بالصور: قصر "الأمير محمد علي " عبق المكان وسحر الزمان








































القاهرة : نادية عبد الحليم
تصوير : بسام الزغبي
سمه ما شئت ! قصر "الأمير محمد علي" أو" القصر الأسطوري"وربما "قصر الأميرة أليس والوصيفات ".. أسماء كثيرة تليق بهذا القصر القابع في جزيرة روضة المنيل بقلب القاهرة والذي لا يمكن أن يفوتك زيارته بعد تجديده.فالقصر يحمل الكثير من الحكايات والمفاجآت التي تشغي بأجواء من الرفاهية والفخامة نجحت في وضعه على قائمة أهم المزارات السياحية في مصر. إنه بالفعل عنوان عريض لعبق المكان وسحر الزمان.
عبقرية المكان :
سيرحب بك "المنيل" , ذلك الحي العريق ببيوته القديمة وبأجوائه الودودة وموقعه الجغرافي الفريد , وذكريات قاطنيه من الأثرياء والنبلاء " أولاد الأكابر " كما يطلق عليهم المصريون , فعندما تقصده متوجها إلى قصر "الأمير محمد على "سيستقبلك التاريخ المتغلغل في زواياه العتيقة ، راسما شوارع عبقة بسحر الماضي الممتزج برونق الحداثة حتى يطمئن إلى وصولك إلى القصر الذي يزهو بجماله ومنظره الخلاب على شاطئ النيل في قلب القاهرة.
عندما تصل إلى قصر "محمد على" ومنذ اللحظة التي تقع عيناك فيها على المدخل تستوقفك معالم العراقة و روعة الأناقة ، فتشعر أنك بحق تدخل القصر الذي اختار له الأمير "محمد علي"- نجل الخديوي توفيق ,حاكم مصر في ثمانينيات القرن التاسع عشر, وشقيق الخديوي عباس حلمي الثاني , والوصي على عرش مصر - أرضه التي بني عليها عام 1901 .
وبعد مرور أكثر من قرن تحول اليوم القصر إلى عنوان للمزارات السياحية المصرية التي لا تزال تحمل في طياتها رقي القصور في أجواء أسطورية مفعمة بالرفاهية والجمال! وكيف لا يكون كذلك وهو قصر العاشق لكل ما هو نفيس وثمين وجميل متأثرا بما ناله من ثقافات عربية وأجنبية رفيعة المستوى وبولعه بالفنون بكافة صورها خاصة الإسلامية منها.
و لذلك لا تندهش عندما تعلم أنه قام بنفسه بوضع التصميمات الهندسية والزخرفية، وأشرف علي كل خطوات التنفيذ لقصره الفريد الذي أنشأه إحياء للعمارة الإسلامية في نمط جديد لم تكن مصر تعرفه من قبل، وساعدت المساحة الشاسعة للموقع الجديد ـــ مساحته الكلية حوالي 61711 متراً مربعاً منها خمسة آلاف متر هي مساحة المباني، و34 ألف متر للحدائق و22711 متراً عبارة عن طرق داخليةـــ على اختيار شكل معماري يعتمد على طراز قصور الحدائق والذي شاع في تركيا علي شواطئ البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة..
حديقة بتوقيع أمير :
هنا نحتت أنامل أمهر النحاتين تماثيل تزين الحديقة وأشرف أهم خبراء الحدائق في العالم حينئذ على تصميمها و تنسيقها وزراعة النباتات التي تحمل بصمة الأمير وجمعت من مختلف الأقاليم ومن سائر البلدان التي زارها بالإضافة إلى هدايا الملوك والرؤساء لتكون الحديقة المتفردة في العالم التي تجمع بين نباتات أوربا وآسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية كل ذلك على مساحة 16 فدانا هي مساحة أرض القصر. فتجد نفسك واقفا بين مجموعة من أشهر النباتات والزهور التي استضافها الأمير محمد على وتكاد تراه وهو يقف بنفسه وسط حديقته المنفردة هذه والتي تحمل توقيعه الشخصي يشرف على زراعة ذيل السمكة من إنجلترا والتين البنغالي والكروتن السيرلانكي، والسجوا أو ذيل الحمل من اليابان والفل المغربي وحمامة السلام من جنوب إفريقيا والكاميروبس من أوروبا، بالإضافة إلى مزرعة الصبار النادرة التي جمع مفرداتها من مختلف أنحاء العالم.
