دور الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني.. لماذا يجب على الشركات أن تهتم؟
أعاد الذكاء الاصطناعي تشكيل المشهد التقني بشكلٍ كبير، لقد ولّت أيام الاعتماد على الحدس والتدابير التفاعلية أو ردات الفعل، والآن أصبحت أدوات الأمن السيبراني مدعومة بالذكاء الاصطناعي، ما يبشر بعصرٍ جديد من الحماية الاستباقية والذكية، وحسب بيانات شركة "Blue tree"، من المتوقع أن ينمو سوق الأمن السيبراني العالمي المعتمد على الآلة من 454 مليار دولار في 2022، إلى أكثر من 2.5 تريليون دولار بحلول عام 2032.
وفي السطور التالية سنتعرف على الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي بالضبط في مجال الحماية السيبرانية؟ وكيف يعززها؟ كما سنتحدث عن مستقبل حماية البيانات في ظل وجود الـ AI، وأخيرًا عن الشراكة الاستراتيجية بين المجالين.
الذكاء الاصطناعي: السلاح الجديد ضد الهجمات السيبرانية
تتجذر أساسيات الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني منذ الأيام الأولى لعلوم الحاسوب، عندما ظهرت الحاجة إلى أنظمة آلية قادرة على اكتشاف التهديدات والاستجابة لها بشكلٍ فعال، وعندما وضع رواد علوم الحاسوب مثل "آلان تورينج" أسس النظريات الحسابية، التي ستدعم لاحقًا تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني.
وفي الثمانينيات، ظهرت الأنظمة المتخصصة، التي تحاكي عملية صنع القرار البشري في مجالات محددة، واعتمدت على قاعدة معرفية لاكتشاف التهديدات الأمنية والحركات المريبة عبر الشبكة وفي سلوك المستخدمين، إلا أن فاعليتها كانت محدودة، ومقتصرة على قواعد البيانات والتهديدات المُسبقة، ما أوجد الحاجة إلى حلولٍ أكثر تكيفًا.
مع ظهور البيانات الضخمة Big Data في بدايات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ "التعلم الآلي Machine Learning (ML)" يُغير من ممارسات الأمن السيبراني المستندة إلى قواعد البيانات، ومع مرور السنوات، وتحديدًا في عام 2010، أحدثت تقنيات "التعلم العميق Deep Learning (DL)" ثورة في هذا المجال، مما مكن تحليل مجموعات البيانات الضخمة، وتحديد الأنماط المعقدة المرتبطة بالتهديدات السيبرانية.
الذكاء الاصطناعي التوليدي GenAI في الحماية السيبرانية
بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي ظهر مؤخرًا، وهو ما نقصده بالسلاح الجديد ضد الهجمات السيبرانية، أصبح بإمكان الأفراد الذين لا يمتلكون خبرةً واسعة، التعامل مع الأدوات الأمنية بشكل فعال، وإنشاء دفاعات متطورة ليس ضد الهجمات السيبرانية المعروفة والمخزنة على قواعد البيانات فحسب، بل المحتملة أيضًا، مما وفّر تدابير استباقية للمؤسسات، كما أدى إلى دمج الذكاء الاصطناعي فيما يُعرف بمراكز العمليات الأمنية SOCs، وحسّن من الكفاءة من خلال أتمتة المهام الروتينية وتعزيز قدرات الكشف عن التهديدات.
كيف يعزز الذكاء الاصطناعي من قدرات الأمن السيبراني؟
يتلخص دور الذكاء الاصطناعي في تعزيز مجال حماية البيانات أو الأمن السيبراني في الخطوات الآتية:
1. رصد التهديد:
بفضل خوارزمياته المتطورة، وقدرتها على تحليل كميات هائلة من البيانات، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يرصد التهديدات المحتملة، التي قد تكون على هيئة تسجيل دخول مُريب إلى منصة ما، أو الوصول غير المنتظم والمريب أيضًا للملفات، وترصد الآلة هذه النشاطات في بدايتها بسهولة، مما يتيح التعرف على المبكر على الخروقات الأمنية.
