السياحة في الأندلس.. 10 أماكن تجب زيارتها في إسبانيا الإسلامية
من شواطئ كوستا برافا إلى مدينة قادس القديمة، يمتدّ إقليم «أندلوسيا» الإسباني، الذي كان، قديمًا، دولة الأندلس التي فتحها العرب، وتثير شغف العرب حتى الآن لرؤية آثار أجدادهم الباقية هناك، خاصة أنها تقع على حدود البرتغال، ما يجعلها إحدى الوجهات السياحية الفريدة للباحثين عن المتعة والرفاهية في رحلة أوروبية عبر عدة دول.
تتميّز الأندلس بطقسها المشمس طوال العام، فنادرًا ما تهبط درجة حرارتها إلى ما دون العشرة، ما يجعلها وجهة سياحية مثالية للهروب من ويلات فصل الشتاء في أوروبا، فضلًا عن احتفالاتها وكرنفالاتها ورقصاتها وشواطئها التي تشجّع على الاستجمام والاسترخاء، ومأكولاتها المحلية الشهية التي تحمل طابعًا عربيًا ممتزجًا، إلى جانب مواقعها التاريخية التي تجمع بين الطابعين الإسلامي والعربي بالطابع الإسباني الإسباني في المعمار والفن وأسلوب الحياة.
تمثل الأندلس 17% من مساحة إسبانيا، مقسّمة بين مجموعة من أشهر المدن في التاريخ العربي والإسلامي كإشبيلية وقرطبة وغرناطة مدينة الغروب الحمراء ورواندا.
يُعتقد أن الأندلس أقدم منطقة لا تزال قائمة حتى الآن في أوروبا بطرازها المعماري المميز، الذي يعكس تاريخًا فنيًا يجمع عدة ثقافات وحضارات، فما هي الأماكن التي تجب زيارتها في الأندلس حتى تستعيد تراث وعبق الأجداد؟
1. قصر الحمراء
أشهر معالم أوروبا الإسلامية وأكثر جذبًا للسياح، بُني خلال القرن العاشر الميلادي في مدينة غرناطة، وهو واحد من مواقع اليونسكو للتراث العالمي، ومن أجمل القصور التي تركها العرب في الأندلس، حتى رفض الإسبان هدمه من شدّة جماله.
قصر الحمراء قلعة رابضة فوق جبال غرناطة، ويطلّ من الأعلى على المدينة بالكامل، وفي داخله مساحات خضراء شاسعة وحدائق ونوافير تاريخية ونظام مائي مدهش كان يُستغل قديمًا لتوفير المياه لسكان القصر طوال العام.
تتجلى العمارة الإسلامية الفريدة في جميع أبنية القصر، الذي كان يتسع لآلاف المقيمين، وتغطي حوائطه والأسقف والأعمدة زخارف رقيقة وآيات من القرآن الكريم وأدعية، وأشعار قديمة، وأبرزها كلمة «لا غالب إلا الله»، ورغم أنه كان مقر العائلة الحاكمة لإسبانيا قديمًا، احتمى به السكان في فترات الحروب، ليسعهم جنبًا إلى جنب مع الحكام.
حافظ قصر الحمراء على مدار قرون، على كونه تحفة معمارية غير مسبوقة إلى الحد الذي جعله على رأس قائمة «كنوز إسبانيا الاثني عشر» فتضاعف الاهتمام السياحي به من جانب العرب وغيرهم.
ومن أشهر ما يحتويه قصر الحمراء بهو السباع، الذي يضم نافورة الأسود المعنية بتحديد الساعة، وتُعد معجزة معمارية عجز العلماء عن كشف سرها وطريقة عملها حتى الآن، وبهو السفراء الضخم الذي يضم ما يعرف بـ«مجلس العرش»، وفناء الريحان الذي تتوسطه بركة مياه شهيرة وأشجار ريحان.