الأميرة أليس وحريم القصر :
وبعد أن تقضى ما تشاء من وقت في حديقة القصر مستمتعا بشمس مصر وطقسها المعتدل تستطيع أن تبدأ رحلتك داخله بزيارة أقدم مباني القصر.. "سراي الإقامة " وتتكون من الطابق الأرضي ويضم صالات الاستقبال والطعام ومكتبة الأمير، و الطابق العلوي لغرف النوم والإعاشة، وملحق بالمبنى برج يطل علي القاهرة والجيزة معا وهناك أيضا الحرملك.. أو المشرفية كما أطلقوا عليها حينئذ لأنها تجمع بين شرف الاستقبال وبين الخشب المخروط المعروف باسم مشربية، الذي يعزل الرؤية بعض الشيء, فيحفظ حياء وخصوصية النساء الجالسات خلفه. وفى مقدمتهن الأميرة الجميلة "أليس" زوجة الأمير و وصيفته السابقة وهى من أصل فرنسي .
وكان قد تعرف عليها في سويسرا وأحضرها معه إلى مصر.كما يمكنك أن تتخيل جمال سائر حريم القصر:أميرات ، أرامل الخديو توفيق، محظيات ووصيفات شقيق الأمير الخديو عباس حلمي الثاني الذي تم بناء القصر في عهده، نساء أجنبيات من فرنسا واليونان أتين مع أصدقائهن من ضيوف الأمير محمد على توفيق.ووصيفات تم ترقيتهن إلى زوجات لأبناء أسرة محمد على الكبير، جميعهن لمعت عيونهن وعلت قامتهن تطلعا لزيارة جوانب القصر عند زيارته لأول مرة .
تفاصيل مهيبة ومقتنيات نادرة:
أينما اتجهت في القصر فستجد نفسك أمام تفاصيل مهيبة تركها وراءه الأمير " محمد على " أحد أهم أبناء الأسرة العلوية الملكية التي حكمت مصر لسنوات طويلة فتحتار عيناك أين تنظر وعلى أي جمال تستقر أولا؟! فهناك التحف التي تنسب إلى القصر العثماني ، وهناك المصاحف والمخطوطات والصور الإيرانية الملونة لمشاهير المصورين والخطاطين ، والأثواب الإسلامية المطرزة المطعمة بالياقوت والمرجان والكهرمان ، كذلك يوجد بالمتحف مجموعة نادرة من السجاد الفاخر ، والخزف والأواني البلورية ، ومجموعة من الفضيات والشمعدانات النادرة والفازات رائعة التصميم من صنع شركة كريستوفل الفرنسية المشهورة بصنع الأواني والتحف من خليط المعدن والفضة، بالإضافة إلى أدوات الكتابة لمشاهير الخطاطين.
فمثلما اشتهر الأمير " محمد على "بأنه أحد أشهر هواة تربية الخيول العربية ذات الأنساب العريقة اشتهر أيضا بجمع التحف والآثار والمقتنيات الثمينة وكان له في هذا المجال عيون متخصصة مهمتهم البحث عن النادر من التحف وجلبها للأمير ليعرضها بقصره ، كما كان الأمير محباً للسفر فقد قام بعدة رحلات حول العالم طاوياً القارات أكثر من مرة ، واقتنى من هذه الرحلات روائع لا تقدر بثمن ضمها قصره هذا وتعد تسجيلا فريداً للفنون التي كانت تفخر بها بقاع كثيرة من العالم في أوائل القرن العشرين .