2. التنبؤ:
يُعزز الذكاء الاصطناعي من القدرات التنبؤية في مجال الأمن السيبراني، من خلال تحليل سجل البيانات السابقة، والإشارة إلى التهديدات المستقبلية المحتملة، كما لو كان إنسانًا خبيرًا في هذا المجال، مما يسمح باتخاذ التدابير الوقائية.
اقرأ أيضًا: ما هو التصيد الاحتيالي وكيف تحمي نفسك منه؟
3. التكيف:
تُظهر أنظمة الذكاء الاصطناعي أساليب تكيفية باستمرار، وتعمل على تحسين استراتيجياتها للكشف عن التهديدات الجديدة والمتطورة، مما يضمن الحماية المستمرة ضد الهجمات السيبرانية المتطورة.
4. الأتمتة:
واحدة من أهم الطرق التي يعمل بها الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني، وغيره من المجالات، والتي من خلالها يستطيع توفير الوقت وتنفيذ الإجراءات المهمة تلقائيًا، مثل حظر عناوين الـIP الضارة، أو عزل الأجهزة المُخترقة بالفعل وفصل الإنترنت عنها، إلخ من التدابير المهمة، وهذه الخطوات السريعة والتلقائية تُقلل من العبء الواقع على المتخصصين وتوفر مجهوداتهم، مما يعطيهم الفرصة للتركيز على جوانب أكثر تعقيدًا، ووضع استراتيجيات بعيدة المدى.
5. الاستجابة في الوقت الفعلي:
ميزة أخرى في غاية الأهمية، إذ يقوم الذكاء الاصطناعي بإطلاق تنبيهات واتخاذ إجراءات فورية مثل حظر مصدر النشاط الضار، وبالتالي يخفف من تأثير الحوادث السيبرانية، مع تقليل الأضرار المحتملة.
التقنيات الذكية لحماية البيانات: دور الذكاء الاصطناعي
أما عن الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني، فيمكن أيضًا أن نلخصه في نقاط عدة:
1. تعزيز الكشف عن التهديدات وتحليلها:
بفضل خوارزميات الـAI القادرة على تحليل كميات كبيرة من البيانات، من مصادر مختلفة وفي الوقت الفعلي، بالإضافة إلى التعرف على الأنماط والنشاطات المريبة، وتحديد المخاطر المحتملة عن طريق التعلم المستمر، وأخيرًا وليس آخرًا، الاستجابة الآلية للنشاطات Automated Incident Response (AIR).
2. التقييم المُعزز للمخاطر الأمنية:
تتيح تقنيات الذكاء الاصطناعي إجراء تحليل عميق لأنظمة وتطبيقات وبيانات تكنولوجيا المعلومات، لتحديد المخاطر الأمنية ونقاط الضعف المحتملة، ومن خلال استخدام التحليلات المتقدمة، يساعد الـAI مسؤولي الأمن على تقييم تأثيرات التهديدات المحتملة، ما يسمح للشركات بتركيز جهودها على القضايا الأكثر أهمية.
3. تحليلات سلوك المستخدم User Behavior Analytics (UBA):
يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل سلوك المستخدم، بناءً على أنماط الاستخدام التي تنحرف عن السلوك العادي، ويساعد هذا في تحديد التهديدات الداخلية المحتملة أو الوصول غير المصرح به، كما تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بفحص عوامل مثل التوقيت والموقع وطرق الوصول، لتحديد السلوك غير المعتاد، وتساعد خدمات الـUBA الشركات على الكشف عن الحالات الشاذة في وصول الموظفين، وتقليل مخاطر اختراق البيانات والتهديدات الداخلية.
4. كشف البرمجيات الخبيثة والأساليب الاحتيالية:
من الأمثلة الواضحة على التهديدات التي يتعامل معها الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني، أما البرمجيات الخبيثة فيُعنى بها الفيروسات العادية، وفيروسات الفدية، و"أحصنة طروادة- Trojan Horses"، و"برامج التجسس- Spyware" وغيرها، علاوة على ذلك، تعمل خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل محتوى البريد الإلكتروني وسلوك المُرسل وبياناته الوصفية، لاكتشاف عمليات التصيد الاحتيالي Fishing وحظر صاحبها.
