كيف بدأت أجهزة الألعاب المنزلية "الكونسول"؟
غزت أجهزة الألعاب المنزلية، أو كما يعرفها البعض بـ"أجهزة الكونسول"، بيوتًا لا حصر لها في شتى أنحاء العالم، والحقيقة أنها لم تظهر من فراغ أو نتيجةً لضربة حظ، وإنما جاءت نتيجة لشغفٍ وإبداع استمرا عبر السنين، وخلال السطور التالية سننطلق في رحلة عبر الزمن، نستكشف خلالها تاريخ هذه الأجهزة، وأبرز المحطات التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ هذه الصناعة.
Magnavox Odyssey: الجيل الأول من أجهزة الألعاب
هل تعرف أن فكرة اللعب على التلفزيون في المنزل بدأت من جهازٍ لا يُصدر صوتًا؟
نحن نتحدث عن جهاز Magnavox Odyssey، الذي ظهر في ستينيات القرن الماضي، على يد المهندس الألماني-الأمريكي "رالف باير"، حين ظل يناقش فكرة التلفاز التفاعلي، ويجرّب نماذج أولية، إلى أن خرج بهذا الجهاز العجيب، آنذاك.
وفي عام 1972، أصبح هذا الجهاز متاحًا للشراء في الولايات المتحدة، وبعد عامٍ واحد، قدّمته هيئة الإذاعة البريطانية BBC للعالم أجمع في برنامجٍ كان يُعرّف الناس بالتكنولوجيا المبتكرة.
من حيث المظهر، لم يكن جهاز Odyssey أكثر من مجرد صندوق مستطيل، معه وحدتان للتحكم وسلك للاتصال بشاشة التلفاز.
ومن حيث الرسوميات، فقد كانت -بالطبع- بدائية جدًّا، مقارنة بما وصلنا إليه اليوم، حيث كانت تقتصر على مربعات وخطوط بيضاء تتحرك فوق خلفية سوداء قاتمة.
وافتقر جهاز Magnavox Odyssey إلى أبسط المميزات، لدرجة أنه لم يُصدر صوتًا حتى، ولم يكن بإمكانه حفظ النقاط أو التقدم، ولهذا كانت النتائج تدوَّن يدويًا، ولكن على الرغم من كل ذلك، أُصيب الناس بدهشةٍ عارمة عند رؤيتهم لهذا الجهاز الذي كان يُمكنهم من التفاعل مع التلفزيون.
اقرأ أيضًا| أدت إلى ثورة معرفية.. محركات البحث كيف بدأت؟
Atari 2600: بزوغ عصر أشرطة الألعاب
لم يمض وقت طويل حتى شهدت الساحة ظهور جهاز Atari 2600 في عام 1977، وقد ساهم هذا الجهاز في تحويل تجربة الألعاب المنزلية إلى تجربةٍ أكثر تطورًا وتنوعًا، إذ أدخل فكرة استخدام الشرائح القابلة للتبديل "الخراطيش" لتخزين الألعاب.
تضمن الجهاز لعبتين من أشهر الأيقونات في تاريخ الصناعة، وهما "Pac Man" و"Combat"، وعلى الرغم من أن مبيعاته كانت متواضعة في البداية، فإنه وضع حجر الأساس للأجهزة القادمة.
جديرٌ بالذكر أنه قبل Atari 2600، كان هناك جهازي Atari Home Pong في عام 1975 وFairchild Channel F في 1976، لكنهما لم يحظيا بنفس شهرة الجهاز المذكور، ونادرًا ما يتم الحديث عنهما.
انتعاش الصناعة مع نينتندو
في عام 1983 حدثت أزمة كادت أن تُودي بصناعة الألعاب، ربما نتحدث عنها في تقرير منفصل، لكنها لحسن الحظ لم تدم طويلًا، حيث جاء جهاز Nintendo Entertainment System (NES) في منتصف الثمانينيات ليعيد الحياةً إلى السوق.
لم يكن الـNES مجرد جهاز ألعاب تقليدي، إذ على الرغم من قدومه بمعالج 8 بت، وقدرات رسومية محدودة، إلا أن قوته كانت تكمن في مكتبة ألعابه المذهلة، التي ضمت عناوين مثل Super Mario Bros وLegend of Zelda.
معارك السيادة بين نينتندو وسيجا
مع تزايد شعبية الألعاب الإلكترونية، دخلت شركات جديدة إلى الساحة؛ وبرز جهاز Sega Genesis جنبًا إلى جنب مع Super Nintendo Entertainment System (SNES)، ما أدى إلى نشوب منافسة شرسة بين الشركتين.
قدّم Sega Genesis معالج 16 بت بسرعات فائقة نسبيًا في ذلك الوقت، وقدم تجارب لعب متميزة مثل لعبة "Sonic the Hedgehog"، التي أصبحت فيما بعد أيقونة للعلامة التجارية.
أما SNES فقد ركز على تحسين الرسومات والصوت، مع دعمٍ لتقنيات جديدة مثل حفظ الألعاب على الشريحة نفسها، مما أتاح تجربة أكثر تفاعلية وعمقًا.
ولم يكن التنافس مقتصرًا على الأجهزة فحسب، بل امتد إلى الألعاب نفسها، التي ازدهرت مع كل إصدار جديد، حيث استمرت الإبداعات في تقديم قصص جذابة وتحديات مثيرة للاعبين من مختلف الأعمار.
