والحفاظ على التركيز والتحفيز ليس بالأمر السهل دائماً، لكن استراتيجيتي مبنية على ثلاثة مبادئ أساسية:
- تذكر أسبابي: أذكر نفسي باستمرار بسبب انطلاقي بهذه الرحلة، سواء كان ذلك للنمو الشخصي، أم لإلهام أطفالي، أم لإثبات قدرتي على تحقيق أهدافي، فإبقاء "هدفي" في المقدمة يعزز من تصميمي على الاستمرار.
- التأمل في تقدمي: في الأيام الصعبة، ألقي نظرة على مدى تقدمي، والتغيرات الجسدية والعقلية التي مررت بها نتيجة للجهد المستمر، فهي تشكل تذكيراً قوياً بأن كل خطوة للأمام، مهما كانت صغيرة، تمثل تقدماً مهماً.
- تصور النجاح: أتصور نفسي بانتظام عند خط البداية، أشعر بالاستعداد والثقة، ثم أتخيل نفسي أعبر خط النهاية بابتسامة على وجهي، وأنا أعلم أنني بذلت قصارى جهدي، وهذه الصورة الذهنية القوية تبقيني ثابتاً ومركّزاً على هدفي.
فالتحضير الذهني يحول التحديات إلى فرص، والنكسات إلى دروس، إنه ما يسمح لك بالاستمرار في المضي قدماً، حتى عندما يتضاءل الدافع.
كيف يمكن للعدائين المبتدئين استخدام التكنولوجيا لتحسين تدريبهم وأدائهم في السباق؟ ولماذا؟
بالنسبة للعدائين المبتدئين، أوصي باستخدام التكنولوجيا مثل Apple Watch، كأداة قوية لتحسين تدريبهم وأدائهم في السباق بطريقة بسيطة وفعّالة، ومن المهم اتباع بعض الخطوات التي يمكنهم البدء بها:
- تتبع نشاطك باستمرار: ابدأ بتسجيل جميع أنشطتك البدنية، سواء كانت ركضاً، أم مشياً، أو حتى خطوات يومية، فهذه الممارسة تعزز الوعي بأنماط حركتك وتساعدك في بناء عادة البقاء نشطاً.
- ابدأ بالطريقة التي تناسبك: لا تركز في البداية على السرعة أو شدة التمرين، وبدلاً من ذلك، ركز على تتبع مسافات الركض اليومية والأسبوعية، فالهدف هو بناء الاتساق وتأسيس قاعدة ركض قوية تكون نقطة انطلاق لتحديات أكبر.
- استكشف مناطق معدل نبض القلب: مع زيادة شعورك بالراحة في الركض، قم بتوسيع نطاق تدريبك، واستكشاف مناطق معدل نبض القلب، ففهم كيفية استجابة جسمك لشدة التمرين المختلفة سيُسهم في تدريبك بذكاء، ما يساعدك على تجنب الإجهاد المفرط، وتحسين قدرتك على التحمل بشكل تدريجي.