5 .إدارة الثغرات الأمنية وتحديد أولويات التصحيح:
يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد نقاط الضعف الأكثر خطورة، والتي تحتاج إلى اتخاذ إجراءات فورية وتقييم تأثيرها على أمان المؤسسة، كما يقوم بأتمتة عمليات التصحيح، كما أشرنا لتقليل الضرر بناءً على الأولوية.
أهمية استخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني
هناك الكثير من الشركات تعتمد على الذكاء الاصطناعي في ردع أنواع التهديدات المختلفة؛ شركة مثل Barracuda Networks تحارب التصيد الاحتيالي بالـAI، وأخرى مثل Darktrace تستعين بالذكاء الاصطناعي لرصد الحركات غير المألوفة على الشبكة وحظرها، ونفس الشيء يتكرر من شركات أخرى في سيناريوهات مختلفة حسب الاحتياج، ولكن ما الفائدة الحقيقية التي تعود من الآلة؟
1.تقليل الأخطاء البشرية:
بالإضافة إلى السرعة، فإن الذكاء الاصطناعي يُعتَمد عليه في التعامل مع التهديدات المختلفة وردعها بكفاءة عالية تفوق البشر، ما يؤدي إلى تقليل الأخطاء المرتبطة بالتحليل اليدوي للبيانات، ويسمح بإجراءات أمنية أكثر موثوقية.
اقرأ أيضًا: بين AthleteGPT والمخاوف الأمنية.. ما الدور الذي لعبه الذكاء الاصطناعي في أولمبياد باريس؟
2. القابلية للتوسع وتقليل التكاليف:
بفضل قدرته على التعامل مع كمية مهولة من البيانات يستحيل على البشر استيعابها، بل وأتمتة المهام المتكررة، تتجه الكثير من الشركات إلى الاعتماد عليه بشكلٍ كبير وتقليل العمالة البشرية، وبالتبعية التكاليف، لتقتصر مهامهم على المراقبة، أما المسؤوليات الأخرى فتستطيع الآلة إنجازها.
3. القدرة الكبيرة على التعلم والتكيف:
بعكس وسائل الأمان التقليدية التي تُصبح بالية وتحتاج إلى تحديثات مستمرة، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يتشرب المعلومات ويُطور من قدراته بسرعة كبيرة ومن تلقاء نفسه، ما يُمثل حافزًا أمام الشركات لتبنيه على نطاقٍ واسع.
وبالإضافة إلى هذه المميزات الجذابة، فإن الذكاء الاصطناعي يمتاز بقدرات تحليلية عالية، وأساليب مُعززة لرصد التهديدات، وغيرها الكثير من الأسباب الداعية لاستخدامه في مجال الأمن السيبراني، ومع ذلك، هناك بعض التحديات التي تقف عثرة أمامه والتي لا يمكننا تجاهلها أبدًا.
معوقات استخدام الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني
1. التحيز وجودة البيانات:
يتم تدريب الذكاء الاصطناعي على قواعد ضخمة من البيانات، ولهذا فمن الوارد أن تتضمن بيانات رديئة أو ليست ذات صلة بالأمن السيبراني، ومن الوارد أيضًا أن تحتوي هذه البيانات على انحيازات واضحة ضد نوع معين من الفيروسات أو البرمجيات الخبيثة، وهذا قد يتسبب بنتائج كارثية.
2. الشفافية:
عادة ما تعمل نماذج الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني كصناديق سوداء، أي أن طريقة التعامل مع التهديدات لا تكون واضحة أو مفهومة دائمًا، ويمكن أن يؤدي غياب التفسيرات الواضحة إلى التشكيك في فعالية الذكاء الاصطناعي، لا سيما إن استعصى الفهم على المختصين أنفسهم، فلا يمكن الوثوق بالآلة ما دامت طريقة عملها مجهولة.
