رجال ألمع.. أيقونة تراثية نابضة في قلب الجبال السعودية
في ظلال جبال السعودية الشامخة وسهول عسير الخضراء يطيب التجول في قلب لوحة تراثية باهرة غنية بالحصون التاريخية والقصور الحجرية القديمة لمحافظة رجال ألمع، الواقعة بالجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية، وواحدة من أجمل الوجهات السياحية فيها، حيث لا يسع المرء إلا أن يتوقف أمام روعة الهندسة المعمارية لرجال ألمع بقلاعها الصغيرة والراسخة بقوة في قلب الجبال.

تتميز قرية رجال ألمع بخصوصية تراثية لكونها تتميز بنسختها المعمارية الخاصة من الهندسة العربية التقليدية التي تتباين في عدة مناطق سعودية، وتتمع بمناظر طبيعية خلابة ممزوجة بإبداع مع تاريخ المنطقة وتقاليدها مما جعلها ضمن القائمة المؤقتة للتراث العالمي لليونسكو.
يتباهى الرجال في القرية بملابسهم التقليدية الجميلة التي تحمل اسم "الفوطة"، وهي سترة تقليدية مزخرفة بدرزات ملونة وتنورة ترسمها خطوط نابضة بالحياة مصنوعة يدويًّا. ويطلق على رجال القرية لقب "رجال الزهور" لأنهم يتبعون تقاليد سعودية قديمة بالزينة، فهم يضعون على رؤوسهم أكاليل الزهور التي تُجمع من سهول القرية الخضراء والجميلة.

تاريخ رجال ألمع
ازدهرت «رجال ألمع» منذ أكثر من 350 عامًا عندما كانت محطة على درب المسافرين من اليمن إلى المدن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة في المملكة العربية السعودية. فهي تقع بقلب منعطف لواد واسع على طريق التجارة القديم بين اليمن وبقية شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر.

تحولت القرية الصغيرة إلى أكبر مركز تجاري في المنطقة للحصول على السلع الغذائية والحبوب والتوابل والعطور والمجوهرات وغيرها، حيث كان زوارها يحملون منتجاتهم من جميع أقاصي العالم بما في ذلك بلاد الهند والسند ومصر واليمن وأوروبا والسواحل الأفريقية واليابان وشرق آسيا.
لا يقتصر تاريخ رجال ألمع على التجارة، فقد كانت واحدة من أشد القرى قوةً في وجه الأعداء حيث هزمت قبائل العسيري الجيش العثماني بكل جبروته، ووقعوا معه أول معاهدة من نوعها في المنطقة تشهد على استقلال عسير عن الدولة العثمانية في عام 1825.

رحلة في قلب رجال ألمع
حافظت «رجال ألمع» على جمالها الخاص وروحها العربية الأصيلة الواضحة في حصونها الشاهقة التي تتميز بهندستها المعمارية الفريدة والمرصعة بحجر الكوارتز الأبيض. وتحتوي على 60 قصرًا مبنيا من الحجارة الطبيعية والطين يتفاوت ارتفاعها بين 6 و8 طوابق، تتزين بالنوافذ والأبواب الخشبية المطلية بالألوان العسيرية الدافئة.
يطلق السكان المحليون على منازلهم تسمية الحصون نظرًا لحجمها الهائل. ويعود تاريخها إلى مئات السنين عبر أجيال من العائلات العريقة التي سكنت المنطقة، وبقيت أسماؤها حتى اليوم لنجد "حصن المسمر" و"حصن الدير آية" ويحمل أعلى الحصون أسماء عوائل "الجابر والحواط".

تعكس الأبراج الحجرية المربعة ثقافة المنطقة وبراعة سكانها الذين تمكنوا من استغلال المساحات بشكل متقن واستخدام الأحجار الملبسة لإنشاء هياكل معقدة. وبعد اجتياز الأبواب المنحوتة، تظهر أسرار هذه المباني الحجرية الداكنة التي تتحول إلى صندوق باندورا الذي يحتوي على كنز من رسومات لحرفيين مهرة لا تزال لمساتهم نابضة بالحياة حتى اليوم.
متحف رجال ألمع
يمتلك أهالي رجال ألمع وعيًا ومحبةً لتاريخ قريتهم وتراثها وثقافتها وطبيعتها، لذلك يحرصون على ترميم هندستها المعمارية للحفاظ على أبنيتها التاريخية، فقد قاموا في عام 2017 بترميم جميع حصون القرية الستة عشر، وفازت حينها بجائزة "مدن" لتألقها بتراث معماري مميز بين المدن العربية، وكانت في وقت سابق قد حازت على جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني عام 2007.
تحتوي القرية على متحف تراثي تم إنشاؤه بجهود السكان المحليين من أجل الحفاظ على تراثهم الإقليمي، فقد قاموا بتحويل حصن آل علون المكون من ستة طوابق والذي يعود تاريخه لأكثر من 4 قرون إلى مقر لمتحف القرية عام 1985.

