هكذا تنجو شركتك في الأوقات الصعبة.. كيف تتعامل مع عدم اليقين الاقتصادي؟
يُعرّف عدم اليقين الاقتصادي على أنه عدم القدرة على التنبؤ بما سيحدث في المستقبل من الناحية الاقتصادية، وعندما تتورط الشركات والمستثمرين في هذه الحالة، فإنهم يعجزون عن التخطيط لمستقبلهم بدقة، ما يزيد من المخاطر التي يواجهونها، لكن ما الذي يورّط الشركات في هذه الحالة؟ وما الاستراتيجيات والنصائح الذهبية لـ إدارة الأعمال في الأوقات العصيبة؟ كل هذا وأكثر سنعرفه خلال الأسطر القادمة.
العوامل المسببة لعدم اليقين الاقتصادي؟
يُمكن أن ينتج عدم اليقين الاقتصادي عن عدة عوامل منها:
1. تقلبات الأسواق المالية: عندما تشهد أسعار الأسهم أو الصرف تقلبات كبيرة، فإن هذا يخلق حالةً من عدم اليقين الاقتصادي لدى الشركات والمستثمرين، وقد برز هذا بشكلٍ واضح خلال الأزمة المالية العالمية، كما برز في فترة الجائحة وما نتج عنها.
2. تغير السياسات الاقتصادية: على سبيل المثال؛ عندما تُغير الحكومات معدلات الضرائب، أو تُعدل القوانين التنظيمية، أو تغير سياسات التعامل مع الشركات الأجنبية، إلخ، فكل هذه الأمور تُولد شعورًا بعدم اليقين.
3. عدم الاستقرار السياسي: عندما تشهد دولة ما اضطرابات سياسية، فإن ذلك يؤثر على جميع جوانب الحياة فيها، بما في ذلك الحياة الاقتصادية طبعًا، وهذا يترتب عليه خلق بيئة لا يمكن للمستثمرين الاطمئنان فيها.
4. الكوارث الطبيعية: مُسببٌ لا دخل للإنسان فيه، لكنه يؤدي إلى حالة من عدم اليقين الاقتصادي، فالزلازل والأعاصير وغيرهما من الكوارث الطبيعية تُعطّل سلاسل التوريد والنشاط الاقتصادي مثلًا، وهذا يؤثر على الدول منخفضة الدخل تحديدًا.
أمثلة على عدم اليقين الاقتصادي
هناك حالات تاريخية موثقة عاصرناها لعدم اليقين الاقتصادي، على سبيل المثال:
جائحة كورونا: تُعد فترة الجائحة أحدث ما عاصرناه بشأن عدم اليقين الاقتصادي، حيث أدت تداعياتها والإجراءات الاحترازية إلى زعزعة سلاسل التوريد، وفقدان الوظائف على نطاقٍ عالمي، إلى جانب ذلك، تسببت بانكماشٍ كبير في النشاط الاقتصادي.
الأزمة المالية العالمية في 2008: نشأت بسبب مجموعة من العوامل، أهمها انهيار السوق العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد امتد الأثر الهائل إلى بقية الدول، مما أدى إلى ركودٍ عالمي، وتفاقم حالة عدم اليقين في الأسواق المالية.
البريكست: أو قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وقد تسبب هذا الأمر بحالة من عدم اليقين الاقتصادي، خاصة للشركات البريطانية التي تعتمد على التجارة مع الاتحاد الأوروبي، في ظل مخاوف تعلقت بالتجارة والاستثمار وزيادة القيود والتعريفات الجمركية.
الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين: أدى النزاع التجاري بين القوتين الاقتصاديتين إلى حالة من الضبابية للشركات والمستثمرين، بسبب زيادة الرسوم الجمركية، والتهديد بفرض قيود اقتصادية إضافية.
كيف تتنقل بشركتك في ظل الأزمات الاقتصادية؟
1. توقُّع كل السيناريوهات الممكنة:
من الضرورة بمكان أن تحاول الشركات التفكير في كل السيناريوهات، التي يمكن أن تواجهها خلال فترة الركود الاقتصادي، على سبيل المثال، يمكنها أن تنظر فيما إذا كانت تستطيع تحمل انخفاض المبيعات بنسبة 20% لفترة معينة، أو تدرس زيادة الأسعار بنسبة 10%، وما إلى ذلك، وبهذا، ستستطيع الشركات أن تتخذ خطوات استباقية للتكيف مع التغيرات المحتملة، وبالتالي تواجه الركود الاقتصادي باستراتيجيات سليمة.