سراى العرش :
عندما تزور هذا المبنى تشعر أنك انتقلت للتو في رحلة عبر الماضي حيث أجواء الفخامة والكلاسيكية الأسطورية للقصور العريقة وهو مصمم علي الطراز العثماني المعروف باسم "الكشك" ذلك الطراز االشائع في البيوت علي ضفاف البسفور، وهو يتكون من قاعة العرش والأبيسون، وتروى قاعة العرش أحلام وخفايا هذا الأمير الذي انتظر طويلا عرش مصر وأصبح قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم الذي ظل يراوده لسنوات، قبل أن تأتي الرياح بما لا تشتهي سفنه .ويتم تتويج فاروق ملكا للبلاد .
ومن يدخل السراي يشعر بهيبة نظرا لبهاء القاعة، حيث يصطف علي الجانبين مقاعد من الخشب المذهب بزخارف أشعة الشمس ومنجدة بالقطيفة ذات اللون الأحمر الملكي وعلى ظهرها اسم محمد علي، وفي المواجهة يوجد كرسي العرش ويعلوه التاج الملكي، أما السقف مغطي بقرص الشمس وأشعتها الذهبية، ومن أهم ما يميز القاعة لوحات زيتية لمناظر طبيعية من مصر وصور الحكام من أسرة محمد علي، وفي الطابق العلوي تقع غرفة الأوبيسون وقد سميت كذلك نظرا لأن جميع جدرانها مغطاة بنسيج من الأوبيسون المصنوع في فرنسا.
ولا يفوتك دخول القاعة الذهبية التي يطلق عليها أيضا "صالون الوصايا" وهي تعد تحفة معمارية في حد ذاتها ، فجمال أسقفها وجدرانها لا مثيل له ،فجميع زخارفها مذهبة ، تجمع بين الطابع الايطالي والعربي وقد أبدعها مجموعة من أمهر الفنانين من مصر وأوروبا ، ويحمل الباب المؤدي إلي داخل القاعة اسم الأمير "محمد علي "مكتوبا بشكل فني يطلقون عليه اسم "طغراء" ،ويتخذ شكل السقف الذهبي للقاعة سجادة من طراز "هولباين" يتوسطها جامة بيضاوية مشغولة بأوراق نباتية ويتدلي من وسطها نجفة كريستال نادرة من نوع "بكارات" الفرنسية الصنع
مسجد القصر :
بالرغم من صغر مساحة المسجد الذي يتوسط القصر إلا أنه يعد تحفة معمارية وزخرفية لا مثيل لها، فقد أعطى الأمير محمد علي له عناية خاصة سواء من الخارج أو الداخل ، فمن الخارج زين سطح المسجد بعرائس من الحجر الرملي على شكل رؤوس حيات ( الكوبرا ) أسفلها شريط من الكتابة القرآنية لسورة الفتح ، أما الجدران فقد زخرفت على هيئة سجاجيد من طرز مختلفة والنوافذ على شكل عقود محاطة بأشرطة من الزخارف الهندسية ، وللمسجد كتلة مدخل مستطيلة الشكل وتعلو سطحه كما أنها تبرز عن المبنى وهي زاخرة بأنواع كثيرة من الزخارف
مفاجأة تنتظرك
وفى القصر أيضا مفاجأة لهواة الصيد والمغامرة وهو جناح كبير يضم مجموعات مختلفة من الطيور والحيوانات المحنطة وأدوات الصيد .أما برج الساعة فهو بناء مصمم على الطراز الأندلسي، كتب عليه بالخط الكوفي، ويحتوي على ساعة من نفس طراز الساعة المثبتة في واجهة محطة السكة الحديد المصرية ، لكن مع اختلاف العقارب، حيث تميز ساعة الأمير محمد علي أن عقاربها على هيئة أفاعي.
يبقى أنك خلال زيارتك للقصر تشعر بالمعنى الحقيقي للرفاهية والفخامة والتواصل مع الفنون الجميلة بكافة صورها ، وهو إحساس لن يفارقك بسهولة حتى بعد أن تخرج من القصر.