من وادي السيليكون إلى أرض الحرمين: حكاية ترافيس كالانيك والجنسية السعودية
مؤخرًا، منحت المملكة العربية السعوديّة جنسيتها لرائد الأعمال والمؤسس المشارك لشركة "أوبر" ترافيس كالانيك، لينضم إلى نخبة العلماء والمبتكرين الذين نالوا الجنسية السعودية تقديرًا لإسهاماتهم وإفادتهم للبشرية، مثل البروفيسور عمر ياغي، الحاصل على نوبل في الكيمياء 2025.
بثروة تقدر بـ 3.6 مليار دولار، يُعتبر كالانيك واحدًا من أثرى أثرياء العالم، لكن من هو حقًا؟ وكيف أصبح المؤسس المشارك لأكبر شركة نقل تشاركي في العالم؟ وما حقيقة اعتناقه الإسلام؟
ترافيس كالانيك وشركته الناشئة الأولى
وُلد ترافيس كالانيك بالولايات المتحدة، وتحديدًا لوس أنجلوس، في أغسطس 1976 (عمره الآن 49 عامًا). أظهر ترافيس ولعًا كبيرًا بالحاسوب منذ سنٍ صغيرة، حيث كان يحب تعلم أكواد البرمجة بنفسه، لكن على ما يبدو أنه كان عمليًا أكثر من اللازم، حيث ترك جامعته المرموقة (UCLA) التي درس بها هندسة الحاسوب كي يبدأ مشروعه الناشئ "Scour, Inc" مع زملائه.
لم يدم هذا المشروع طويلاً، حيث استغله المستخدمون بطريقة تنتهك حقوق الملكية الفكرية. فـ "Scour, Inc" كان عبارة عن محرك بحث يتيح مشاركة الملفات عبر الإنترنت، وهذا بدوره أتاح رفع الأفلام والأغاني وتحميلها، في نموذج مشابه لما كان يقدمه موقع "Napstar" في تلك الفترة.
انتشرت الخدمة بسرعة، ورفعت شركات الموسيقى والسينما دعاوى قضائية ضد "Scour, Inc" مما أدى إلى إفلاسها عام 2000، بعد عامين على تأسيسها، وبيع جميع أصولها.
بداية النجاح "السريعة"!
كأي رجل أعمال ناجح، نهض ترافيس سريعًا وأسس شركته الثانية "Red Swoosh"، التي لم تختلف فكرتها كثيرًا عن الشركة الأولى، حيث كانت تسمح بمشاركة الملفات أيضًا، لكن هذه المرة بطريقة قانونية ومختلفة.
حققت "Red Swoosh" نتائج ملحوظة وجذبت العديد من العملاء، وفي عام 2007، قرر كالانيك بيعها لشركة "Akamai Technologies" مقابل 19 مليون دولار تقريبًا، ليركز هو على تمويل الشركات الناشئة الواعدة أو ما يُعرف بالاستثمار الملائكي Angel investment.
اقرأ أيضًا: الرئيس التنفيذي لأوبر ينصح الجيل زد بتخصصات تعزز الذكاء العاطفي والتقني
حقبة أوبر
بعد بيع "Red Swoosh" بسنتين أيضًا، بدأت رحلة أوبر، التي شارك ترافيس في تأسيسها عام 2009 إلى جانب "غاريت كامب Garrett Camp". اتخذت أوبر سان فرانسيسكو مقرًا لها، وبدأت كمشروع صغير لا يضم سوى 3 سيارات، لكنها سرعان ما تحولت إلى شركة عملاقة وبدأت بالتوسع عالميًا عام 2012.
بدأت فكرة أوبر عام 2008 عندما كان "ترافيس" و"غاريت" يستعدان لحضور مؤتمر في باريس. حينها، حاول الرجلان أن يستقلا سيارة أجرة، لكنهما لم يتمكنا من العثور على واحدة، ومن هذه الحاجة تشكلت لديهما فكرة الاختراع، الذي يسمح بطلب سيارة أجرة بضغطة زر واحدة من الهاتف، وانتبه، نحن نتحدث عن عام 2008!
في البداية، أراد ترافيس وغاريت أن يخصصا الخدمة لرجال الأعمال، لكن ترافيس عارض هذه الفكرة -لحسن الحظ- ورأى أنه من الخطأ امتلاك أسطول من السيارات الفارهة، التي ستحتاج بدورها إلى عناية خاصة. ترافيس كان يفكر في المشروع بشكل عملي وذكي للغاية، إذ أراد ألا تمتلك الشركة أي سيارة فعلية وتجنب مشاكل سلاسل الإمداد Supply Chain.
