حتى المعتقدات الثابتة ليست بمنأى: هل يمكن لروبوتات الدردشة تغيير آرائنا؟
أظهرت دراسة علمية جديدة نُشرت في مجلة Science، أن التفاعل مع الروبوتات قادر على تغيير آراء المستخدمين بدرجة تفوق ما كان متوقعًا، حتى فيما يتعلق بالقناعات الشخصية، التي نظن عادة أنها ثابتة ولا تتأثر بسهولة.
وتسلّط النتائج الضوء على جانب مهم من العلاقة المتنامية بين البشر ونماذج الذكاء الاصطناعي، خاصة مع توسّع استخدامها في التعليم والإرشاد والصحافة والمحتوى اليومي.
لماذا يؤثر التفاعل مع الروبوتات في آرائنا؟
بحسب الدراسة التي أجراها باحثون من معهد أمن الذكاء الاصطناعي في لندن، ومعهد أكسفورد للإنترنت التابع لجامعة أكسفورد، فإن القدرة الإقناعية للنماذج لا ترتبط بحجم النموذج أو عدد معلماته، بل بعاملين رئيسين: التعديلات اللاحقة على التدريب، التي تُكسب النموذج مهارات إقناعية فعالة، وكثافة المعلومات داخل الإجابات، إذ يميل المستخدم إلى تبنّي الرأي الذي يبدو مدعومًا ببيانات ومعطيات وفيرة.

واستخدم الباحثون تقنية تدريب جديدة تُكافئ النماذج عندما تنتج ردودًا أكثر تأثيرًا، ما جعل الروبوتات، سواء كانت مفتوحة المصدر أو احترافية، أكثر قدرة على التأثير في قناعات المشاركين، بعد وقت قصير من التفاعل.
تفاصيل دراسة تفاعل البشر مع الروبوتات
شملت الدراسة نحو 77 ألف مشارك، تفاعلوا مع 19 نموذجًا مختلفًا، ورغم أن المشاركين لم يكونوا مطالبين إلا بتبادل رسالتين، فإن متوسط زمن التفاعل بلغ تسع دقائق، ما يدل على أن التفاعل مع الروبوتات أصبح جذابًا كوسيلة للنقاش والاستفسار، حتى في المسائل التي تتصل بالآراء والمعتقدات الشخصية.
اختبر الباحثون ثماني تقنيات معروفة للإقناع، مثل السرد القصصي أو إعادة صياغة الحجج، لكن الاستراتيجية الأكثر تأثيرًا كانت ببساطة: عرض أكبر قدر ممكن من المعلومات ذات الصلة.
وتشير النتائج إلى أن المستخدم يميل إلى الثقة في الردود التي تبدو غنية بالبيانات، حتى إذا كانت بعض تلك البيانات غير دقيقة.
وكشفت الدراسة عن مفارقة مهمة: فكلما زادت قدرة الروبوت على الإقناع، ارتفع احتمال إنتاجه معلومات غير دقيقة، وقد تتسبب هذه المعلومة الخاطئة في تشكيل رأي جديد لدى المستخدم، ما يجعل تأثير التفاعل مع الروبوتات أكثر قوة مما قد نتوقعه من محادثة قصيرة.
وتدعم نتائج الدراسة أبحاثًا أخرى تشير إلى أن الذكاء الاصطناعي قادر على دفع المستخدمين لتبنّي آراء جديدة، أو حتى تكوين ذكريات غير حقيقية عندما تُقدَّم المعلومات بطريقة واقعية ومتماسكة، وهذا ما يجعل تطوير أنظمة أكثر دقة وشفافية ضرورة ملحّة.
وترى الدراسة أن تأثير التفاعل مع الروبوتات على تشكيل الرأي يتطلب اهتمامًا متزايدًا لدى المطورين والجهات التنظيمية، خصوصًا مع اتساع دور الذكاء الاصطناعي في حياة المستخدم اليومية، وتختتم بأن ضمان استخدام هذا التأثير بشكل مسؤول سيصبح من أهم التحديات في السنوات المقبلة.