اقرأ أيضًا: الأماكن السياحية في إسبانيا .. خريطة بأفضل المناطق التي ننصح بزيارتها
2. قصر جنة العريف
على أطراف ربوة الشمس، التي تنبع منها أودية وأنهار، وتعتبر نقطة بداية مدينة غرناطة، يقع قصر جنة العريف، ويحتوي على مجموعة أثرية وكنوز قديمة شديدة الجمال والثراء والاختلاف عمّا يحتويه قصر الحمراء رغم قربهما الشديد، ويقدم تجربة رفاهية واستجمام غير مسبوقة، نظرًا لكونه قصر الراحة لدى سلاطين الأندلس السابقين، وبه قضوا أجمل أوقاتهم وأمتعها، وسُمي بـ«جنة العريف» لشعورهم بأنهم في الجنة الحقيقية حين يستلقون وسط حدائقه المورقة وتحت ظلال نخيله الوارف.
شُيّد «جنة العريف» في القرن الثالث عشر الميلادي، على أيدي مهندسين وفنانين ونحاتين عرب بذلوا جهودًا كبيرة كي يتم بناؤه بهذا التصميم الخرافي، حتى صار واحدًا من أشهر المعالم السياحية في إسبانيا، ليس فقط لتاريخه، وإنما لقدرته على أن يكونَ آسرًا لزواره الباحثين عن الاستجمام والفخامة في آن، ولا تكتمل الجولة التاريخية في الأندلس دون زيارته، ورغم مرور مئات السنين على بنائه، فلا يزال يحتفظ بألوانه الأصلية ورونقه وسحره الخلاب، الطاغي على الأربعة بساتين التي يحتويها، وتضفي على القصر إبداعًا يجعله مكانًا لا يُنسى.
3. برج الذهب
برج عسكري بُني في عهد الدولة الموحدية بمدينة إشبيلية عام 1221، وسُمي بـ«برج الذهب» لطلائه باللون الذهبي، وكان يستخدم في مراقبة نهر الوادي الكبير لاستكشاف الأعداء قبل الهجوم إذ يبلغ ارتفاعه 37 مترًا، ويتصل مباشرةً بقصر الخليفة الحاكم، وذلك حتى يتمّ إبلاغه مباشرةً حال اكتشاف أي حركة غريبة لجيش قادم للغزو.
في العصور الوسطى، تحول برج الذهب إلى سجن للأسرى، وبمرور الوقت، جرت عليه الكثير من التعديلات حتى أصبح على هيأته الحالية كمتحف للقطع البحرية والسفن الحربية والمعارك التي جرت أحداثها في البحر عبر التاريخ، ويضم أيضًا السفن التي شاركت في عمليات اكتشاف الأمريكتين، فضلًا عن الوثائق التاريخية والرسوم البيانية للبحرية، واللوحات والمطبوعات.
ولا يزال البرج يتمتع بشكله القديم من زخارف الخزف الأندلسي والأحجار القديمة، وفتحات التهوية والإضاءة البدائية، ونوافذ صغيرة لإلقاء السهام.
4. مئذنة الخيرالدة
واحدة من أهم معالم إشبيلية السياحية، وبُني قديمًا ليصبح مئذنة مسجد المدينة الكبير.
في ذلك الوقت كانت المئذنة أعلى برج في العالم لارتفاعه البالغ 97.5 متر، وتحوّل بمرور الوقت وقدوم حكام جدد إلى برج لأجراس كاتدرائية إشبيلية، التي أسّسها الإسبان. وحتى الآن، يتمتّع بآثار العديد من الحضارات المختلفة، بدءًا من الحضارة الأمازيغية ثم العربية حتى الإسبانية.
أدرجت مئذنة الخيرالدة على قوائم اليونسكو لمواقع التراث العالمية عام 1928، لتصبح واحدة من أبرز وأشهر المزارات السياحية في الأندلس.
اقرأ أيضًا: السياحة في ماربيا.. تجربة فريدة لعشاق السفر
5. برج كالاهورا
متحف وبرج تاريخي يقع في قرطبة، بُني في القرن الثاني عشر، وكان حصنًا ضد الحروب، ويحتوي على بوابة مقوّسة تصل برجين، يشكلّان مدخل البرج، ولأنه كان شاهدًا على حروب ومعارك، تحول إلى نصب تذكاري وطني منذ عام 1931، وحاز جائزة «يوروبا نوسترا» الثقافية.
يمنح برج كالاهورا زواره رحلة مدهشة عبر تاريخ الأندلس العريقة، وأمرائها، وملوكها.