3.استغلال نقاط الضعف:
على الرغم من قدرات الذكاء الاصطناعي التي لا يختلف عليها اثنان، فإن الآلة ليست مثالية، وتحتوي على ثغرات يمكن استغلالها في شن ما يُعرف بالهجمات العدائية Adversarial Attacks، حيث يستطيع المخترقون أن يغيروا بيانات الإدخال عمدًا لخداع أنظمة الذكاء الاصطناعي وتجاوز آليات دفاعها، ومن ثم اختراق الأنظمة.
4 .الخصوصية:
أحد أكثر التحديات المزعجة لكل من يعمل على تغذية نماذج الذكاء الاصطناعي بقواعد بيانات، والفكرة هنا أن غير المختصين لا يكونون على درايةٍ بنوع البيانات التي تدرب عليها النموذج، والتي قد لا تكون مناسبة لإدارة البيانات ولا تحمي خصوصية المستخدمين أنفسهم، وبالتالي تُعرضهم لمشكلات أمنية.
5. الصيانة وتصحيح الأخطاء:
تتطلب مهارات متخصصة، وفي الوقت الراهن، هناك نقص واضح في أعداد المتخصصين في مجال الأمن السيبراني، وهذا، بالإضافة إلى الحاجة لمحللين أمنيين لتفسير نتائج الذكاء الاصطناعي، ما يؤكد ضرورة وجود العامل البشري، وأن الآلة لن تستبدلهم بالكامل.
6. التكلفة:
قدرت إحدى الشركات التكلفة المبدئية لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني بمليون دولار، وأكدت زيادة التكلفة بشكلٍ كبير كلما زاد حجم الشركة ونشاطها.
مستقبل الأمن السيبراني مع تطور الذكاء الاصطناعي
يزداد نطاق تأثير الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني لِما ذكرناه من مميزات، وعلى الرغم من كل التحديات المطروحة، فإن التقديرات تُشير إلى أن الجرائم الإلكترونية العالمية ستتسبب بأضرار تصل إلى 10.5 تريليون دولار بحلول 2025، بعد أن كانت 8 تريليون دولار في العام الماضي، وهذا في ظل تطور الذكاء الاصطناعي وأساليب الحماية.
واليوم تتسلح الشركات بالذكاء الاصطناعي التوليدي أكثر من أي وقتٍ مضى؛ ووفقًا لاستطلاع حديث لكبار مسؤولي أمن المعلومات (CISOs)، فإن 35% منهم يقومون بالفعل باختبار الذكاء الاصطناعي في الأمن السيبراني، مع التركيز على مجالاتٍ بعينها مثل تحليل البرامج الضارة، وبعيدًا عن هذا الاستطلاع، فإن كل المؤشرات تؤكد على ضرورة وجود شراكة استراتيجية بين الذكاء الاصطناعي ومجال الأمن السيبراني وحماية البيانات.
الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني: شراكة استراتيجية
لم يعد استخدام الذكاء الاصطناعي رفاهية أو تقنية من المستقبل، وإنما حاضر متأصل بعمق في جهود الأمن السيبراني عبر مختلف القطاعات، ووفقًا لمجلة "فوربس"، خصّت 76% من الشركات أولويات ميزانياتها لتعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، وذلك كان في 2021، ومن المتوقع أن ينمو هذا المعدل السنوي المركب للذكاء الاصطناعي في سوق الأمن السيبراني بنسبة 27.8% بحلول عام 2030.
ويمكن للشركات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن السيبراني بأكثر من طريقة، مثل دمجه مع البُنى التحتية لضمان بروتوكولات دفاع أكثر قوة، واستخدامه كأداة دفاع استباقية بفضل قدراته على التحليلات التنبؤية، وتدريب الموظفين وتوعيتهم لأهمية العنصر والبشري وضرورة فهمه لآليات عمل الذكاء الاصطناعي في المشهد الأمني، إلخ من طرق التعاون.
والخلاصة أنه لا يمكن لأحد أن يُنكر الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في تعزيز أمن تكنولوجيا المعلومات، وحماية البيانات من أشكال البرمجيات الضارة المختلفة، والقرار النهائي لاستخدام الـAI في الأمن السيبراني يعود للمؤسسات، ولكن الأكيد أننا سنشهد استخدامه على نطاقٍ واسع في المستقبل، وجميع المؤشرات تدعم ذلك.
