من شاشة اللعب إلى حلبات السباق: هكذا وُلدت أساطير السيارات الجديدة
لم تعد ألعاب الفيديو مجرّد وسيلة ترفيه، بل تحوّلت إلى مساحة افتراضية حيوية لإبداع هندسي لا يقلّ طموحًا عن الواقع. فبينما يزداد الشغف العالمي برياضة السيارات، أتاحت المنصات مثل Gran Turismo فرصة لمحاكاة التجربة بدقة مذهلة، لا تكلف ثروات، ولا تحمل مخاطر الحلبات.
وبين الترفيه والابتكار، وجدت شركات السيارات في هذا العالم الافتراضي مختبرًا لتصميم نماذج مستقبلية، بعضها خُلق للّعبة فقط، وبعضها رأى النور على أرض الواقع بنسخ محدودة مذهلة. من Ferrari Vision إلى Bugatti وPorsche، وصولًا إلى Nissan، هذه النماذج ليست خيالاً، بل البداية لثورة تصميم جديدة تولد من الشاشة، وتشق طريقها إلى الحلبة.
ألعاب الفيديو التي لم تترك أي فكرة واقعية كانت أم خيالية إلا وتطرقت لها، بما فيها طبعًا سباقات السيارات، حيث اعتمدت على محاكاة ما يوفره الاتحاد الدولي لرياضة السيارات ضمن رزنامته السنوية، أو من خلال تلك المستوحاة من أفلام الإثارة الذي تتحوّل معه المنافسات خلف المقود إلى سلسلة من المطاردات بين عصابة وأخرى أو بين الأشرار ورجال إنفاذ القانون.
وهنا إليك عزيزي القارئ مجموعة من أبرز السيارات التي صُممت بالأساس لألعاب الفيديو:
Ferrari Vision Gran Turismo
هي سيارة ذات مقعد واحد وعجلات مغلقة، هي أول سيارة اختبارية من الصانع الإيطالي مُصممة على نحو خاص لعالم سباقات السيارات الافتراضية. تصميم السيارة مستوحى من تراث مارانيلو العريق في سباقات السيارات، ولهذا يمكن ملاحظة العديد من السمات التصميمية التي عرفت طريقها بعد الكشف عن Vision Gran Turismo إلى سيارات Ferrari الحديثة، وهنا نتكلم عن طرازي 12Cilindri وF80 اللذين يحملان ضمن قسمهما الجانبي تصميم مستوحى بنسبة كبيرة من تصميم القسم الجانبي للسيارة.
وبدوره صُمم نظام التعليق للحفاظ على رقعة تلامس واسعة للإطارات لضمان أقصى تماسك، ما يسمح للسيارة بنقل عزم دوران يبلغ 1100 نيوتن متر من محرك الاحتراق الداخلي ووحدة توليد الطاقة الحركية (MGU-K) إلى الطريق بكل جدارة.
ميكانيكيًّا، تتمتع Ferrari Vision Gran Turismo بمحرك يتألف من ست أسطوانات سعة 3.0 لترات بزاوية 120 درجة، مع جهاز شحن هواء مزدوج، وهو نفسه المعتمد في سيارات GTB 296 المخصصة للطرقات وبطلة سباق 24 ساعة لومان لثلاثة أعوام على التوالي 499P. ومع ذلك، في هذا التركيب، لم تكن هناك قيود تنظيمية تقنية يجب الالتزام بها، لذلك جرى تحسين أداء المحرك بشكلٍ أكبر لإطلاق العنان لقوة 1030 حصانًا عند 9000 دورة في الدقيقة، مع قوة 326 حصانًا إضافية تتوافر بفضل عمل ثلاثة محركات كهربائية، واحد على المحور الخلفي وواحد على كل من العجلات الأمامية.
