استراتيجيات مبتكرة لزيادة التفاعل في مكان العمل.. هكذا تزيد من إنتاجية شركتك

يُشير مصطلح "التفاعل الوظيفي Employee Engagement" أو "مشاركة الموظفين"، إلى مستوى الحماس والالتزام الذي يشعر به الموظفون تجاه طبيعة عملهم والمكان الذي يعملون به، فضلًا عن مدى استثمارهم الجسماني والعقلي والعاطفي في أدوارهم، مما يؤثر على إنتاجيتهم ورضاهم الوظيفي.
ويستخدم الكثير من أصحاب العمل مؤشر انخراط الموظف هذا في تقييم الكثير من الأمور، أهمها إنتاجية موظفيه، سواء كانوا نشطين وفاعلين أو يؤدون الحد الأدنى فقط من مهامهم، ومدى حبهم للشركة أو المؤسسة التي يعملون تحت ظلالها، وبالتالي رفع كفاءتهم إن لزم الأمر أو ترقيتهم، بغرض التقدير والتشجيع على المزيد من العطاء.
ووفقًا لمؤسسة "جالوب"، التي جمعت بيانات التفاعل الوظيفي لمدة تقارب الـ20 عامًا؛ يُظهر 33% فقط من الموظفين في الولايات المتحدة تفاعلًا في العمل حاليًا، بينما يقول 16% منهم إنهم لا يشعرون بشيء تجاه مهامهم اليومية، مما يعني أن ملايين الموظفين غير راضين.
ولكن دعونا ننظر إلى الجانب المشرق، فصحيحٌ أن هذه النسب مقلقة، غير أنها أيضًا تُمثل فرصًا ذهبية للشركات لزيادة إنتاجياتها ورفع كفاءة موظفيها، وفي السطور التالية سوف نشارككم بعض الاستراتيجيات لإحداث ذلك.
كيف يمكن لمشاركة الموظفين أن تعزز الإنتاجية؟

قبل أن نتحدث عن الاستراتيجيات، التي يمكن اتباعها لزيادة التفاعل في مكان العمل أو تحفيز الموظفين، دعونا أولًا نعرف ما الذي سيعود على الشركات أو المؤسسات بزيادة انخراط موظفيها؟
تُعد مشاركة الموظفين أداةً قوية يمكن الاستفادة منها لدعم المنظمات بدرجةٍ كبيرة، وفي تقرير نشره موقع "شركة توماس"، أشار إلى دراسات قالت إن المؤسسات التي لديها موظفون ملتزمون ودؤوبون تتفوق على منافسيها بشكلٍ لا لبس فيه، وإليك بعض الإحصائيات التي تُدعّم ذلك، حسب التقرير المشار إليه:
- الأعمال التجارية التي تمتلك تفاعلاً وظيفيًّا كبيرًا لديها معدل دوران وظيفي أقل بنسبة 59%، مقارنة بتلك التي تضم موظفين أقل انخراطًا أو التزامًا.
- الفِرق المتفاعلة بشكلٍ كبير تكون أكثر إنتاجية بنسبة 17%.
- الفرق الملتزمة تحصل على تقييمات عملاء أعلى بنسبة 10%.
- الشركات التي تضم موظفين ملتزمين ومتفاعلين تحقق هامش ربح أعلى بنسبة 6%.
بالنسبة لمعدل الدوران الوظيفي تحديدًا، فإن واحدة من أهم الأمور التي يتم تجاهلها هي أن الموظفين المتفاعلين يميلون لأن يكونوا أكثر التزامًا، مما يُطمئن أصحاب العمل من هذه الناحية، ويجعلهم يوجهون تركيزهم صوب أهداف العمل، ولكن ما الذي يجعل هذا النوع من الموظفين أقل عرضة لترك عمله والبحث عن فرص بديلة؟
يتمثل الجواب عن هذا السؤال في عدة أسباب، منها:
1. لأنهم يعرفون أنهم مُقدرون في شركاتهم أو أماكن عملهم.
2. لأنهم يحصلون على فرصٍ للنمو وتطوير المهارات المهنية.
