برؤية 2030... السعودية ترسم ملامح مستقبل السياحة الفاخرة على سواحل البحر الأحمر
برنامجٌ متنامٍ من الفعاليات العالمية، ومدنٌ غنيّةٌ بالإرث الثقافي، وسواحل خلّابةٌ على البحر الأحمر؛ تلك هي المحاور الرئيسة التي ارتكزت عليها المملكة العربية السعودية منذ عام 2019 لتطويرِ قطاعِ السياحة.
ومنذ أن فتحت أبوابها رسميًا أمام الزوار الدوليين، شهدت المملكة تحوّلًا جذريًا في مشهدها السياحي، وأصبح البحر الأحمر اليوم في صميم استراتيجيتها الطموحة للسياحة الفاخرة على المدى الطويل.
البحر الأحمر: الوجهة الجديدة للسياحة الفاخرة
يمتد البحر الأحمر السعودي بأطرافه الساحرة لأكثر من 1,800 كيلومترًا من السواحل البكر، محتضنًا مئات الجزر التي لم تطأها يد التطوير بعد.
واليوم، تمضي المملكة بخطى واثقة لتحويل هذه المنطقة إلى واحدة من الوجهات العالمية الأبرز لليخوت والسفر الفاخر، مدعومة برؤية وطنية طموحة، ترتكز على مفهوم الاستدامة، وبمشاريع ضخمة لإنشاء مراسٍ ومنتجعات تعيد تعريف مفهوم الرفاهية على سواحل المملكة.
ويؤكد الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للسياحة، فهد حميد الدين، أن الحفاظ على البيئة كان الأساس الذي انطلقت منه عملية التطوير، مشيرًا إلى أن البحر الأحمر السعودي يُعد من الكنوز الطبيعية المعترف بها عالميًا، بفضل شعابه المرجانية الفريدة.
من هذا الوعي وُلدت الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر، التي أطلقها ولي العهد لضمان حماية هذا النظام البيئي للأجيال القادمة.
ومع ترسيخ هذا الإطار البيئي المتكامل، بدأت ملامح التحول تتجلى ميدانيًا؛ مراسٍ جاهزة، وجهات تستقبل أولى زوارها، ومنتجعات تُفتتح بوتيرة متسارعة، لتضع المملكة على خريطة السياحة الفاخرة العالمية.
الخطط تسير بوتيرة متسارعة نحو تحقيق هدفٍ طموح يتمثل في إنشاء ثمانين منتجعًا بحلول عام 2030، في إنجاز يتجاوز ما حققته أشهر السواحل العالمية خلال عقود، ومع ذلك، لا تُقاس قيمة هذا التحول بعدد المشاريع، بل بما تقدّمه من تجربة استثنائية تتناغم فيها الرفاهية مع نقاء البيئة.
في خلفية هذا المشهد، ينبض عمق المنطقة الثقافي والتاريخي بحضوره، فمدن مثل ينبع والعُلا تروي حكاياتها القديمة في إطارٍ جديد يجمع الفخامة والإرث والطبيعة، لتقدّم تجربة متكاملة تجعل من البحر الأحمر السعودي وجهة لا تشبه سواها.
مستقبل اليخوت يبدأ من البحر الأحمر
على امتداد مياهه الفيروزية، يستعد البحر الأحمر السعودي لافتتاح فصل جديد في عالم اليخوت الفاخرة، فصلٌ تُرسم فيه ملامح وجهة بحرّية تستقطب النخبة من عشاق الاستكشاف والرفاهية.
فبفضل البنية التحتية المتكاملة التي يجري تطويرها، ومجموعة المراسي الحديثة الممتدة على طول الساحل، تمضي المملكة في بناء منظومة تجعل من البحر الأحمر محطة رئيسة على خريطة الإبحار العالمية، حيث يمكن لليخوت التنقل بين مسارات متعددة، تمتد عبر جزر وسواحل لم تُكتشف بعد.
هذا التحول لا يُعيد تعريف الموسم البحري فحسب، بل يُعيد رسم خريطته، ففي الوقت الذي يخفت فيه وهج الصيف في وجهات مثل البحر الأبيض المتوسط، يبدأ في البحر الأحمر موسم جديد يزدهر خلال الشتاء، ليمنح العالم تجربة بحرية لا تعرف الانقطاع.
وقد عبّر فهد حميد الدين عن هذا التوجه بقوله: "نعتقد أن العالم بات مهيّأ للانتقال من المتوسط إلى الأحمر".
ومع التحديات البيئية التي تواجه وجهات تقليدية مثل الكاريبي، يبرز البحر الأحمر بوصفه بديل عصري ومستدام، يجمع بين الدفء الطبيعي والسهولة اللوجستية والتنوع الجغرافي الفريد.
وعلى الرغم من ذلك، لا تنظر المملكة إلى هذا التحول بوصفه منافسة، بل تكاملًا عالميًا يعيد التوازن إلى سوق اليخوت، ومن خلال التعاون مع خبراء القطاع الدوليين، تعمل السعودية على صياغة منظومة تنظيمية موحدة للدول المطلة على البحر الأحمر، تُبسط الإجراءات وتُعزز القيمة.
ومع بروز جيل جديد من ملاك اليخوت السعوديين وسكان الساحل الذين بدأوا يكتشفون عالَم البحر عن قرب، تتشكل ملامح صناعة وطنية متنامية، قوامها الشغف والابتكار والاستدامة.
رؤية 2030: خطوات ثابتة نحو الريادة
منذ انطلاق الاستراتيجية السياحية عام 2019، حققت المملكة قفزة لافتة جعلتها الأسرع نموًا في قطاع السياحة عالميًا، مع ارتفاع عدد الزوار من 62 مليونًا إلى 116 مليونًا بنهاية عام 2024.
هذه الأرقام لا تُعد مجرد مؤشرات، بل تجسيدًا لرؤية 2030، التي تنبض بالحركة والتجدد المستمر، فيما يؤكد فهد حميد الدين أن رؤية المملكة لا تُختزل في موعد نهائي واحد، بل تقوم على مبدأ التقدم المتواصل عامًا بعد عام، قائلًا: "لدينا هدف نهائي كل عام نسعى لتحقيقه بثبات"، وهذا النهج المتدرج جعل من خطوات التطوير مسارًا مستدامًا يوازن بين الطموح والواقعية.
ورغم أن مشاريع البحر الأحمر استغرقت وقتًا أطول من المتوقع، فإن هذا التأخير لم يكن إلا انعكاسًا لالتزام المملكة العميق بحماية بيئتها البحرية الفريدة، واليوم، تدخل المنطقة مرحلة توسّع غير مسبوقة؛ فبعد افتتاح خمسة منتجعات العام الماضي، تستعد المملكة لإطلاق 11 منتجعًا جديدًا هذا العام، في خطوة تعكس تسارع وتيرة النمو، وتُجسّد طموحها في بناء وجهة سياحية فاخرة ومستدامة.
ويختتم حميد الدين حديثه مؤكدًا أن البحر الأحمر لا يُعد مجرد إضافة جديدة إلى خارطة السياحة العالمية، بل يمثل فصلًا جديدًا في قصة التميز السعودي، فصلًا يجمع بين الفخامة والابتكار والاستدامة، على شواطئ تُعد من أنقى وأجمل السواحل البحرية على مستوى العالم.