وما يميّز متحف «كالاهورا» أنه يقدم خلفية كاملة عن العلوم والتقنيات الصناعية في دولة الأندلس القديمة، وكذلك الموسيقى التي عُزفت ما بين القرون العاشر والثالث عشر، وهندستها المعمارية الرائدة، ونمط الحكم.
6. حي البيازين
حي أندلسي شعبي قديم، لا يزال يحتفظ بطرازه المعماري وطابعه التاريخي، وكأنه منطقة منزوعة من إطارها الزمني من مئات السنين، ويعاد تقديمه في العصر الحالي، فضلًا عن المناظر الطبيعية الخلابة، ترجع إلى تاريخ بناءه قبل عام 800 قبل الميلاد، واكتُشف به العديد من الآثار على مر التاريخ، ومن شدة أهميته وجماله، بُنيت حوله جدران دفاعية لمنع اقتحامه من جانب الأعداء.
يقع حي البيازين في غرناطة، وبعده التاريخي الثري يجذب السياح إليه من جميع أنحاء العالم باختلاف خلفياتهم وبلدانهم الأصلية.
أغلب الكنائس، التي تقع بالحي، كانت في الأصل كنائس تم تشييدها خلال الحكم الإسلامي للأندلس، وتتمتّع الأبنية بنمط معماري موحّد، ويفضله السياح العرب لاحتوائه على مجموعة متنوعة من المطاعم والمقاهي العربية، التي تقع في الشوارع الضيقة والدهاليز.
ويشتهر الحي بعروض رقصة الفلامنكو الرائعة، وموسيقاها الحيوية، التي يعشقها السياح، ويتصل به حي ساكرومنتي الأندلسي القديم، الذي يصبح وجهة تالية للسياح بعد زيارة «البيازين».
7. حمام الأندلس
واحد من المواقع الأندلسية، التي لم تُدمّر خلال الحروب التي مرّت بغرناطة، ويقع أسفل قصر الحمراء، ويقدم تجربة متكاملة من الاسترخاء والاستجمام، ونفض العناء والحصول على الراحة اللازمة لإتمام الرحلة، وحوائط حمام الأندلس أقيمت على الطراز الأندلسي القديم بما تحويه من زخارف ولوحات ونحت بارز.
يمنح الحمام زواره الكثير من الراحة، والمشروبات الساخنة، قبل دخول غرف البخار والتدليك، وفق طقوس مستمرة به منذ ألف عام، حين بُني، إذ يعد واحدًا من أقدم المباني في غرناطة تحت الحكم العربي القديم، وكان السر وراء بنائه في ذلك الوقت، هو حرص المسلمين على الطهارة والوضوء.
ولا يزال الحمام محافظًا على هيئته العربية، ويضم ثلاث صالات رئيسة، وممرًا مسقوفًا، وقاعتين أخريين، الأولى تُحفظ بها الملابس، ثم الدخول إلى ثلاث غرف ترتفع درجة حرارتها تدريجيًا، من باردة إلى دافئة ثم ساخنة، ومنذ إنشائه، كل غرفة تتمتّع بمؤثرات صوتية تعكس درجة حرارتها.
تجربة الحمام الأندلسي إحدى التجارب السياحية اللافتة في زيارة إسبانيا.
8. قصر إشبيلية «ألكازار»
«ألكازار» كلمة إسبانية تعني بالعربية القصر، وقصر إشبيلية يعرف أيضًا باسم «قصر المورق» وذلك بسبب حدائقه المورقة، وكان في الأصل حصنًا للمسلمين، قبل أن يتحول إلى قصر يسكنه الخليفة الحاكم.
وقصر المورق هو أقدم قصر ملكي لا يزال مستخدمًا حتى الآن في أوروبا، وأدرجته منظمة اليونسكو ضمن قوائمها للتراث العالمي عام 1987 لكونه تحفة معمارية لا تتكرر.
تزيّن جدران قصر المورق منحوتات ورسومات وتصميمات بديعة على الطراز القوطي، تصوّر تاريخ إشبيلية، ويقدم بازار القصر مجموعة نادرة من التذكارات، التي يروق للسياح الحصول عليها.