Bugatti Vision Gran Turismo
مع Bugatti Vision Gran Turismo لم يكن هدف الصانع الفرنسي هو فقط الدعاية التي تهدف لترويج اسم Bugatti بين عامة الناس، وذلك لأن سيارات الشركة كانت دائمًا وفي مختلف العصور سيارات للنخبة من المجتمع لا للعامة، فالهدف الأساسي كان توفير نظرة مسبقة عن مستقبل تصاميم الشركة التي ستُبصر النور لاحقًا، ومن ثم كان يجب على Vision أن تكون منسجمة تمام الانسجام مع العالم الحقيقي لا فقط المنافسة ضمن بيئة افتراضية تصمم كي تنسجم مع السيارة. والنتيجة كانت تعايش بين التقنيات الحديثة والتقاليد الجميلة للعلامة التي أسسها الكبير إيتوري.
وبذلك مزجت السيارة أحدث السمات التصميمية العصرية بتراث الصانع الفرنسي الذي عرف في الماضي نجاحًا كبيرًا في بيئة سباقات السيارات، وعلى وجه الخصوص طراز Bugatti Type 57 Tank وانتصاراته في سباق 24 ساعة لومان في عامي 1937 و 1939.
ميكانيكيًّا، يجري دفع Bugatti Vision Gran Turismo بوساطة محرك Bugatti الشهير الذي يتألف من 16 أسطوانة مثبّتة على شكل الحرف W، الذي يوفر قوة تبلغ 1673 حصانًا وعزم دوران يبلغ 1580 نيوتن متر إلى العجلات الأربع. وبذلك تتمكن السيارة من الوصول إلى سرعة قصوى تبلغ 447 كيلومترًا في الساعة.
وللدلالة أكثر على أهمية هذه السيارة التي أُنتج منها نسخة واحدة فقط، لا بد من الإشارة إلى أنّ الكثير من سماتها التصميمية عرفت طريقها إلى طراز Chiron الذي أُطلق بعدها بعدة سنوات، خاصةً على صعيد تصميم العمود C الذي يتخذ تمامًا شكل الحرف C، بالإضافة إلى المقدمة التي تحتوي على شبكة تهوية Bugatti الشهيرة المستوحاة من حدوة الحصان، والقسم الخلفي الذي يتألف من مساحة كبيرة تسيطر عليها شبكة تعمل على إخراج الهواء الساخن من حجرة المحرك.
اقرأ أيضًا: Maserati MCPURA: أناقة إيطالية تُعيد تعريف الأداء الرياضي
Porsche Vision Gran Turismo
رغم أنّ جميع السيارات التي نتحدث عنها هنا تحمل اسم الطراز نفسه مع اختلاف اسم الصانع، فإنّ لكل سيارة هدفًا مختلفًا عن الآخر يُضاف إلى هدفها الأساسي بالمشاركة في لعبة فيديو Gran Turismo التي تطورها شركة Sony.
وكان الهدف مع سيارة Porsche هو الترويج للكهرباء كوسيلة وحيدة لدفع السيارات الرياضية، إذ إنّ السيارة التي وفرها الصانع الألماني أتت مع منظومة كهربائية بالكامل تتألف من محركين أو أربعة محركات كهربائية (تبعًا للفئة المختارة من السيارة داخل اللعبة) مع قوة يمكن أن تصل إلى 1300 حصان وتسارع خاطف لا تحتاج معه السيارة إلى أكثر من 2.5 ثانية كي تصل إلى سرعة 100 كيلومتر في الساعة.
وخلال تطوير السيارة الذي جرى ضمن تعاون بين مهندسي الصانع الألماني وشركة Polyphony Digital المسؤولة عن تطوير لعبة الفيديو، جرى إيلاء اهتمام كبير ليس لفيزياء قيادة السيارة في اللعبة فحسب، بل لكيفية تفاعل اللاعبين معها أيضًا. بفضل ردود الفعل اللمسية عبر وحدة التحكم التي سعت Polyphony Digital لتوفيرها، كانت السيارة قادرة على محاكاة الشعور الذي يشعر به السائق الحقيقي عند قيادة هذه السيارة في الحياة الواقعية. كما أنها مُهيأة لتقديم استجابات توجيه سريعة ومباشرة - تمامًا كما تشعر عند قيادة سيارة سباق حقيقية على الحلبة.
على صعيد التصميم الخارجي، أتت السيارة مبسّطة بنسبة كبيرة؛ إذ إنها تعطي الأولوية للخطوط المنسابة الأنيقة والراقية، حتى على حساب الأداء الديناميكي الهوائي، فالهدف هنا هو الجمال الذي يبرز أيضًا من خلال العجلات الكبيرة التي تعطي للسيارة حضورًا قويًّا على الطريق ولكن دون أن تبدو هجومية أو متكلفة.