3. لأنهم على اطلاع بالمستجدات وأسباب حدوثها.
4. لأنهم يشعرون بأنهم جزء من النجاح العام للمؤسسة.
وبالمناسبة، تشهد أماكن العمل التي تُسجل مستويات عالية من تفاعل أو مشاركة الموظفين معدلات غياب أقل بنسبة 41%، والمثير في الأمر أن الموظفين الملتزمين أقل عرضة للسمنة والأمراض المزمنة، كونهم يميلون لتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة.
كيف تحفز موظفيك ليكونوا أكثر تفاعلاً؟

بعد أن تعرفنا على أهمية التفاعل في العمل، وعرفنا ضمنيًا أنه من أشكال الابتكار في الإدارة، حان وقت الحديث عن بعض استراتيجيات الموارد البشرية، التي تساعد على التحفيز المهني وقيادة الفرق، وبالتالي تحقيق أقصى استفادة ممكنة للموظفين ومؤسساتهم.
اقرأ أيضًا: "الموظف النرجسي".. كيف تتعامل معه دون إخلال بسير العمل؟
استراتيجيات فعّالة لزيادة مشاركة الموظفين

فيما يلي نستعرض بعض هذه الاستراتيجيات الفعّالة لزيادة مشاركة الموظفين.
1. تحسين مستوى الرضا الوظيفي:
يُعد مستوى الرضا الوظيفي أحد أهم العوامل التي تؤثر على تفاعل الموظفين في بيئات العمل، فعندما يشعر الموظف بالرضا عن عمله، سواء من حيث التكليفات والمهام اليومية أو بيئة العمل في العموم، فإنه يُصبح أكثر إنتاجية، ويشمل مصطلح الرضا الوظيفي الآتي: بيئة العمل، وزملاء العمل، والراتب والمميزات، والإدارة بالطبع.
يجب أن تتحقق هذه الشروط معًا، لأن الموظف قد يعمل في وظيفةٍ مجهدة، ولكن الراتب والمزايا تُحفزه على الاستمرار، في المقابل، قد يرغب الموظف بترك العمل رُغم تقاضيه لراتبٍ كبير بسبب البيئة الفاسدة، أو غير المحفزة أو أيًا كان السبب.
2. إيجاد معنى أو غاية:
المدير الجيد هو الذي يخلق لموظفيه غاية، ويُشعرهم أن لعملهم معنى كبيرًا، وإذا تحقق هذا الأمر سيميل الموظف لأن يكون أكثر اهتمامًا وتفاعلًا، وبالتالي تزداد إنتاجيته.
وقد يكون من الصعب على جميع الشركات والبيئات أن تخلق هذا المعنى لكل موظفيها، ولكن هناك خطوات واضحة وسهلة التنفيذ لتحقيق هذا الأمر، منها: إظهار أهمية دور الموظف له قبل أي شخص آخر، وتقديم فرص للتطوير المهني والاستشارات، والتشجيع المستثمر والثناء.
3. تعزيز ثقافة الشركة وبيئة العمل:
تلعب ثقافة الشركة دورًا كبيرًا في زيادة تفاعل الموظفين ومشاركتهم، إذ يوجد بين الأمرين علاقة طردية، بحيث تزيد مشاركة الموظفين ودرجة تفاعلهم كلما كان الجو العام وسلوك القيادة وبيئة العمل ككل مناسبة.
4. توفير فرص للتقدم الوظيفي:
قد يُدرِج البعض هذه الاستراتيجية تحت استراتيجية إيجاد المعنى والغاية، بحجة أن التقدم أو التطور المهني يُعد غايةً في حد ذاته، ولكن الحقيقة أن الأمر مختلف تمامًا، فتوفير فرص للتقديم الوظيفي من أهم العوامل التي تُحدد مستوى تفاعل الموظفين ودرجة حماسهم، لأنهم يعرفون أن ثمارهم ستؤتي أُكلها في النهاية، وسيعود عليهم المجهود بالنفع والفائدة على المستوى الشخصي، وإن كان هذا مختلفًا تمامًا عن جزئية إيجاد الهدف أو الغاية الأسمى كما أشرنا، فإنه كافٍ عند السعي وراء تحسين الإنتاجية في مكان العمل.