ويُعرف عن القصر تصاميمه الرائعة، المأخوذة من الكثير من الحضارات والطرازات البديعة، وتزيّن بوابته لوحة الأسد، التي تشير إلى الطراز القوطي للقصر، وهو طراز معماري انتشر بأوروبا في العصور الوسطى، ويجذب الفنانين والمعماريين إلى زيارة القصر لدراسته.
يضم القصر عددًا من القاعات كقاعة القصر والحكم المبنية على طراز قصر الحمراء بغرناطة، وتُعد تقليدًا له، ويمكن لزائرها أن يستعيد الكثير من مشاهد الحكام والخلفاء في عهد الدولة الإسلامية بالأندلس، ومجالسهم، والطريقة التي كانوا يتداولون الأمور بها، لتصبح سياحة ثقافية وروحية هائلة، يخرج منها إلى حديقة الزهور الغنية بالطبيعة الخلابة، بدءًا من الأشجار المورقة مرورًا بالقنوات المائية، حتى الزهور التي لن تراها سوى في هذا القصر البديع.
اقرأ يضًا: السياحة في فيينا عاصمة الموسيقى والفن
9. مدينة الزهراء
السياحة في الأندلس تقتضي زيارة مدينة الزهراء التي تبعد عن قرطبة 7 كيلومترات فقط، وتعدّ أشهر المدن الملكية، بناها الخليفة المسلم عبد الرحمن الثالث المُلقّب بالناصر على طراز المدن الأموية في دمشق، خلال القرن العاشر الميلادي، وأطلق عليها اسم زوجته «الزهراء» كي يذكرها بموطنها الأصلي في الشام.
تمتّعت المدينة بالكثير من الفخامة، فدخل الذهب في مواد بناء بعض الأبنية، وإلى جانب الطراز العربي الذي يزيّن المباني والحدائق، زيّنت المدينة بأشجار الكرز واللوز التي تدور حولها، وكساها بأزهار بيضاء ناعمة، واستغرق بناء مدينة الزهراء نحو 40 عامًا، ويتضمّن موقعها الكثير من المعالم والأبنية المميزة كمقر إقامة رئيس وزراء الخليفة.
وأجمل القاعات التي ينصح بدخولها في مدينة الزهراء للاستمتاع بتجربة ثقافية وترفيهية وتاريخية متكاملة، هي قاعة الاستقبال الملكية المعروفة باسم «عبد الرحمن الثالث»، وتحتوي على منحوتات رائعة وبلاط ذهبي وجدران رخامية ملونة، كما تحتوي المدينة على قطع ولوحات وآثار تكشف تاريخها بالكامل، وأبرز ما مرّت به بدءًا من تأسيسها حتى سقوطها، فضلًا عن الحدائق الغنَّاء الشاسعة.
10. مسجد قرطبة
الطراز المعماري شديد الفخامة، الذي يتّسم باللمسة العربية الأصيلة، هو ما يميز مسجد قرطبة في الأندلس، الذي تحول بمرور الوقت إلى مسجد أثري وتاريخي ومزار سياحي يزوره الملايين سنويًا شديد الاتساع والفخامة، الذي بُنيت الكثير من المباني في أوروبا حتى تجاري فخامته، ولم ينجح أحدها. مسجد قرطبة، لوقت طويل، كان ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام بالمملكة العربية السعودية، وجامع السلطان أحمد في تركيا.
صُمّم مسجد قرطبة بهذه الهيئة المهيبة للغاية، كي يعكس قوة المسلمين، وشدة بَأسهم في ذلك الوقت، وحمل تصميمه عدة رموز ورسائل عن الوحدة والانسجام بين حكام الأندلس، ويتمتع المسجد بأعمدة رخامية، وعدة أقواس، وعدة كتابات تزيّن محرابه، من بينها آيات من سورتي السجدة والحشر، ويعدّ مزارًا أساسيًّا من بين مزارات السياحة الدينية في إسبانيا، إذ يشهد كل ركن على الأمجاد، ويروي قصة من قصص المسلمين في الأندلس، فضلًا عن الصور واللوحات التي تظهر حكام قرطبة وإحسانهم إلى الناس.