2. مراجعة مصادر الدخل:
خلال الأزمات الاقتصادية، ينبغي على الشركات أن تنظر عن كثب إلى كل مصدر من مصادر الدخل لديها، مثل المنتجات التي تبيعها أو الخدمات التي تُقدمها، كما يجب على الشركات أن تفهم التكاليف المُرتبطة بكل مصدر دخل، مثل تكلفة المواد الخام والعمالة، بعد ذلك ينبغي عليها خفض التكاليف غير الضرورية، دون التأثير على الإنتاجية قدر الإمكان بالطبع. ومن الخطوات المهمة في هذا الصدد أيضًا مُراجعة الموردين، للحصول على أسعارٍ أفضل، والنظر إلى الديون لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لإعادة جدولتها أم لا.
3. الحفاظ على التواصل المفتوح:
بخاصة مع الموردين ومناقشة أي تحديات قد تواجهها الشركة، يمكن أن يشمل ذلك طلب تمديد فترات الدفع، أو التفاوض على أسعارٍ أقل، أو طلب شروط دفع أكثر مرونة، ضع في الاعتبار أن نجاح المشروع الخاص بك يصب في مصلحة الموردين أيضًا، ولهذا فمن الذكاء أن تُذكرهم بذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
4. تأكد من خدماتك:
أو بالأحرى من جودة خدماتك؛ إذا كنت تقدم خدمات أو منتجات بمبلغٍ يساوي تكلفة الإنتاج، أي لا تتربح منها، فلا جدوى من إضاعة وقتك على هذا النوع ما دام لا يحقق لك غاية استراتيجية، ومن ثم وفّر أموال هذا المنتج أو هذه الخدمة واستثمرها في منتجٍ آخر يكون مربحًا، أو على الأقل وفر وقتك ومالك، لأنك حتمًا ستحتاج إليهما في الأزمات.
5. كن مرنًا:
هناك أشكال وتطبيقات عدة للمرونة، وعلى سبيل المثال؛ نموذج "الدفع حسب الاستخدام pay-per-use"؛ بدلًا من شراء مركز بيانات كاملة أو سيرفرات باهظة الثمن، يمكنك أن تستأجر خدمات الحوسبة السحابية مثل Amazon Web Services (AWS) أو Microsoft Azure على أساسٍ يومي أو شهري أو سنوي، في هذه الحالة، إذا ارتفعت حاجة الشركة، ستستطيع أن ترفع قدر الاستخدام، والعكس.
اقرأ أيضًا: لماذا تسقط الشركات الكبرى رغم نجاحها؟ نظرة على قِصر النظر الاستراتيجي
استراتيجيات التعامل مع عدم اليقين الاقتصادي
1. تواصل مباشرة مع الجميع:
نصيحةٌ مشتركة وفعالة في حالة الأزمات الاقتصادية، وإحدى استراتيجيات الأعمال المفيدة للغاية، وهذه المرة في حالة عدم اليقين الاقتصادي تحديدًا، إذ يُفضل أن تتواصل كقائد مع جميع أعضاء فريقك وليس الموردين فحسب، فهذا الأمر سيساعدك على الأغلب في اتخاذ أفضل قرار ممكن حال أردت تقليص التكاليف أو المفاضلة بين خيارين، إلخ.
2. كن هادئًا وواضحًا:
تجنب التغييرات الكثيرة، واعرف أهمية الثبات على الأهداف ما دامت فعالة؛ فالتغيرات الكثيرة تُصعب على الفرق التركز، وتضطرهم إلى إعادة تقييم أولوياتهم، وإضاعة أوقاتهم ومجهوداتهم في شيء كان يمكن تجنبه بسهولة، لذلك، حاول أن تسعى دائمًا للاستقرار والوضوح، كأدوات لنجاح إدارة الفرق، خاصة في الأوقات الصعبة.
3. نوع مصادر الدخل:
واحدة من أكثر الطرق فعالية للتخفيف من تأثير عدم اليقين الاقتصادي، حيث إن الاعتماد على منتجٍ أو سوقٍ واحد يمكن أن يجعل الأعمال المختلفة عُرضة لنوع الاقتصاد المتقلب، الذي يشهده العالم بين الحين والآخر، ومن خلال توسيع خطوط المنتجات أو دخول الأسواق الجديدة تقل فرص التأثر بعدم اليقين الاقتصادي.