5. توفير بيئة عمل رقمية:
مع التحول الرقمي المتزايد، وسعي الشركات والمؤسسات نحو الرقمنة، تلعب الأدوات والتقنيات المختلفة دورًا محوريًا في تحسين تجربة الموظف وزيادة درجة تفاعله، ومن خلال تطوير البنية التحتية الرقمية وتقديم الأدوات التكنولوجية المناسبة، سيشعر كأن له أيادي إضافية، وسيتم تسهيل الكثير من الأمور عليه، وبالتالي ستزيد إنتاجيته.
6. توفير جدول مرن للعمل:
أصبحت المرونة مطلبًا أساسيًا للعديد من الموظفين، لا سيما في ظل ضغوطات الحياة المتزايدة، ومن خلال إتاحة الفرصة للموظفين للعمل من المنزل، أو تعديل ساعات العمل لتتناسب مع التزاماتهم واحتياجاتهم الضرورية، أو تقليل عدد أيام العمل (وقد ثَبُت أهمية ذلك في الإنتاجية)، يمكنك أن تُقلل من مستويات التوتر لدى موظفيك، وتزيد من إنتاجيتهم.
7. زيادة التنوع الثقافي:
وجد الباحثون أن التنوع العرقي والثقافي يمكن أن يزيد من إنتاجية الشركات، فزيادةٌ بنسبة 1% في التنوع العرقي بين الإدارات المختلفة، من شأنها أن تزيد من إنتاجية الشركة بمقدارٍ يتراوح بين 729 و1590 دولارًا لكل موظفٍ في السنة، وبشكلٍ عام، فإن التنوع يُعزز من مرونة الشركة وفهمها لعملائها، مثلما يساهم في جعل البيئة أكثر تسامحًا وانفتاحًا.
اقرأ أيضًا: كيف يمكن إنشاء بيئة عمل صحية؟ إليك هذه النصائح لزيادة الإنتاجية
8. الاستثمار في التوظيف الذكي:
هذه خطوة استباقية يجب على الشركات أن تحرص عليها، عن طريق تعيين مسؤولي موارد بشرية على أعلى مستوى، يمكنهم التقاط المواهب والكوادر المُنتجة، وفي العموم، يجب أن تكون الشركات دقيقة في عملية التوظيف، ليس فقط على مستوى المهارات الصعبة أو الفنية hard skills، وإنما المهارات الناعمة soft skills، وفي الواقع، تُعلّم الشركات المهارات الصعبة لموظفيها بسهولة، أما المهارات الناعمة، فيُفضَل أن تكون مغروسة في طِباع الشخص، لأنها تحتاج وقتًا طويلًا في التعلم.
9. أهمية الشفافية والنزاهة:
كصاحب عمل، عليك أن تحرص على الوضوح والصراحة مع كافة موظفيك، وتُشعرهم بأن لهم دورًا فاعلًا متى أمكن، إذ يعزز هذا النوع من التواصل والثقة بين الموظفين والإدارة، ويزيد من الولاء والتفاعل، وفي هذا الصدد، يمكنك أن تطلب من موظفيك أفكارًا ومقترحات لتطوير بيئة العمل باستمرار؛ وسيشعرهم ذلك بأهميتهم.
وفي النهاية يجب الإشارة إلى أن الدراسات أكدت أن انخراط الموظفين وتفاعلهم في العمل يعود بالنفع على الطرفين الموظفين والمؤسسة التي ينتمون إليها.
وبالنسبة للطريقة التي تُحسب بها إنتاجية الموظفين، فإنها تكون بتحليل نِتاج أنشطتهم مقابل ساعات عملهم، فإذا كان للموظف معدل إنتاجية مرتفع، يمكننا القول بأهميته البالغة للشركة وربحيتها، ومع ذلك، يجب أن نضع في الاعتبار أن لكل موظفٍ طاقة، ويجب أن نُراعي عدم إيصاله لما يسمى بالاحتراق الوظيفي لئلا تُخسَف إنتاجيته فجأة!