اقرأ أيضًا: الشخصيات الشريرة في الألعاب.. أنماط تحمل كاريزما خاصة
الجيل الخامس: ثورة ثلاثية الأبعاد
مع بداية التسعينيات، دخلت صناعة الألعاب مرحلةً جديدة تمامًا، مع ظهور أجهزة على رأسها البلايستيشن 1 وNintendo 64، ولا يوجد لاعب "جيمز" حقيقي إلا ويعرف أهمية جهاز البلايستيشن في تشكيل ملامح صناعة الألعاب كما نعرفها اليوم.
الجهاز الذي طرحته "سوني" عام 1995 مثَّل قفزة نوعية في عالم الألعاب، بفضل معالجه المتطور، واعتماده على أقراص الـCD بدلًا من الأقراص التقليدية، مما سمح له بتخزين بيانات أكبر وبث صوت وصورة أفضل.
في المقابل، أطلقت "نينتندو" جهازها Nintendo 64 في سبتمبر من العام 1996، وامتلك هذا الجهاز معالجًا 64 بت بسرعة 93.75 ميجاهرتز، متمكنًا بذلك من تقديم ألعاب ثلاثية الأبعاد، مع ألعاب مبتكرة أبرزها كانت "Super Mario 64" التي غيّرت قواعد اللعب التقليدية، وبالرغم من استمرار الجهاز في الاعتماد على "خراطيش" أو أقراص الألعاب التقليدية، فإنه كان جهازًا عظيمًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
بلايستيشن 2 والجيل الثاني من الألعاب
مع دخول الألفية الجديدة، أصبحت أجهزة الكونسول أكثر قوة وتعقيدًا، حيث بدأ ظهور أجهزة مثل البلايستيشن 2 والإكس بوكس، اللذين أعادا تعريف معايير الألعاب المنزلية.
كان البلايستيشن 2، الذي صدر في عام 2000، الأكثر نجاحًا من حيث المبيعات، بفضل معالجه الذي مكنه من تقديم رسومات واقعية وفريدة من نوعها، إلى جانب دعمه للأقراص المدمجة والـ DVD.
أما الإكس بوكس، فأحدث ضجةً هو الآخر عندما ظهر في عام 2001، وإن كان تركيزه الأساسي مُنصبًا على الألعاب الأونلاين.
الألعاب الشائعة في ذلك الوقت -والتي لا زال بعضها يُلعب إلى اليوم- تتضمن: Metal Gear Solid 2، وMetal Gear Solid 3، وFinal Fantasy X، وGTA 3، وHalo 2، وSplinter Cell، وFable، وغيرها.
والجدير بالذكر أنه في نفس الوقت، أدخلت شركة "نينتندو" جهاز GameCube الذي رغم صغر حجمه وتصميمه المختلف، فإنه استطاع أن يجذب جمهورًا واسعًا بفضل مكتبته القيمة والمتنوعة من الألعاب، من قبيل Star Fox، وMario World، وSonic Adventure 2، وResident Evil 4، وThe Legend of Zelda، وغيرها.
بلايستيشن 3، إكس بوكس 360، ونينتندو وي
بدأت مرحلة جديدة مع ظهور أجهزة مثل Xbox 360 وPlayStation 3 وNintendo Wii، حيث أدخلت هذه الأنظمة مفاهيم جديدة في التفاعل والاتصال بين اللاعبين.
تميز جهاز إكس بوكس 360 بوجود معالج ثلاثي النواة، وسرعات عالية جعلت منه منصة متكاملة للألعاب عبر الإنترنت، مع توفير خدمات مثل Xbox Live، التي جمعت اللاعبين من مختلف أنحاء العالم في تجربة تفاعلية مشتركة.
وعلى الجانب الآخر، جاء البلايستيشن 3 بمعالج IBM Cell Broadband Engine، الذي أتاح تطوير ألعاب ذات رسومات عالية الجودة، وقصص غنية بالتفاصيل، كما أدخلت تقنيات مثل البلوراي لتوفير سعة تخزينية أكبر.
أما Nintendo Wii فقد أثبتت أن الإبداع لا يعتمد دائمًا على القوة التقنية العالية، إذ يمكن تحقيق تجربة لعب فريدة من خلال واجهة تحكم مبتكرة، تعتمد على الحركات والإيماءات، فقد نجحت Wii في جذب جمهورٍ واسع، ليس فقط من اللاعبين المحترفين، بل من أفراد العائلة بأكملها، ما ساهم في جعلها أيقونة ثقافية في عالم الألعاب.
أما أجهزة الجيل الجديد مثل البلايستيشن 5 وXbox Series X|S، فلن نتحدث عنها هنا، لأنها ببساطة من الجيل الجديد، والجميع يعاصرها الآن، ونفس الشيء بالنسبة لأجهزة الجيل السابق لها مثل البلايستيشن 4 وXbox One، التي ما زالت شائعة بين عدد جرار من اللاعبين.
وهنا نريدك فقط أن تتعرف على رحلة أجهزة الكونسول، التي لم تقتصر على تقديم متعة اللعب فقط، بل كان لها دورٌ رئيس في تشكيل ثقافة جيل كامل، فقد أثّرت الألعاب على أساليب التفاعل الاجتماعي، وساهمت في نشوء مجتمعات رقمية ضخمة، تجمع بين عشاق التكنولوجيا والفنون الإبداعية، فيما تُظهر التجارب الأولى التي بدأت مع جهاز Magnavox Odyssey كيف يمكن لفكرة بسيطة أن تتحول إلى صناعةٍ عملاقة تقدر بمئات المليارات من الدولارات.
