الرئيس التونسي قيس سعيد يتصدر غلاف «الرجل».. يتخلى عن ترف القصور والمواكب ويسكن شقته الصغيرة
رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، الالتحاق بقصر قرطاج، مفضلاً شقة ما زال يدفع أقساطها، مؤكداً ما سبق أن عبر عنه في واحدة من تغريداته، قبيل فوزه بانتخابات الرئاسة، الشهر الماضي، بأنه سيؤدي عمله ويعود إلى منزله كأي موظف، مضيفاً أنه سيتخلى عن مظاهر الترف والمواكب والامتيازات التي يحصل عليها رئيس الجمهورية.
هذا ما نقلته مجلة "الرجل"، في ملف شامل تناولت خلاله مسيرة الرئيس سعيّد، وقد تصدر غلاف عددها الجديد، وتناولت جوانب مختلفة من حياتة الشخصية والعامة، ونقلت عنه رفضه إطلاق لقب السيدة الأولى على زوجته "إشراف شبيل"، لأنه يرى "كل التونسيات سيدات في المرتبة نفسها".
وعرضت "الرجل" جانباً من إسهام سعّيد في الحراك التونسي، والتفاف الشباب حوله ودعمه إلى أقصى حدّ، إلى جانب ثلة من أصدقائه الأساتذة وبعض المثقفين، وبحسب استقصاء المجلة، فإن التفسير بأن هؤلاء الشباب هم من أوقد الثورة، فلم يكن لهم ما أرادوا، بعدما وصل النفس الثوري إلى حالة من الإجهاد لم تعد الأحزاب قادرة على حمله، بلغت معه المنظومة الحاكمة حالة من الأزمة السياسية، فوجدوا في الرجل ممثلاً حزب الشعب التونسي، سواء بطريقة تفكيره خارج النمط السائد، ودفاعه عن العدالة الجهوية، وإيمانه بالقوانين والتزاماتها، وغيرها من الشعارات والأفكار التي كان يصرفها عبر سياسة القرب، التي تستمد جذورها من ممارسته المهنية والعملية، وتقديره لحجم المسؤولية، منذ أن كان أستاذاً جامعياً.
وفي تصريح لمجلة "الرجل" يصفه الكاتب التونسي أحمد الكحلاوي، وقد عمل إلى جانبه لمدة 10 سنوات، ضمن حراك المجتمع المدني التونسي بأنه "رجل كتوم، ونادراً ما يبتسم، جدّيّ في مواقفه وتصرفاته، دقيق في مواعيده ومحترم لها، لا تعرف بالضبط ما سيصدر عنه من كلام، خلال نقاش أو لقاء ما، كما لا تعرف بالضبط ماذا سيصدر عنه من مواقف إلا حين يتكلم، لا ينسجم بسرعة، وتظهر عليه علامات الرجل الملتزم والمتحفظ"، ويقول سعيّد في تصريح سابق "إما أن تتحدث عنا الأجيال بفخر، وإما أن نكون صفراً مخجلاً في كتب التاريخ".
ورغم زخم احتفالية تنصيبه رئيساً لتونس، لم ينسَ سعيّد أكثر المواقف المؤثرة في حياته، وهو وداع والده سنة 1999، يقول: "كان الوالد في سكرات الموت، وكنت قضيت الليل كله بدون نوم، ولما حل موعد الالتحاق بالكلية، خرجت من البيت تاركاً إياه على فراش الموت، لكوني كنت مرتبطاً بتقديم محاضرة مهمة جداً للطلاب. وأثناء عودتي إلى البيت، كنت أدعو الله أن يبقيه".
توفي والد سعيّد بعد عودته إلى المنزل بنحو ساعة. وعن سبب إصراره على عدم التغيب عن طلابه، قال "صورة والد أحد الطلاب يجثو على ركبتيه، ويعفّر وجهه بالتراب، جراء رسوب ابنه في الامتحان هي السبب".
ويضيف "حاولت أن أشدّ من أزره، ومع ذلك، لم أنس تلك الصورة التي جعلتني أقتنع أكثر أن التعليم لا يرتبط بمستقبل الطالب فقط، بل بمستقبل الأسرة أيضاً".
ولفتت "الرجل"، إلى أن غياب سعيّد عن الكلية لم يحصل إلا في حالات قاهرة، كدخوله المستشفى، وفي حالة أخرى حينما كان يدرّس في كلية سوسة، حيث شهدت المدينة سيلاً من الفيضانات، انقطعت معه الطرق، ولم يستطع الوصول إلى الكلية.
وسعيّد مغرم بتفكيك النصوص القانونية واشتقاقاتها اللغوية وتحليلها، وهو العاشق للغة العربية والآداب، مستثمر عمله المؤسساتي في الجامعة، على مدار أكثر من ثلاثة عقود في القراءة والكتابة والحوار، وتبادل الأفكار، موحد بين النظري والعملي والكوني والحديث والموروث، فضلاً عن التدريس، وهي التجربة التي خاض غمارها 34 سنة، ربّى فيها أجيالاً.
وقضى سعيّد فترة مهمة من حياته، دامت ربع القرن، وهو ينقب عن أصل كلمة "دستور"، يقتفي أثرها "كما يقتفي أثر الطير وهو في السماء". كما جاء في حوار سابق له.
ويحب سعيّد الاستماع إلى الطرب الأصيل ولاسيما عبد الحليم حافظ. ويضيف "وأحب أكثر الأغاني التي غناها في الأعوام الخمسين من القرن الماضي، وخاصة تلك التي أداها في مجموعة من أفلامه، بحضور عدد من الممثلات".
يشار إلى أن الرئيس التونسي قيس سعيّد، ولد في 22 أبريل/ نيسان 1959، بأريانة الجديدة، بمدينة أريانة، إحدى كبرى المدن التونسية، وقضي المرحلة الثانوية بين باب الخضراء ومعهد بن شرف واجتاز البكالوريا بنجاح، تخصص أدب عربي، سنة 1978.
وسعيّد أستاذ القانون الدستوري، صاحب شهادة في الدراسات المعمّقة في القانون الدولي، وديبلوم من الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري، وديبلوم من المعهد الدولي للقانون الإنساني بإيطاليا. عضو فريق خبراء الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وخبير متعاون مع المعهد العربي لحقوق الإنسان. أستاذ جامعي متقاعد، متزوج من القاضية إشراف شبيل، ولهما ثلاثة أبناء.