4. ركز على التخطيط المالي:
يُعد التخطيط المالي السليم جزءًا لا يتجزأ من التكيف الاقتصاديّ، ويشمل: الحفاظ على احتياطات نقدية صحية، وإدارة الديون بحكمة، ومراجعة البيانات المالية بانتظام، والشركات التي تفهم ذلك جيدًا تكون مُجهزة بشكلٍ أفضل لاتخاذ قرارات مستنيرة خلال الأوقات المضطربة.
5. ركز على العملاء دائمًا:
إن التركيز على العملاء وجعلهم أساس استراتيجية عملك، يمكن أن يُعزز الولاء حتى في الأوقات الصعبة وظروف عدم اليقين، فاستمع دائمًا إلى تعليقاتهم، وتوقع احتياجاتهم، وقم بتوظيف منتجاتك أو خدماتك على أساس تفضيلاتهم في المقام الأول، فهذه الأمور تخلق روابط وعلاقات قوية توفر وسيلة حماية خلال فترات الركود الاقتصادي.
الابتكار والبقاء في ظل عدم اليقين الاقتصادي
النقطة الأخيرة التي رأينا أن نفرد لها جزءًا مُخصصًا تتعلق بالابتكار؛ فالابتكار في الأوقات الصعبة تحديدًا هو المحرك الرئيس للصمود؛ فعليك أن تُشجع على ثقافة الابتكار داخل مؤسستك، بحيث يكون لديك أكثر من خطة بديلة، وأكثر من طريقة لتطوير المنتجات والخدمات وفقًا لمتطلبات السوق المتغيرة.
التكيف مع التقلبات الاقتصادية: خطط وأفكار
آخر ما سنتحدث عنه هو التكيف مع التغيرات الاقتصادية، وهذا الأمر يتطلب تركيزًا استراتيجيًا منقطع النظر على الابتكار وتوليد الأفكار الجديدة، حتى تستطيع الشركات الخروج من الأوقات العصيبة، والاستفادة من الفرص الناشئة، وفيما يلي مجموعة من الأفكار والخطط التي يمكن الاستفادة منها في التكيف مع التقلبات الاقتصادية:
1. احتضان التقدم التكنولوجي: تعد التكنولوجيا اليوم الدافع والمحرك الرئيس لنمو الاقتصاد، فالتقدم في مجالات على رأسها الذكاء الاصطناعي فتح أسواقًا لم نكن لنتخيلها يومًا، والآلة باتت تتدخل في كل شيء تقريبًا، لدرجة أن الأتمتة Automation لم تعد رفاهية في معظم الصناعات اليوم، لذا ركز على التقدم التكنولوجي.
2. استثمر في القوى العاملة: قدّم لهم تعليمًا متطورًا وتدريبات مستمرة، تُنمي وتطور مهاراتهم للتكيف مع التغيرات الاقتصادية، فالموظفون الذين يشاركون في التعلم المستمر يكونون أكثر قدرة على التعامل مع التقنيات والعمليات الجديدة، التي أصبحت تُستخدم في كل شيء كما أشرنا، وبشكلٍ عام، كلما امتلك موظفوك مهارات أكبر، زادت فرص التغلب على التقلبات الاقتصادية الفجائية.
3. استكشف أسواقًا جديدة: غالبًا ما تؤدي التحولات الاقتصادية إلى فتحِ أسواقٍ جديدة، وتزيد من الطلب على منتجات أو خدمات مختلفة، فحاول أن تحصل على نصيبك من هذه الأسواق، واستكشف الفرص بشكلٍ استباقي قدر المستطاع، وعلى سبيل المثال، تستفيد الشركات المصنعة للسيارات من الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، من خلال تقديم حوافز مثل الوصول إلى محطات شحن مجانية تجذب العملاء الجدد، وتوسع حصتها في السوق.
وفي النهاية، يتطلب التنقل في ظل عدم اليقين الاقتصادي جهدًا كبيرًا ودراسة مُضنية للكثير من العوامل، وكل الشركات تقريبًا مُعرضة للتقلبات الاقتصادية والظروف الخارجة عن الإرادة، وعليه، يجب على الجميع أن يُحصن نفسه وشركته بالاستراتيجيات المطروحة وغير المطروحة في هذا التقرير.