مستقبل واعد ومستدام.. كيف يسعى عالمنا العربي لتوطين السياحة البحرية؟

يتمتع العالم العربي بشواطئه الممتدة على طول البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج العربي، بإمكانيات كبيرة في مجال السياحة البحرية، فالمنطقة هذه التي تتميز بتنوع نظمها البيئة البحرية ومواقعها التاريخية وغناها الثقافي، تملك الكثير مما يمكنها تقديمه للسياح.
وخلال السنوات الماضية بدأت الدول العربية تدرك أهمية هذا القطاع، وعروض السياحة التقليدية القائمة على "الشمس والرمال والبحر" لم تعد تكفي، بل بات هناك ضرورة ملحة للاستثمار في المجالات المختلفة التي تعزز قطاع السياحة البحرية، وتضع الدول العربية على خارطة السياحة البحرية العالمية.
السياحة البحرية

السياحة البحرية مصطلح يستخدم للدلالة على مجموعة واسعة من الأنشطة الترفيهية، المرتبطة بالبيئات الساحلية والبحرية، وتشمل النشاطات المتنوعة التي تجذب الأفراد إلى المسطحات المائية، من سباحة وغطس وتجديف وصيد للأسماك وركوب الأمواج والرحلات السياحية البحرية والإبحار على متن اليخوت.
القطاع السياحي البحري من القطاعات الحيوية عالميًا، إذ يمثل ما لا يقل عن 50% من إجمالي السياحة العالمية وفق "منظمة ون اوشين One ocean Foundation"، أما في عالمنا العربي فلا يوجد أرقام خاصة بالسياحة البحرية، حيث تشتمل الأرقام المتوفرة على جميع مكونات القطاع السياحي.
هناك العديد من العوامل التي تؤثر على انتعاش هذا القطاع، وتلعب صحة النظم الإيكولوجية البحرية دورها الكبير في السياحة البحرية، والعالم العربي، كما العالم بأسره يواجه تحديات التغيير المناخي والتلوث، ولكنه أيضاً يواجه تحديات خاصة به.
الرحلات البحرية السياحية.. خطوات واعدة
الرحلات البحرية ما تزال تشكل جزءاً ضئيلاً من القطاع السياحي البحري بشكل عام، والإقبال عليها يختلف بشكل جذري بين دولة وأخرى، فبينما لا وجود لهذا الخيار في بعض الدول العربية، هناك دول عربية توليه اهتماماً كبيراً كالمملكة العربية السعودية.
الرحلات البحرية السياحية ما تزال في مراحلها الأولى، مقارنة بالمناطق الأخرى، ووفق دراسة "صناعة الرحلات البحرية العالمية: تقييم الأداء المالي، استحوذت منطقة الشرق الأوسط على 0.4% فقط من ركاب الرحلات البحرية العالمية.
وهناك عدة عوامل تساهم في تراجع هذا القطاع والإقبال عليه، في مقدمتها نقص البنية التحتية، إذ تفتقر العديد من الدول العربية إلى البنية اللازمة لدعم السفن السياحية الكبرى وركابها.
بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص عام في الوعي بين السياح بالفوائد العديدة للسياحة عبر الخطوط البحرية في المناطق القريبة من دولهم، بدلاً من السفر لمسافات طويلة إلى مناطق أخرى كالكاريبي.
ويضاف إلى ذلك عوامل أخرى اقتصادية واجتماعية، إذ قد لا تتناسب "الحياة على متن السفن"، ولو لفترة محدوة، مع عادات وتقاليد البعض.
ولكن ورغم التحديات، فإن تطوير القطاع هذا يسير على قدم وساق، خصوصاً في السعودية التي تستثمر بنشاط في السياحة البحرية كجزء من رؤية 2030.
"كروز السعودية" مثلاً تهدف إلى إنشاء بوابات بحرية، وتطوير موانٍ في "جازان" و"ينبع" و"جدة" لاستيعاب السفن السياحية الدولية.
ولعل النتائج ملموسة، ففي العام 2023 استقبلت "كروز السعودية" أكثر من 170،500 زائر من 120 جنسية، في 65 رحلة بحرية، بواسطة 16 سفينة، كما أنها تهدف إلى فتح 10 موانٍ لتحقيق هدفها المحدد لعام 2035، وهو استقبال 1،3 مليون زائر عبر السفن، وذلك وفق الرئيس التنفيذي للاستراتيجية لديها "غسان خان".
في المقابل تمثل "أرويا كروز"، التي تم إطلاقها عام 2023، والمملوكة لصندوق الاستثمارات، خط للرحلات البحرية الفاخرة، وتهدف إلى توفير تجارب مصممة خصيصاً للمواطنين والمقيمين في السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.
الإمارات بدورها ورغم مواجهتها لمنافسة شرسة من مواقع بحرية معروفة، تعد وجهة حيوية، إذ استضافت نحو 150 سفينة بحرية خلال موسم 2023 - 2024، وذلك وفق "وكالة أنباء الإمارات".
توطين القطاع السياحي
توطين القطاع السياحي يعد خطوة حيوية نحو تحقيق التنمية المستدامة، وتنويع مصادر الدخل القومي، ويهدف هذا التوجه إلى زيادة مشاركة المواطنين في مختلف جوانب هذا القطاع، بدءًا من الوظائف الادارية، وصولًا إلى العمليات التشغيلية والخدمات المقدمة للسياح، وبالإضافة إلى ذلك يسهم التوطين في تعزيز الهوية الثقافية والتراث البحري للمنطقة.
ومما لا شك فيه بأن السياحة البحرية في العالم العربي تشهد نمواً مضطردًا، حيث تستثمر الدول في البنية التحتية لجذب السياح الدوليين والمحليين على حد سواء، كما أن تدرك دولنا بأن هناك إمكانيات غير مستغلة، وآفاق نمو واعدة لهذا القطاع، ولهذا السبب نجد عدداً منها وعلى رأسها السعودية والامارات ومصر تضخ مبالغ ضخمة لتطويره.
وعلى الرغم من التحديات المناخية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية في المنطقة، فإن الأرقام تعد بما هو أفضل.
السعودية تعتمد استراتيجية وفق "رؤية 2030" لتنمية السياحة بشكل عام، والسياحة البحرية بشكل خاص، إذ تسعى المملكة لاستقطاب 150 مليون سائح بحلول عام 2030، وتستثمر في مشروعات عملاقة، على رأسها مشاريع البحر الأحمر الثلاثة، وهي: أمالا وجزر البحر الأحمر ونيوم، والتي تمكنها من استقطاب أعداد ضخمة من السياح في مجال السياحة البحرية.
وقد ضخت المملكة استثمارات كبيرة في المشروعات العملاقة، ووقعت عقودًا بالمليارات لتطوير وجهة البحر الأحمر على 22 جزيرة، والتي تشمل 16 فندقاً فخماً ومرافق ترفيهية ومراسي لليخوت ومطاراً، وقد توقعت "شركة البحر الأحمر الدولية" إنفاق 27 مليار دولار بحلول 2030 للمضي قدماً في خطط التطوير.
في المقابل، فإن "كروز السعودية" اتخذت طريقها لإنشاء بوابات بحرية، لربط العالم بالمملكة العربية السعودية، وتطوير الموانئ لاستقبال السفن السياحية الدولية، بالإضافة ألي "ارويا”.
الإمارات هي الأخرى تملك بنية تحتية بحرية ممتازة، بقوام 12 منفذاً بحرياً تجارياً، بالإضافة إلى حوالى 310 مراسٍ بحرية، وتضم مواني تجارية رئيسية مثل: مواني أبو ظبي ودبي، وتتوقع أن تحقق نمواَ بنسية 17.9% من السياحة البحرية حتى عام 2026 وفق موقع "ستاتيستا" العالمي.
البلاد التي تعد وجهة مفضلة للسفن السياحية العملاقة، تولى اهتماماً كبيرًا للسياحة البحرية، من خلال تطوير منتجعات وفنادق وتجارب فاخرة ومبتكرة.
ومصر بدورها تبرز كلاعب أساسي في هذا المجال، لكونها تملك بيئة ساحلية خلابة وموقعاً مميزاً، ولإنعاش القطاع قامت مصر بتبسيط الإجراءات السياحية، من خلال منصة رقمية مخصصة لليخوت الأجنبية، لتسهيل إجراءات اليخوت، كما أنشأت "منصة اليخوت المحلية"، لتسهيل الخدمات المخصصة لليخوت السياحية في المواني المختلفة.
بالإضافة إلى ذلك تبذل الدولة جهوداً لتوطين صناعة اليخوت، كما فرضت "الكود الموحد" لمواسم المواني، لرفع معايير التشغيل.
اقرأ أيضًا: السياحة بعيون جديدة.. اتجاهات السفر الصاعدة في 2025
تطوير السياحة البحرية في الدول العربية

