البيانات السلوكية: كيف تكشف تفاعل العملاء وتحوّله إلى أرباح حقيقية؟
يُفترض أن يلجأ أي مشروعٍ ناجح إلى مراقبة سلوك العملاء، وهذه ليست بالعملية السهلة، حيث تتطلب معرفةً بما يسمى "البيانات السلوكية Behavioral Data"، وهي تلك المعلومات التي تريك كيف يتفاعل العملاء مع ما تقدمه من خدمات أو منتجات.
والحقيقة أن البيانات السلوكية تبرهن على أن الابتكار وحده لا يكفي لنجاح المشاريع، وأن أي مشروعٍ يجب أن يستند إلى علمٍ ودراسة للسوق بكل تفاصيله، بل ولكل فردٍ فيه على حدة، كلما أمكن ذلك، لكي ينجح. فما هي هذه البيانات السلوكية؟ وما أنواع البيانات التي يمكن جمعها؟
ما هي البيانات السلوكية؟
توضّح البيانات السلوكية كيف يتفاعل العملاء مع نشاطك التجاري، حيث يتم جمع بيانات مثل عدد المشاهدات، والنقرات، وعدد مرات تسجيل الدخول، والمكالمات، وعدد عمليات الشراء، وحتى اللحظات التي شَعُرَ فيها المستخدمون بالإحباط وأنهم يريدون مغادرة الصفحة.
كل هذه البيانات، وأكثر، يتم جمعها من خلال مختلف القنوات، مثل المواقع الإلكترونية أو وسائل التواصل أو التطبيقات أو البريد الإلكتروني، وغيرها من القنوات التي يمكن للعميل أن يستخدمها.
ميزة هذه المعلومات، رُغم ظهورها وكأنها مجردة من المعنى، أنها مفيدة وعملية إلى حدٍ كبير، فإذا وجدت أن عميلًا ما أمضى بضع ثوانٍ أو حتى دقيقة في صفحة منتجٍ ما ثم غادر، فهذا يعني أن هناك شيء ما يجب إعادة النظر فيه، سواء كان في تسعير المنتج، أو تصميمه، أو طريقة كتابة مواصفاته، أو أي شيء آخر.
وعندما يتم أخذ هذه البيانات في الاعتبار، ودمجها مع المعلومات الديموغرافية الأساسية، مثل عمر المستخدم وموقعه الجغرافي، يتم تكوين صورة أوضح بكثير عن العميل ومتطلباته، وبالتالي تلبيتها لسد الثغرة.
ما الفرق بين البيانات الكمية والكيفية؟
البيانات الكمية، أو عملية "البحث الكمي Quantitative UX Research"، هي جمع وتحليل بيانات رقمية قابلة للقياس، سواء كانت أرقامًا عامة، أو إحصائيات، أو نسب مئوية.
الهدف من هذه البيانات هو الإجابة على أسئلة واضحةٍ، غالبًا ما تبدأ بـ"كم؟".
على سبيل المثال: معرفة كم عدد زيارات الصفحة، أو معدل الارتداد Bounce Rate (نسبة الزوار الذين يغادرون دون تفاعل مع أي عناصر)، أو عدد النقرات، أو نسب الأخطاء.
وغالبًا ما يُستخدم هذا المقياس لمقارنة الأداء مع المنافسين، أو حساب العائد على الاستثمار Return On Investment (ROI)، ومن مميزاته أنه مفهومٌ ومقبول لدى الغالبية العظمى من المُعلنين، لكنه يحتاج إلى عينات كبيرة من المستخدمين، حتى يقيس نتائج مفيدة فعلًا، ربما أكثر من 30 مستخدمًا.
في الجهة المقابلة، تُعرف البيانات الكيفية أو النوعية، أو "عملية البحث النوعي Qualitative UX Research"، بأنها عملية جمع وتحليل البيانات غير القابلة للقياس الدقيق، أو بمعنى أدق البيانات غير الرقمية، مثل المشاعر، والدوافع، وهكذا.
وإذا كان النوع الأول يجيب على السؤال "كم؟"، فإن هذا النوع يجيب على سؤال "لماذا؟"؛ لفهم وتفسير سلوك العملاء وخلفياتهم.
ويُستخدم التحليل النوعي لاكتشاف مشكلات أعمق من عدد المشاهدات، ويمكن استخدامه في أي مرحلة من التصميم لاكتشاف المشكلات واختبار الأفكار، ومحاولة فهم رغبات المستخدمين بعمق.
والمميز في هذا النوع، أنه يكشف المشكلات الخفية، كما أنه لا يحتاج إلى عينة بنفس حجم النوع الأول، لكنه أصعب في الفهم بالنسبة للمعلنين.
