هل كانت النساء يحكمن أولى الحضارات البشرية؟ دراسة جديدة تكشف الحقيقة
في اكتشاف قد يُعيد كتابة تاريخ المجتمعات البشرية، توصلت دراسة نُشرت في مجلة العلوم Science إلى أن مدينة كاتالهويك Çatalhöyük، الواقعة في جنوب الأناضول تركيا الحديثة، والتي تُعد من أقدم المستوطنات النيوليتية المعروفة، كانت على الأرجح مجتمعًا أموميًا تقوده النساء.
فقد كشف تحليل الحمض النووي لأكثر من 130 هيكلًا عظميًا دُفن تحت منازل المدينة المصنوعة من الطوب اللبني، أن النسب كان يُتبع عبر خط الأم، وأن النساء كنّ يمكثن في منازلهن العائلية لأجيال، بينما كان الرجال ينضمون إليهن بعد الزواج.
وأشارت الدراسة إلى أن أفراد العائلة المدفونين في المنزل الواحد لم يكونوا دائمًا ذوي صلة بيولوجية مباشرة، إلا إذا تتبعنا النسب من جهة الأم، وهو نمط يُعرف بـ"الاستقرار الماتريلوكي"، حيث تُبقي النساء على استمرارية الأسرة والمكان.
المرأة في مركز المجتمع والروح
الأدلة لم تقف عند الوراثة الجينية فقط. فقد كشفت الحفريات أن قبور النساء احتوت على عدد من القطع الأثرية يفوق بخمسة أضعاف ما وُجد في قبور الرجال، ما يدل على مكانة اجتماعية وروحية متقدمة.
كما عثر على عشرات التماثيل النسائية التي يُرجّح أنها تمثل "الإلهة الأم"، في مؤشر إضافي على الاحترام والتبجيل الذي حظيت به النساء في تلك الحقبة.
وتعيد هذه النتائج تسليط الضوء على التنوع الاجتماعي الذي ميز المجتمعات الأولى، وتدفع إلى إعادة النظر في الفرضيات الكلاسيكية حول السلطة والملكية القائمة على النمط الأبوي، خاصة أن نماذج مماثلة ظهرت أيضًا في مجتمعات من أواخر العصر الحديدي في بريطانيا.
قراءة جديدة للماضي
وأوضحت الدكتورة إلين شوتسمانز، إحدى المشاركات في إعداد الدراسة، أن هذه النتائج تمثل دعوة لإعادة تقييم النظرة الغربية الحديثة التي تفترض هيمنة الذكور عبر العصور.
وقالت شوتسمانز: "العديد من الثقافات القديمة والأصلية نظّمت نفسها عبر أنظمة وراثية أمومية، حيث تُنقل الهوية والأرض والانتماء عبر خط الأم".
دراسة: نمط الحياة يؤثر على صحة الرجال والنساء أكثر من العوامل الوراثية
وفي ضوء هذا الكشف، يبدو أن الحضارة البشرية الأولى لم تُبنَ فقط بالحجر والطين، بل كانت تُصاغ أيضًا عبر روابط الأمومة والقيادة النسائية. كاتالهويك لم تكن مجرد مستوطنة زراعية، بل نموذجًا لحياة مجتمعية متكاملة تقف فيها النساء في قلب البيت والمجتمع.