تطوير قطاع السياحة البحرية يتطلب استراتيجيات شاملة، تشمل تحسين البنية التحتية، تبسيط الاجراءت، تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، وتوفير عنصر الجذب، الذي سيمكنها من منافسة الوجهات البحرية الأكثر شهرة، ومن هذه الاستراتيجيات:
- تحسين البنية التحتية:
الاستثمار في تطوير المواني والمراسي، كي تكون قادرة على استيعاب السفن السياحية الكبيرة واليخوت، بالإضافة إلى إنشاء مرافق حديثة وخدمات متكاملة للسياح، وتشجعهم على الانخراط في السياحة البحرية.
- تبسيط الإجراءات:
تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات بشكل عام، وللسياح البحريين بشكل خاص، حيث يحتاجون إلى تأشيرات متعددة الدخول، والتي يمكنها أن تكون مصدراً للإزعاج في حال تعقيد الإجراءات، وبالإضافة إلى ذلك، إنشاء منصات رقمية للحجز والدخول والخروج من البلاد أو من المواني.
- التسويق والترويج:
على الرغم من حملات الترويج التي تقوم بها بعض الدول العربية للسياحة في دولها، ولكن نصيب السياحة البحرية من تلك الحملات غالباً ما يكون متواضعاً، لذلك فإن الحملات الإعلانية الموجهة للسوق الدولي والمحلي من شأنها أن تزيد من نسبة الوعي وتزيد الإقبال.
- التعاون الإقليمي والدولي:
تعزيز التعاون بين الدول العربية لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في السياحة البحرية، بالإضافة إلى أن إقامة شراكات مع الرحلات البحرية العالمية، من شأنها أن تجذب مزيدًا من الزوار.
- تقديم تجارب فريدة:
الدول العربية تملك بيئات خلابة ومتنوعة، ومن ثم يمكنها تقديم تجارب فريدة لجذب السياح، وهذه التجارب تكون من خلال تطوير برامج سياحية تشمل أنشطة بحرية متنوعة، مثل الغوص والإبحار على متن اليخوت ورحلات الصيد وغيرها، كما يمكن تقديم تجارب سياحية بحرية ترتبط بالتراث، وتعكس الهوية المحلية من أجل تشجيع الإقبال المحلي.