وساهم نساء القرية آنذاك في تزيين المتحف من الداخل بفن القط العسيري من خلال ابتكار نقوش متناسقة بالألوان والأشكال ورسم الزخارف التراثية المتقنة والجميلة، كما تبرّعن بأكثر من 500 كغ من مجوهراتهن القديمة المشغولة بالفضة لإثراء مقتنياته.
يضم متحف رجال ألمع كنوزا نفيسة من الفن والتاريخ تبرع بها الأهالي وتشمل أكثر من ألفي قطعة أثرية ومخطوطة موزعة على 19 قسما وزعت فيها الآثار حسب الدلالة التراثية، حيث يوجد شنعة النحل وغرفة الحارس ومكان تخزين الحبوب، وأدوات الزراعة والنقل وقسم الطب الشعبي والمصنوعات الحرفية، وبيت الرجل الألمعي، ومستودع للصور والأعمال الفنية والتحف الأثرية، والأسلحة والحلي القديمة.

الطبيعة الخلابة لرجال ألمع
حملت منطقة عسير اسمها بكونها تتمع بتضاريس جغرافية قاسية وصعبة، إلا أنها تتميز بمناخها المعتدل وهوائها العليل لكونها منطقة أكثر برودة ورطوبة من بقية مدن المملكة العربية السعودية.
تتوسط قرى رجال ألمع سهول تهامة وسط جبال السروات في عسير، وتعتبر نقطة التقاء بين تراث جنوب الحجاز وثقافات البحر الأحمر، ويكسوها غطاء نباتي يتنوع بين الأشجار الشاهقة والزهور الملونة والورود الفواحة، ويتخلله جداول المياه العذبة المتفجرة من قلب الجبال المتدفقة نحو مزارع الذرة والدخن على جنبات القرية.

جبل الشرفة في رجال ألمع
ترسم المدرجات الزراعية الزاهية لجبل الشرفة لوحة طبيعية بانورامية رائعة. ويعتبر من أبرز المعالم التاريخية والطبيعية في الجزء الشرقي لمحافظة رجال ألمع، وتتميز بطقسها المعتدل على مدار الفصول.
يمكن الوصول إليه عبر عربات التلفريك من أعالي جبال السودة إلى وادي العوص، ثم اختراق التضاريس الوعرة عبر مركبات الدفع الرباعي صعودًا إلى قمة الجبل للاستمتاع بالمناظر الخلابة.

كوخ العسل في رجال ألمع
تتميز رجال ألمع بإنتاجها أصفى أنواع العسل الطبيعي الذي يشتهر باسم العسل الألمعي الذي يمكن تذوقه داخل كوخ ريفي أنيق مصنوع من جذوع الأشجار والأحجار الصلدة.
يمتد كوخ العسل على مساحة 10 أمتار مربعة تنقسم بين جلسات متنوعة منها الجلسة التراثية والألمعية ومقهى خدمة النزل والمكتب مع مكان للمنامة، وتتوزع خلايا النحل وبيوتها حوله بحيث يتم قطف إنتاجها يوميًّا ليقدم للزوار والسياح في المنطقة.

موقع رجال ألمع في السعودية
تقع قرية رجال ألمع التراثية الرائعة في الجزء الجنوبي الغربي من المملكة العربية السعودية في محافظة عسير الجبلية الجميلة على بعد 45 إلى الغرب من مدينة أبها، ويحدها من الشرق مركز السودة ومن شمال محافظة محايل عسير، ومن الغرب محافظة الدرب البحر الأحمر.
يمكن الوصول إليها من طريق عقبة شعار من محايل عسير أو من الجهة الغربية عبر طريق عقبة الصماء الموازية لمنتزه السودة، ويمكن أيضًا الذهاب عبر عقبة ضلع جنوب أبها أو اختيار العربات المعلقة لتلفريك منتزه السودة.

