جون ماكي ومأزق الكبار: متى يكون التوقيت المناسب للتنحي؟
بعد أكثر من أربعة عقود قضاها على رأس سلسلة متاجر Whole Foods، قرر المؤسس المشارك جون ماكي (John Mackey) أن يُنهي رحلته الطويلة ويغادر منصب الرئيس التنفيذي، في لحظة وصفها بأنها استجابة لصوت داخلي يخبره بأن "الوقت قد حان للمغادرة". هذا القرار لم يكن مفاجئًا بالنسبة لماكي وحده، بل مثّل علامة فارقة في مشهد قيادة الشركات الأمريكية الكبرى، خاصة أن الرجل ارتبط اسمه بنمو واحدة من أكثر سلاسل الأغذية العضوية تأثيرًا في العالم.
اقرأ أيضًا: الملياردير الذي اشترى نهاية العبودية.. كين غريفين في قلب التاريخ
وقال ماكي في حوار له مع Business Insider، إنه اتخذ القرار عندما شعر بأن العمل فقد بريقه الذي كان يدفعه للاستمرار. وأضاف: "لم يعد الأمر مثيرًا كما كان في السابق"، مشيرًا إلى أن إحساسه بالحماس تراجع تدريجيًا مع مرور الوقت، ليتحول إلى شعور بالروتين، لا يليق بحجم التحديات التي طالما واجهها في حياته المهنية.
صفقة أمازون وتآكل الانسجام
وكانت شركة أمازون قد استحوذت على Whole Foods عام 2017، في صفقة ضخمة بقيمة 13.7 مليار دولار، وهي الصفقة التي وافق ماكي في إثرها على البقاء في منصبه لمدة خمس سنوات، ضمن اتفاق انتقالي يضمن استقرار الإدارة. لكنه، ومع اقتراب الذكرى الخامسة للاندماج، أبلغ كبار التنفيذيين في أمازون بنيته التنحي، معللًا ذلك بما وصفه بـ"صراع ثقافي" أنهكه داخل الكيان الجديد، بعد أن بدأت قيم وثقافة Whole Foods التقليدية تتآكل أمام هيمنة عملاق التكنولوجيا.
إلى جانب ذلك، أشار ماكي إلى أن رحيل شركائه المؤسسين الذين كانوا معه منذ انطلاق الشركة عام 1980، أسهم في تعميق إحساسه بالوحدة والحنين إلى المرحلة الأولى من التأسيس. وقال: "أولئك كانوا شركائي في الخنادق، كنا نحتفل معًا بالنجاحات، ونواسي بعضنا في لحظات الخسارة. الآن، لم يعد أحد منهم هنا".
هذا الشعور بالفراغ العاطفي، مقرونًا بالتحولات الكبرى في ثقافة العمل، جعله يتخذ القرار الأصعب في مسيرته. فالاستقالة من منصب الرئيس التنفيذي لشركة ضخمة، بعد رحلة تجاوزت الأربعين عامًا، ليست قرارًا إداريًا فقط، بل حدث وجودي في حياة قائد ارتبط اسمه بتجربة ناجحة وفريدة في عالم تجارة التجزئة العضوية.
ويرى خبراء الإدارة أن قرار ماكي يُجسّد واحدة من أكبر التحديات التي تواجه الرؤساء التنفيذيين، ألا وهي معرفة اللحظة المناسبة للرحيل. فغالبًا ما ترتبط القيادة بالهوية الشخصية، ما يجعل مغادرة المنصب أشبه بفقدان الذات. لكن ماكي، كما يبدو، اختار أن يستمع إلى قلبه، لا إلى مؤشرات السوق أو تقارير الأداء.
وقال في ختام حديثه: "ربما لم أعد الشخص المناسب لهذه المرحلة. لكنني فخور بما أنجزناه. وقد حان الوقت لتمرير الشعلة لمن يأتي بعدي".
