همس الخريف.. بين مدن أثرية وجبال وشواطئ حالمة
قد يسبب فصل الخريف الانقباض للبعض، إذ تسود الألوان الداكنة لتملأ التفاصيل، بينما يتراجع ما دونها ليختفي من المشهد شيئًا فشيئًا، إلا أن هناك من يرون الصورة من منظورٍ مختلف، إذ ترسل الأشجار أوراقها المتساقطة بـ"قبلة" منها لتحية الأرض، في مشهد رومانسي تُدثر فيه الأشجار تربتها بأوراقها، قبل أن يأتي الشتاء وموسم البرد.
إنه التفسير الرومانسي الذي يجب أن تستشعره بينما تستقبل فصل الخريف، وتستعد له بأخذ عطلة مستحقة بعد أن هدأت حشود الصيف الصاخبة، وعاد الجميع إلى ما يشغلهم، تاركين الطبيعة لك وحدك، لتستمتع بها كيفما تشاء، وتزيل عنك ما قد يصيبك به تغير الفصول من تقلبات، فهل أنت مستعد للانطلاق إلى وجهات تحمل من سحر الخريف ورمانسيته مشاويره العذبة.
إن كنت كذلك، نرشح لك هذه الوجهات لتستمتع بالطبيعة الساحرة، والثقافة الغنية، والأجواء المثالية للابتعاد عن خمول الخريف، والانغماس في حياة نابضة بالدفء والجمال.
إسبانيا: سحر الجبال والشواطئ
تقع إسبانيا بشواطئها الخلابة في جنوب غرب أوروبا، حيث تحتل معظم شبه الجزيرة الأيبيرية، ورغم ذلك لا تشتهر هذه الدولة الساحرة بشواطئها الرومانسية فحسب، بل أيضًا بجبالها الثلجية وصحاريها المبدعة، بينما تحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث عدد مواقع التراث العالمي لليونسكو التي تحتضنها.
وتتمتع إسبانيا بتاريخ عريق ومعقد، فقد تأثرت بحضارات متنوعة، وهو ما شكل مزيجًا تاريخيًا فريدًا انعكس في هندستها المعمارية وفنونها وتقاليدها، وربما لذلك تشتهر بمساهماتها في الفن والثقافة، فهي موطن لبعض أشهر فناني العالم، بينما تضم مجموعة رائعة من الفن الأوروبي والعالمي، كما تشتهر بمهرجاناتها العديدة، فيما تُعد ملاذًا لعشاق الرياضة، وبشكل خاص كرة القدم، بالإضافة إلى ما توفره من تجارب مثيرة للمشي لمسافات طويلة والتزلج والسباحة والرياضات المائية، حيث المناخ الدافئ والمياه الصافية.
وفي شهر أكتوبر تبرز عدة وجهات إسبانية ساحرة، لعل في المقدمة منها مينوركا، فعند زيارتها في هذا الشهر ستقع سريعًا في حب حرارة جزر البليار الهادئة، حيث يغمر الضوء الذهبي الشوارع التاريخية، بينما تهدأ الحركة والصخب، وتستبدل محمية المحيط الحيوي التابعة لليونسكو بحشود الصيف سماء ناعمة وبحارًا دافئة وشواطئ شبه خالية، مع وتيرة حياة أكثر هدوءًا، ومن ثم يمكنك الاستمتاع بكل التفاصيل، مرورًا بغابات الصنوبر والأبراج والآثار القديمة والخلجان الهادئة، ومنتجعات العافية.
وإذا اكتفيت من هدوء مينوركا في مثل هذا التوقيت من العام، يمكنك قلب بوصلتك وتوجيهها إلى إشبيلية، إحدى أكثر المدن الإسبانية زيارةً خلال شهر أكتوبر، حيث تُقدم باقة من الفعاليات الثقافية المتنوعة، المغلفة بعبير أزهار البرتقال وعروض الفلامنكو، بين روائع المدينة المعمارية، الغارقة في سحر الأندلس والأجواء الرومانسية الخريفية الخلابة.