ومن أبرز تفاصيل التصميم نسبة الارتفاع إلى العرض الرياضية، وغطاء محرك منخفض للغاية، والرفارف البارزة. في المقدمة، تتشابه المصابيح وفتحات الهواء المدمجة مع تصميم طراز Taycan، بينما يُعد شريط الإضاءة الضيّق في الخلف تطويرًا لذلك الموجود في طراز الأسطورة 911.
Nissan Concept Vision Gran Turismo
بدأت Nissan Concept Vision Gran Turismo كمشروع حلم مصممين شباب أطلقت لهم Nissan العنان لابتكار سيارة خارقة مثالية لمرآب لعبة Gran Turismo الخيالي الخاص بهم.
لكن التصميم الذي أبدعه فريق الشركة الذي يعمل انطلاقًا من عاصمة المملكة المتحدة، لندن، كان يتمتع بإمكانيات هائلة، ما دفع الشركة إلى الاستفادة من مساهمة فريق هندسي ياباني حضر على نحو خاص للإشراف على السيارة.
على صعيد قوة الدفع، أتت السيارة مزودة بنظام هجين مع محرك احتراق داخلي يتألف من ست أسطوانات معززة بشاحن هواء توربو مزدوج يعمل بالتناغم مع ثلاثة محركات كهربائية على دفع العجلات الأربع بقوة تراوح بين 600 و670 حصانًا عبر علبة تروس أوتوماتيكية من سبع نسب.
ويتميز التصميم الخارجي للسيارة بمفهوم "الهندسة العاطفية" لتصميم الجسم، الذي يُبرز تباينات قوية من خلال سطحه الديناميكي المفعم بالحيوية والجريء في آنٍ واحد. أما المقصورة الداخلية، فتتميز بلوحة عدادات بتصميم أنيق يجمع بين القوة والبساطة.
ورغم التصميم المتطرف الذي تعتمده السيارة، والذي يبدو كأنه قادم من أفلام الخيال العلمي، فإنه لا يعاني أبدًا الابتذال الذي تعانيه السيارة التي تنحاز تمامًا إلى نمط الخيال العلمي في التصميم، ويعود الفضل بذلك إلى الخطوط الناعمة المنسابة التي تسيطر على قسم كبير من جسم السيارة، فضلًا عن بعض السمات المستوحاة من فخر الصناعة اليابانية في عالم السيارات الرياضية Nissan GT-R الغنية عن التعريف، خاصةً على صعيد المقدمة التي تتمتع بشبكة تهوية كبيرة تحمل نمط تصميم V الشهير من Nissan ولكن بحلة مختلفة بالغة الأناقة.
أكاديمية GT من Nissan
لا يمكننا الحديث عن دور السيارات في ألعاب الفيديو أو دور ألعاب الفيديو في عالم السيارات دون التطرق لأكاديمية GT من نيسان التي انطلقت في عام 2008 واستمرت حتى عام 2015 والتي من خلالها لم يكتفِ تعاون Nissan مع PlayStation بتوفير المال لأصحاب المهارات العالية في القيادة من خلال لعبة، بل أيضًا متابعة مسيرة أصحاب المواهب العالية ماديًا حتى الوصول إلى حالة تسمح لهم بأن يحققوا الثروات من عالم السباقات لا الصرف عليه، كيف ذلك إليكم التفاصيل:
في البداية، لم يكن على المتسابق الشاب سوى المنافسة عبر الانترنت ولعبة PlayStation مع لاعبين من مختلف أنحاء العالم ضمن تصفيات تهدف لمعرفة من يستحق الانضمام إلى الأكاديمية والتدرب على قيادة السيارات الحقيقية، وبعد التصفيات ضمن اللعبة انتقل الفائزون إلى مقر الأكاديمية في حلبة سيلفرستون التاريخية حيث خضعوا لمعسكر تدريب أعدهم كي يكونوا سائقي سباقات محترفين في الواقع وليس خلف الشاشات فحسب.