وبالفعل، في عام 2009، انطلقت أوبر باسم "UberCab" في مدينة سان فرانسيسكو وبدأت حملة الترويج لها بوصفها "نسخة أفضل وأكثر تطورًا من سيارات الأجرة"، والأهم من ذلك أن فكرتها كانت مبتكرة وتقدم خدمة حقيقية لمعظم الناس.
واجهت أوبر عدة مشكلات منذ أول رحلة لها (يوليو 2010)، حيث طالبتها هيئة النقل في سان فرانسيسكو بالتوقف عن تقديم هذه الخدمة سريعًا، بل هددتهم بالغرامات وحتى بالسجن!
لكن بطريقة ما، استطاعت "UberCab" حل هذه المشكلة وغيّرت اسمها إلى "أوبر Uber" وحصلت على تمويل بقيمة 1.25 مليون دولار، وبعد شهرين فقط، أصبح كالانيك المدير التنفيذي لها، ومن هنا بدأت أوبر التي نعرفها.
نجاحات بالجُملة تحت قيادة كالانيك
منذ عامها الأول، توسعت أوبر بسرعة هائلة، حيث انتشرت حول العالم في فترة قصيرة ووصلت قيمتها السوقية من 60 مليونًا إلى 82 مليار دولار في 8 سنوات فقط!
عام 2011، أطلقت أوبر خدماتها في نيويورك لتنافس سيارات التاكسي الصفراء الشهيرة، والشيء نفسه في باريس التي أصبحت أول سوق دولي لها. وقتها جمعت أوبر تمويلاً من جولتين استثماريتين، الأولى بقيمة 11 مليون دولار والثانية بقيمة 37 مليون دولار من مستثمرين بارزين مثل بنك "جولدمان ساكس" ومؤسس أمازون جيف بيزوس.
وفي عام 2013، باتت خدمات أوبر متوافرة في 40 دولة، من بينها الصين، والهند، وروسيا، وبلغت قيمتها حوالي 3.5 مليار دولار.
عام 2014، أعلنت أوبر تواجدها في 250 مدينة حول العالم، وفي نهاية العام، جمعت 1.2 مليار دولار من مستثمرين ضخام مثل BlackRock وGoogle Ventures لترتفع قيمتها السوقية إلى 40 مليار دولار.
واجهت أوبر احتجاجات ضخمة جدًا من سائقي التاكسي حول العالم، وتحديدًا أوروبا، حيث أُحرقت إطارات سياراتها، لكنها استطاعت تجاوز ذلك.
بحلول 2015، كانت أوبر تعمل في 300 مدينة حول العالم، وأطلقت خدمة "UberEats" لتوصيل الطعام في عدة ولايات أمريكية، وعلى الرغم من أنها واجهت العديد من المشكلات القانونية الكبيرة في السنوات اللاحقة، فإنها استطاعت أن تحافظ على ريادتها تحت قيادة ترافيس كالانيك.
اقرأ أيضًا: تعرف على شروط التجنيس.. وحالات سحب الجنسية السعودية من المتجنس
ماذا بعد أوبر؟
في ديسمبر 2016، أُعلن أن ترافيس كالانيك سينضم إلى المجلس الاستشاري الاقتصادي الخاص بدونالد ترامب. أثار هذا القرار موجة من الغضب ضد أوبر، مما دفع كالانيك إلى الانسحاب من المجلس بعد نحو 3 أشهر فقط من انضمامه.
في الشهر نفسه، فبراير 2017، واجهت أوبر مشكلة قضائية كبيرة جعلت ترافيس يستعين بوزير العدل الأمريكي السابق إيريك هولدر للتحقيق فيها. في يونيو من العام ذاته، وبسبب المشكلات الكبيرة التي واجهتها الشركة، أعلن كالانيك أنه سيأخذ إجازة مؤقتة من مهامه، قبل أن يتقدم باستقالته من منصب الرئيس التنفيذي بعد أسبوعٍ واحد فقط.
عام 2018، أسس ترافيس كالانيك صندوقًا استثماريًا باسم "10100" وأوضح أنه سيركز على مجالي التجارة الإلكترونية والعقارات. حاليًا، وبعد خبرة تقدر بأكثر من 26 عامًا في مجال الشركات الناشئة، يشغل كالانيك منصب المدير التنفيذي لشركة "CloudKitchens" المتخصصة في تأجير المطابخ التجارية الجاهزة، والتي تشمل خدماتها منطقة الشرق الأوسط تحت اسم "KitchenPark" في السعودية، والكويت، والإمارات.
ترافيس كالانيك يعتنق الإسلام
تجدر الإشارة إلى أن ترافيس كالانيك اعتنق الإسلام قبل حصوله فعليًا على الجنسية السعودية، تمامًا كما فعل الرئيس التنفيذي لمجموعة "البحر الأحمر الدولية" جون باغانو، الذي سنفرد له لاحقًا ملفًا خاصًا على غرار ترافيس.