تركيا: التاريخ والطبيعة الخلابة
تلتقي في تركيا قارتا أوروبا وآسيا، لتُجسد مزيجًا ساحرًا وفريدًا من التاريخ والثقافة والطبيعة الخلابة، وبينما تعد إسطنبول، الممتدة على قارتين، القلب النابض لهذا البلد، تتباهى باقي مدنها الصاخبة بما تملكه من آثار وطبيعة وتكوينات صخرية مذهلة، ما يجعل من كل جزء فيها يبدو كلوحة فنية غنية بالتفاصيل.
يتميز هذا البلد بتنوع طبيعي أخّاذ، فمن مياهه الفيروزية وشواطئه الخلابة على طول سواحل البحر الأبيض المتوسط وبحر إيجه، إلى جمال جبال طوروس وتكويناتها الجيولوجية الفريدة في مدرجات باموكالي الحجرية، توفر تركيا بيئة متنوعة مع مجموعة واسعة من المغامرات، من ركوب مناطيد الهواء الساخنة فوق كابادوكيا، إلى المشي لمسافات طويلة على طول طريق ليسيان، أو ممارسة الرياضات المائية على طول الساحل، لتلبي احتياجات الباحثين عن الإثارة وعشاق الطبيعة على حد سواء.
اقرأ أيضا: السياحة العالمية تتراجع في أمريكا وتنتعش في السعودية
ويتجلى التنوع الثقافي لتركيا بوضوح في تقاليدها ومأكولاتها وفنونها المتنوعة، فيما تعد زوارها بتجربة ثرية لا تُنسى مليئة بالاكتشاف، حيث المواقع الأثرية والمتاحف المتنوعة، بينما يزداد سحر الزيارة خلال شهور الخريف الممتدة بين سبتمبر مرورًا بأكتوبر ثم نوفمبر، حيث الطقس المعتدل والطبيعة الآسرة.
بينما يتألق بحر إيجه في أكتوبر، حيث تزداد درجات الحرارة لطفًا بما يكفي لقضاء أيام في نوادي الشواطئ الأنيقة، حيث تبرز علامات الضيافة الراقية بين التلال الخضراء وصولًا إلى البحر اللازوردي، وهنا يتنازع الزائر نهمًا لا يشبع من الاستكشاف، حيث تبرز القلاع والآثار التاريخية، بينما تمتد النشاطات لتغطي مختلف الاهتمامات، التي لا تتوقف على اليابسة أو في البحيرات والبحر والسماء، في فتحية وأولودينيز وكاش.
فيتنام: جنة استوائية
تُعدّ فيتنام واحدة من أجمل دول جنوب شرق آسيا، إذ تجمع بين جمال الطبيعة وتاريخها العريق وثقافتها النابضة بالحياة، ما يجعلها وجهة مثالية للسياح. وبفضل تنوع الطبيعة فيها، من سواحل خلابة وجبال شامخة تزينها مدن حية، تُقدّم فيتنام تجربة لا مثيل لها.
والحقيقة أن هذا البلد الساحر يعد أرضًا للتناقضات، فهو موطن لبعض أجمل الوجهات الشاطئية في العالم، مثل دا نانغ، ونها ترانج، وجزيرة فو كوك، حيث تُشكّل المياه الصافية والرمال البيضاء جنةً استوائية. ومن ناحية أخرى تمثل مدن مثل هو تشي منه وهانوي، مراكز حيوية بأسواقها الصاخبة، وحياة شوارعها النابضة.
وتتميّز فيتنام بمناظر طبيعية لا تُضاهى، من مصاطب الأرز الخضراء الوارفة في سابا إلى صخور الحجر الجيري المذهلة في خليج ها لونغ، كما تُوفّر فرصًا وافرة لعشاق الاستكشاف والإبحار والرياضات المائية.
