حين تتحول اللعبة إلى تهديد خفي: كيف أصبحت روبلوكس أكثر منصات الألعاب إثارةً للجدل؟
تقدم منصة "روبلوكس Roblox" نفسها كمنصةٍ بريئة، موجهة للأطفال والمراهقين؛ تُمكنهم من إنشاء ألعابهم الخاصة بشكل ممتع وتعليمي، وهي كذلك بالفعل، لكنها أيضًا منصة يدور حولها جدلٌ واسع، جدل تسبب في جعل الآباء والأمهات يحظرونها على أطفالهم، بل تسبب في جعل دول كاملة، آخرها قطر، تحظرها بشكل كامل، فكيف تحولت روبلوكس من أكثر المنصات شعبية وجماهيرية، إلى واحدة من أكثر المنصات المنبوذة؟
استغلال المطورين لمنصة Roblox
يمكن لأي شخص تطوير لعبته الافتراضية والتربح منها ماليًا على روبلوكس، وذلك من خلال بيع عناصر افتراضية أو ميّزات خاصة.
الانتقاد الأول الذي وُجّه للمنصة يتعلق باقتطاعها جزءًا كبيرًا من أرباح المطورين، حيث يحصل المطور المسكين هنا على 29 سنتًا فقط مقابل كل دولار تحققه لعبته، وهذه نسبة زهيدة للغاية مقارنةً بمنصات الألعاب الأخرى المعروفة مثل Steam وEpic Games.
إلى جانب ذلك، لا تضمن روبلوكس عرض أي لعبة أو الترويج لها بشكل واسع، إلّا إذا دفع المطور رسومًا إضافية، أي إنه يجب أن يدفع المال حتى تشتهر لعبته، وتتربح المنصة من ورائها وهو لا يأخذ سوى الفتات!
والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث يحصل المطور على أرباحه الزهيدة عبر عملة المنصة الافتراضية، التي يصعب تحويلها إلى نقودٍ حقيقية، في استغلالٍ واضح وصريح لا يعود بالنفع الكبير إلا على روبلوكس.
التشجيع على المقامرة!
في روبلوكس، نظام شراء العناصر أو ما يُعرف بالـ"Microtransactions"، مختلف تمامًا عن بقية الألعاب، ففي PUBG أو Fortnite أو غيرهما من الألعاب التي تتيح شراء العناصر مقابل المال الحقيقي، يُسعّر كل عنصر برقمٍ ثابت، أما في روبلوكس، وبعيدًا عن وجود عناصر بأسعارٍ باهظة، فإن نظام التسعير يتم بالعرض والطلب!
وقد أثار هذا الأمر جدلًا كبيرًا بين اللاعبين، الذين هاجموا المنصة واتهموها بالتشجيع على المقامرة، حيث أصبح الأمر أشبه بسوق الأسهم، لأن اللاعبين باتوا يحاولون توقع التوقيت المناسب للبيع أو الشراء، فيما يشجّع على سلوكيات المقامرة بشكل فظ.
في عام 2023، رفع عددٌ من أولياء الأمور دعوى قضائية ضد المنصة، مُتهمين إياها السماح، بقصدٍ أو بدون قصد، بالتشجيع على المقامرة، ويُقال إن القضية ما زالت جارية في كاليفورنيا حتى الآن.
اقرأ أيضًا: الكشف عن تطورات لعبة Tomb Raider الجديدة.. وهذا موعد صدورها
الإهمال في إدارة المحتوى ومراقبته
يمثل الإهمال في إدارة المحتوى ومراقبته واحدة من أكبر المشكلات التي باتت لصيقة بروبلوكس، والتي تسببت لها بالسمعة السيئة التي وصلت إليها.
ومن المفترض أن تمتلك أي لعبة أنظمة مراقبة ووسائل لحماية اللاعبين، لكن روبلوكس، وإن كانت مزودة بهذه الأنظمة على الورق، فإنها لم تحمِ اللاعبين من خطابات الكراهية، والعنف، والمحتوى غير اللائق، والأخطر من ذلك أنها تجاهلت مرارًا مشكلات لا يجوز تجاهلها.
وفي عام 2024، وبعد ضغط إعلامي وتحقيقات صحفية كاشفة، قررت روبلوكس أخيرًا أن تغير بعض السياسات، حيث منعت اللاعبين دون سن التاسعة من الوصول إلى المحتوى "الناضج"، وهو في تعريف المنصة: أي شيء أكثر إزعاجًا من العنف الخفيف والدم غير الواقعي!
مشكلات التحرش التي لا تنتهي
تعاني روبلوكس من مشكلات متكررة في مواجهة المتحرشين، فبحسب تقرير نشرته وكالة بلومبيرغ في يوليو 2024، فإن المنصة كثيرًا ما تُستخدم من قبل أشخاص بالغين للتواصل مع الأطفال بطريقة غير لائقة.
وقد أبلغت روبلوكس عن أكثر من 13 ألف حالة يُشتبه بأنها استغلال جنسي للأطفال في عام 2023، وهذه زيادة مستمرة منذ عام 2019، ورغم وجود أنظمة مراقبة، فإنها هشة وتسمح بإخفاء الهوية بالكامل، وهو ما لا يُفترض أن يحصل على منصة من هذا التوصيف بهذه الكيفية.
من أشهر الحوادث التي لم تكن لتحدث لولا سياسة روبلوكس، هي حادثة مطور لعبة Sonic Eclipse Online، الذي حُظر حسابه بعدما اكتُشف أنه أرسل رسائل غير لائقة لطفلة، لكنه عاد لاحقًا باسمٍ جديد وارتكب جريمة أكبر أدت إلى سجنه 15 عامًا.
إدارة روبلوكس تقول إن هذه الحوادث تظل استثناءً، مشيرة إلى ملايين اللاعبين الذين يستمتعون بالمنصة يوميًا بأمان.
وبعد حادثة "كاستيلو"، اتخذت الشركة إجراءات مثل توظيف محققين جدد لسلامة الأطفال، وتشكيل فريق مخصص لمكافحة الاستغلال الجنسي، وحظر اللاعبين دون سن التاسعة من الوصول إلى بعض الألعاب.
كما أكدت عبر متحدث باسمها أن هناك "خططًا قوية" لإطلاق ميزات أمان جديدة، ومع ذلك، يرى موظفون حاليون وسابقون أن الشركة تعطي الأولوية لتوسيع قاعدة اللاعبين على حساب السلامة، وأن نظام الرقابة الآلي المعتمد على الذكاء الاصطناعي فشل في رصد الكلمات الدالة على عمليات الاستدراج.
ومنذ 2018، تم القبض على 24 شخصًا في الولايات المتحدة الأمريكية بتهم خطف أو إساءة معاملة أشخاص تعرفوا عليهم عبر روبلوكس، وهو ما يعزز المخاوف بشأن بيئة المنصة.
وعلى الرغم من أن روبلوكس توفر فرصًا تعليمية وترفيهية إيجابية لملايين الأطفال، فإن تزايد هذه القضايا أثار تساؤلات حول مدى استعداد الشركة لترجيح كفة حماية المستخدمين على النمو التجاري.
ومع استمرار شعبيتها منذ أكثر من 15 عامًا، فإن مستقبل المنصة وسلامة مجتمعها يرتبطان بقدرتها على إصلاح ثغرات الأمان قبل أن تتفاقم المشكلة.
