من النفايات إلى السماء: علماء يطوّرون وقود طائرات من بقايا الطعام
في إنجاز علمي واعد نحو مستقبل أكثر استدامة، أعلن باحثون من جامعة إلينوي في أوربانا-شامبين (University of Illinois Urbana-Champaign) عن ابتكار طريقة لتحويل بقايا الطعام اليومية إلى وقود طائرات حيوي قادر على تشغيل الطائرات التجارية دون أي تعديل تقني.
نُشرت تفاصيل المشروع في مجلة Nature Communications، حيث قدّم المهندسون الزراعيون نموذجًا عمليًا يجمع بين الاقتصاد الدائري والابتكار الكيميائي، لتحويل فائض نفايات الطعام إلى وقود طيران مستدام (SAF)، يُسهم في تحقيق هدف الوصول إلى صفر انبعاثات كربونية في قطاع النقل الجوي خلال العقود المقبلة.
وقود طائرات من بقايا الطعام
قاد البحث الأستاذ يوان هوي تشانغ (Yuanhui Zhang)، الذي أوضح أن المشروع يقوم على مبدأ “استعادة الطاقة من النفايات”.
وقال تشانغ في بيان صحافي: «في الاقتصاد الخطي نُنتج شيئًا ونستخدمه ثم نتخلص منه. أما في هذا المشروع، فنُعيد استخدام النفايات لاستخراج الطاقة والمواد اللازمة لصنع منتج جديد، وهو ما يُكمل الحلقة المفقودة في الاقتصاد الدائري».
تقوم التقنية الجديدة على تجميع نفايات الطعام من مصانع تجهيز الأغذية، ثم معالجتها كيميائيًا عبر عملية تُعرف باسم التسييل الحراري المائي (Hydrothermal Liquefaction – HTL)، وهي طريقة تُحاكي كيف تنتج الأرض النفط الخام طبيعيًا من المواد العضوية، لكن في ساعات بدلًا من ملايين السنين.
تُشبه العملية “قدر ضغط فائق التطور”، إذ تُحوّل بقايا الطعام إلى زيت خام حيوي يُستخدم لاحقًا كقاعدة لتصنيع وقود الطائرات.
بعد إنتاج الزيت الحيوي، يخضع لمرحلتين من التنقية: إزالة الأملاح والرطوبة والرماد والشوائب، ثم تطبيق المعالجة الهيدروجينية التحفيزية (Catalytic Hydrotreatment) باستخدام محفزات من الكوبالت والموليبدينوم لإزالة النيتروجين والكبريت والأكسجين، والحصول على الهيدروكربونات النقية المشابهة لتركيب وقود الطائرات التقليدي.
ابتكار علمي من جامعة إلينوي
بحسب الفريق البحثي، اجتاز الوقود الناتج جميع اختبارات الجودة الصارمة التي تضعها الجمعية الأمريكية للاختبار والمواد (ASTM) وإدارة الطيران الفيدرالية (FAA)، ما يعني أنه قادر نظريًا على تشغيل طائرة ركاب دون أي تعديلات في المحركات أو البنية التحتية.
اقرأ أيضا: خطوة هندسية جريئة.. طائرات Ryanair تصعد بالمسافرين نحو المستقبل (فيديو)
ورغم أن التجربة لا تزال على نطاق محدود، فإن النتائج تمثل دليلًا قويًا على إمكانية تحويل نفايات الطعام إلى وقود طيران فعلي. ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في إنتاج كميات تجارية كافية لتزويد أسطول طائرات كامل، وهو ما يتطلب استثمارات صناعية كبيرة وشراكات دولية.
ويُقدّر أن قطاع النقل الجوي مسؤول عن نحو 7% من الانبعاثات الكربونية العالمية، بينما تخطو السيارات خطوات أسرع نحو الطاقة النظيفة بفضل البطاريات الكهربائية. لذلك، يرى الباحثون أن وقود الطيران المستدام هو الحل الواقعي الوحيد حاليًا لتقليل البصمة البيئية للطيران التجاري.
تقول سابرينا سامرز، الباحثة المشاركة في المشروع، إن وقودهم الجديد «يوفّر خيارًا واقعيًا ومستدامًا في الوقت ذاته». وتضيف: «نحن نحول نفايات الطعام من عبء بيئي إلى مصدر طاقة نظيف يمكن أن يُشغّل الرحلات الجوية في المستقبل».
وإذا أمكن توسيع نطاق التقنية، فقد يُصبح مشهد طائراتٍ تُحلّق في السماء بوقود مصنوع من مخلفات المطابخ والمطاعم حقيقة قريبة، حيث تتحول بقايا طعام الأمس إلى طاقةٍ لمستقبلٍ أنظف.