اقرأ أيضا: بعضها احتضن أشهر الأعمال الفنية.. وجهات سياحية لعشاق السينما
فيما تحتضن البلاد العديد من مواقع التراث العالمي لليونسكو، مثل مجمع آثار هوي، ومدينة هوي آن القديمة، ومعبد ماي سون، وقلعة سلالة هو، كشواهد على تاريخ طويل تأثرت خلاله بالكثير من الأحداث التي اندمجت بسحر في نهضتها الحديثة، ما جعلها جاذبة لعشاق للسياحة، وهنا تبرز وجهات عدة مثل: خليج هالونج، هوي آن، هانوي، فو كوك، وغيرها الكثير.
وعلى الرغم من أن البعض يعتقد أن الفترة الأنسب لزيارة فيتنام تنحصر بين مارس إلى مايو، إلا أن الواقع يؤكد أن زيارتها لا يجب أن تُفوّت في الفترة من أكتوبر إلى أبريل، إذ يعد أكتوبر بداية موسم الجفاف في مناطق الشمال (هانوي، خليج هالونغ، سابا)، حيث تكثر المناظر الطبيعية الخلابة ومشاهد المدينة الصاخبة.
مصر: المدن الاثرية وملاذات شاطئية ساحرة
تتوسط مصر العالم، إذ تربط بين قارتي إفريقيا وآسيا، وتشرف على ملتقى الطرق الأهم بين القارات، فيما تجذب المسافرين بمزيجها الفريد من الآثار والعجائب والثقافات، فهي موطن لبعض أشهر المعالم الأثرية على كوكبنا، بما في ذلك أهرامات الجيزة وأبو الهول والمعابد الخالدة في مدنها ذائعة الصيت، التي يمتد تاريخها إلى أكثر من 5000 عام في عمق التاريخ.
بينما يروي كل ركن من أركان هذه الأرض قصة ماضيها العريق، الممتد بمحاذاة نهرها الخالد المتعرج عبر قلبها من الجنوب إلى الشمال، وكأنه ينفث من حضارتها ليوزع سحرها على العالم، فيجذب الجميع لاستكشاف حضارتها، وتلمس سحرها.
فهنا تنصهر الطبيعة والثقافة والحضارة، لتشكل تجربة فريدة، حيث تجذب الطبيعة البكر عشاقها، للاستمتاع بالمياه اللازوردية والشعاب المرجانية والأجواء المختلفة، مثلما يجذب التاريخ والثقافة مريديهما، بينما تجذب المغامرة والمتعة الباحثين عنها.
والحقيقة أن مصر تتباهى بتوافر عدد كبير من الوجهات التي تتنافس فيما بينها لجذب الزوار، بين مدن أثرية سياحية وأخرى ساحلية ترفيهية، بينما تبرز أرقى علامات الضيافة بين منتجعاتها الشهيرة كالغردقة وشرم الشيخ، لتقدم ملاذات مثالية لعشاق الشواطئ وهواة الرياضات المائية.
وحسب خبراء السياحة فإن أفضل وقت لزيارة مصر عادةً يمتد من أكتوبر إلى أبريل، حيث تراوح درجات الحرارة بين 18- 26 درجة مئوية، فيما تتوافر ساعات نهار يومية بمتوسط 10 إلى 12 ساعة، تعد وقتًا كافيًا لمشاهدة المعالم السياحية وممارسة الأنشطة الخارجية. وقد تكون منطقة الدلتا والقاهرة أكثر برودة قليلًا خلال هذه الفترة، بينما لا يزال جنوب مصر دافئًا. وبشكل عام تعد الأشهر من مارس إلى مايو وسبتمبر وأكتوبر الأقل حشودًا، ما يضمن الاستمتاع بالأجواء المعتدلة والابتعاد عن الصخب، بينما تغوص في أجواء الثقافة المصرية بكل تفاصيلها وسحرها الخالد.
