كيف تحولت مافوشي من قرية صيادين إلى وجهة سياحية عالمية بـ80 دولارًا لليلة؟








على بُعد 26 كيلومترًا فقط من العاصمة المالديفية ماليه، ترسو جزيرة صغيرة تُدعى مافوشي، لا يتجاوز ارتفاعها 1.5 متر فوق سطح البحر، ويقطنها قرابة 2,000 شخص فقط. لكن هذا الرقم البسيط يخفي وراءه إنجازًا سياحيًا ضخمًا، إذ تستقبل الجزيرة أكثر من 135,000 سائح سنويًا دون أن تحتوي على أي منتجع فاخر.
هنا، حيث الحياة اليومية تنبض وسط طرقات رملية وأكواخ خشبية، ترسخت تجربة سياحة مجتمعية نادرة في المالديف، بفضل جهود محلية بدأت منذ عام 2010، حين افتُتح أول نُزُل سياحي يديره سكان الجزيرة بأنفسهم، ليكسروا بذلك النمط السائد للسياحة الحصرية في الجزر الخاصة.
في الوقت الذي كانت فيه المالديف تعتمد على المنتجعات الباهظة المعزولة، آمن سكان مافوشي بفرصة مختلفة.
تعاون الصيادون وموظفو الحكومة لتحويل منازلهم إلى بيوت ضيافة صغيرة، واستثمروا مدخراتهم لبناء تجربة سياحية مستدامة، حيث يبلغ عدد الغرف المتاحة اليوم أكثر من 600 غرفة في أكثر من 50 نُزلًا.
تقول إحدى العائلات التي حولت منزلها إلى نُزُل سياحي: "كان من المستحيل أن نسافر أو نعلّم أبناءنا في الخارج، لكن السياحة غيّرت كل شيء".
60 دولارًا لليلة.. سياحة ميسّرة في "جنة الأرض"

الفارق بين مافوشي والجزر السياحية الفاخرة لا يقتصر على الشكل، بل يمتد إلى الأسعار. ففي حين تبدأ أسعار المنتجعات الخاصة من 1,000 دولار لليلة، يمكن للزائر في مافوشي أن يحصل على غرفة مريحة ونظيفة مقابل 60 إلى 100 دولار فقط، ما جعل من الجزيرة وجهة لمن يبحثون عن جمال المالديف بأسعار منطقية.
الزائر هنا يختلط بالسكان، يتناول وجبات محلية في مطاعم "هوتا"، ويشارك في الحياة اليومية من دون انفصال عن الواقع. حتى البنك المحلي ركّب مؤخرًا أول صراف آلي يصرف بالدولار، لتلبية حاجة الزوار.
سياحة دون تدمير.. نموذج بيئي جديد
تولي مافوشي اهتمامًا ملحوظًا بالاستدامة البيئية. معظم النُزُل تستخدم سخانات مياه تعمل بالطاقة الشمسية، وتُمنع الأكياس البلاستيكية أحادية الاستخدام. كما فُرضت قيود جديدة على البناء للحد من الإفراط في استغلال الموارد الطبيعية.
وتُشير المبادرات الجديدة، مثل شراكة تدريب مع نادي ليفربول الإنجليزي، إلى انفتاح الجزيرة على مشاريع تطوير مجتمعية بأسلوب ذكي يخاطب الزوار من مختلف الثقافات.
رغم التحوّل السياحي، لم تفقد الجزيرة هويتها كقرية صيادين. ففي الخامسة صباحًا، تعود مراكب الدوني الخشبية من رحلات الصيد، لتزوّد السوق المحلي والمطاعم السياحية بالأسماك الطازجة. حتى وجبة الإفطار المالديفية الشهيرة "ماس هوني" تُحضّر يوميًا بنفس الطريقة التقليدية.
الوصول إلى جزيرة مافوشي

تتوافر خدمة عبّارات يومية من ماليه إلى مافوشي مقابل 2 دولار، وسرعة القوارب الخاصة (speedboats) التي تنطلق كل ساعة مقابل 25 دولارًا للرحلة الواحدة.
بينما تغادر القارب عائدًا، قد تشاهد أطفال الصيادين يلعبون الكرة على الشاطئ بجوار السياح المستلقين تحت الشمس. هذه الجزيرة الصغيرة نجحت في بناء نموذج مختلف تمامًا لما تعنيه السياحة في المالديف: اقتصاد محلي قوي، تجربة ثقافية حقيقية، وفخامة متواضعة بتكلفة معقولة.