اقرأ أيضًا: القرارات المستندة إلى البيانات.. نحو تحسين الأداء والابتكار المؤسسي
أدوات تحليل السلوك مثل Hotjar وClarity
نأتي الآن للجزء العملي، ونُدعّم حديثنا عن البيانات السلوكية بهاتين الأداتين، وكلاهما يحظيان بشعبية واسعة، ولكل منهما استخداماتها الفريدة، غير أنهما يتشابهان في الاستخدام العام، وهو قياس ومتابعة سلوك العملاء أثناء تصفح موقعك.
نبدأ بأداة Clarity، التي طورتها مايكروسوفت، والتي تُعرف بأنها أداة مجانية بالكامل، تساعد الشركات على فهم كيفية تفاعل الزوار مع عناصر الموقع.
فباستخدام Clarity يمكنك معرفة إلى أي مدى يُمرر زوار الموقع إلى أسفل الصفحة، ومدة استخدامهم أو تفاعلهم مع عنصر معين، وما إذا كانوا يتفاعلون مع روابط أو أيقونات معينة أم لا.
وتوفر Clarity خرائط حرارية، وتُسجّل الجلسات لتُظهر العديد من المؤشرات المهمة، مثل الأماكن التي ينقر فيها المستخدم أكثر شيء، والأخرى التي يتجاهلها، والأماكن التي يتعثر فيها فيخرج من الموقع.
أما أداة Hotjar، فهي الأخرى غنية عن التعريف، وتُعطي تحليلات مفيدة للغاية حول سلوك المستخدم، حيث تزودك أيضًا بالخرائط الحرارية، والاستطلاعات، وأدوات التغذية الراجعة Feedback، لتعرف إلى أي مدى يقوم المستخدمون بالتمرير في صفحة الموقع، وأي أجزاء من الموقع تجذب الانتباه، والعناصر التي تعيق التحويلات.
الاختلافات بين الأداتين ليست هائلة، حيث يقدم كلاهما خرائط حرارية لنشاط المستخدمين، ويتيحان تسجيل الجلسات، ويحللان السلوك، ويتكاملان مع Google Analytics وWordPress وShopify وغيرها من الأدوات.
لكن Hotjar تحمل مميزات أكثر قليلًا، بحكم أنها تقدم خططًا مدفوعة، والحقيقة أن الخطة المجانية جيدة، لكن الخطط المدفوعة تعد بمميزات أكثر، يمكنك التعرف عليها من الموقع الرسمي.
كيف تحول البيانات إلى قرارات؟
قبل أن تفتح أي ملفٍ أو تستخرج أي بيانات من أي تقرير، يجب أن يكون الهدف من كل هذا واضحًا.
اسأل نفسك: هل هدفك زيادة المبيعات أم تحسين تجربة المستخدم أم خفض التكاليف؟
وبناءً على الهدف والرؤية، يمكنك تحديد الخطوة القادمة، فقط اعلم أن أي بيانات بلا سياق ليس لها فائدة.
بعد تحديد الهدف، اجمع البيانات المتعلقة بهذا الهدف، ونظمها في لوحة تحكم واضحة، تعرض المؤشرات الأساسية أمامك، وأخيرًا وليس آخرًا، حاول أن تُغير هذه الأرقام، عن طريق إجراء تغييرات في موقعك الإلكتروني بناءً على هدفك.
مثال: تخيل أنك تمتلك متجرًا إلكترونيًا لبيع الملابس، ولاحظت انخفاضًا في المبيعات طوال الشهرين الماضيين.
- الخطوة الأولى هنا، تحديد الهدف، أن تعرف سبب انخفاض المبيعات، وزيادتها بنسبة 20% مثلًا.
- الخطوة الثانية، تبدأ بجمع البيانات المتعلقة بزيادة الأرباح مثل عدد الزوار، ومدة بقائهم في صفحة المتجر، وأكثر العناصر مبيعًا، إلخ، مع تنظيم هذه البيانات في جدولٍ واضح.
- الخطوة الثالثة، سنفرض أنك وجدت أن 40% من الزوار يغادرون الموقع من صفحة الدفع، وتلاحظ أنك لا تقدم شحنًا مجانيًا بعكس منافسيك، من هنا يمكنك أن تُجرّب خدمة الشحن المجاني، ومقارنة النتائج، إذا تحسنت، وعلى الأغلب أنها ستتحسن، فكل شيء على ما يرام، عدا ذلك ابحث عن سببٍ آخر.
في النهاية، من المهم أن تعتمد على البيانات السلوكية دائمًا، وتحاول أن تُحسن من الخدمة والمنتج الذي تقدمه، ولكن تذكر أن الإبداع وحده لا يكفي، وأنه لا مفر من دراسة السوق جيدًا، ومحاولة إرضاء العملاء وجذبهم باستمرار عن طريق تحليل سلوكياتهم على موقعك.
