لماذا على الشركات طرد ٩٠٪ من عملائها رغم أزمة كورونا؟
تداعيات جائحة كورونا ما تزال تفرض نفسها، الشركات والاقتصادات حول العالم عانت من خسائر فادحة جعلتها ترزح تحت ضغوطات عديدة. عالم الأعمال يتخبط في محاولة منه لمعرفة الألية التي تمكنه من تقليص نسبة الخسائر،وكل شركة تعتمد مقاربة خاصة ومختلفة للصمود.
بسبب كوفيد ١٩ والخوف من ركود اقتصادي عالمي غالبية الشركات تشعر بأنه عليها التمسك والقبول بأي زبون، مهما كان نوع هذا العميل. تفكير قد يبدو منطقياً بحكم أن الخسائر كبيرة والأزمة الإقتصادية طالت الجميع وعليه أي عميل جديد أو حتى قديم مستعد لإنفاق المال على أي منتج أو خدمة تقدمها الشركة أشبه بهدية من السماء.
ولكن المقاربة هذه خصوصاً خلال الأزمات خاطئة كلياً. صحيح أنه يجب معاملة جميع العملاء بعدل ولكن لا يجب معاملتهم بالطريقة نفسها أو بشكل متساوٍ. غالبية الشركات عليها أن ترافق معظم عملائها الى الباب وتريهم طريق الخروج رغم الواقع المالي القاسي الذي خلفته كورونا. ولكن في المقابل على الشركات اعتماد مقاربات تركز على العملاء الذين يعودون على الشركة بالأرباح وعدم القبول بأي عميل كان بغض النظر عن الفائدة منه.
نعيش حالياً ظروفاً إستثنائية غير مسبوقة، وبالتالي هناك حاجة لإستراتيجيات جديدة لم تطبق من قبل. للصمود يحب تنفيذ إجراءات قد تبدو في البداية غير منطقية.
فما هي الأسس التي يجب اعتمادها والأمور التي يجب وضعها بالحسبان عند اختيار الزبائن والتي من شأنها أن تساعد الشركة على الصمود وحتى على تحقيق الأرباح رغم كل الصعوبات الحالية؟
الخدمة الممتازة للجميع غير ممكنة في اقتصاد كورونا
قواعد اللعبة تبدلت بشكل كلي، وما كان يعتبر من القواعد الأساسية قبل كورونا بات يهدد وجود الشركات في اقتصاد كورونا وما بعد كورونا. إن كانت شركتك من الفئة التي ما تزال تروج لنفسها وتعتمد مبدأ تقديم خدمة مثالية لجميع الزبائن فحينها أنت وشركتك في خطر. على صاحب كل شركة معرفة أن تقديم خدمة مثالية لجميع الزبائن قد يؤدي الى دمار الشركة بسبب الظروف الاقتصادية الراهنة.
تقديم خدمة مثالية للجميع قد يكون أسوأ مقاربة حالياً وذلك لأنها تمهد الطريق إلى الإفلاس. مبدأ مقاس واحد يناسب الجميع سيؤدي الى الخلط بين خدمة الزبائن وبين التركيز على الزبائن. ما يجب فعله هو القيام بجردة للعملاء وتحديد الفئة التي تعود بأرباح على الشركة والتركيز عليها حصراً. التركيز على العميل يتمحور حول توسيع نطاق العمليات وفقاً لقيمة عائدات العميل. ولو عنى ذلك التوقف عن تقديم خدمة مثالية أو حتى تجميد التعامل مع نصف العملاء فيجب المضي قدماً. ما هو على المحك بالنسبة للشركات أخطر من خسارة عملاء، فوجود واستمرارية عدد كبير منها مهدد وبالتالي يجب التفكير بشكل مختلف.
الحد من الطلبات الصغيرة
ما لم تكن شركتك هي أمازون وحققت أرباحاً خيالية نتيجة لكوفيد ١٩ فحينها يجب الحد من الطلبات الصغيرة. إن كان ٩٠٪ من أرباح الشركة تأتي من كبار العملاء، فحينها متابعة الآخرين الذي يعودون بـ ١٠٪ من الأرباح فقط هو مضيعة للوقت والجهد والطاقة كما أنه يقلل من الأرباح ويجعل الشركة تتكبد خسائر هي بغنى عنها حالياً.
محاولة إرضاء جميع العملاء سيقلل من إنتاجية الشركة كما أنه سيؤدي إلى إنهاك موظفي المبيعات و سيضع الشركة أمام خطر خسارة كبار العملاء.
كبار العملاء يذهبون الى الجهات التي توفر لهم أفضل معاملة وأفضل خدمة وذلك لأنهم يعرفون قيمتهم بالنسبة إلى الشركة، وبالتالي حين تنشغل الشركة بشكل يومي بالطلبات الصغيرة للزبائن الآخرين فإن كل طلب تأخذه الشركة من عميل صغير سيكون على حساب العملاء الكبار. فتلبية الطلبات الصغيرة يتطلب الموارد والمال والوقت والجهد مقابل عائدات غير هامة، وعليه الأجدى التخلص من مصدر «النزيف» هذا والتركيز على الفئة الأكثر أهمية.
بطبيعة الحال تركيز الجهود على كبار العملاء لا يعني بالضرورة ترك العملاء الصغار من دون توفير البديل. يمكن للشركات البحث عن نموذج عمل للعملاء الصغار يوفر للشركة أرباحاً صافية. على سبيل المثال هناك الكثير من الشركات التي سترغب في بيع منتجات الشركة مقابل عمولة. صحيح أن هذه العمولة ستقلل هامش الربح ولكن تجيير العملاء الصغار لهذه الشركات سيقضي على كل الجوانب السلبية الأخرى.
معاملة مميزة لكبار العملاء
نعم هناك أزمة وبالتأكيد الشركات تحاول الحد من الإنفاق ولكن هناك بعض المجالات التي يجب الإنفاق عليها. رغم الأزمة يجب منح كبار العملاء الاهتمام ويجب معاملته بشكل مميز. الشركات في هذه المرحلة باتت تركز على كبار العملاء وبعد الحد من نزيف الموارد والمال والجهود على صغار العملاء بات هناك هامش لتوفير محفزات لكبار العملاء.
الشركات هنا عليها تحديد أولوياتها، وبالتأكيد أولوياتها ليست خسارة كبار عملائها من خلال التمسك بصغار العملاء أو من خلال عدم توفير المحفزات لمن سيكونون خشبة خلاص الشركة. المنافسة حالياً شرسة للغاية وذلك لأن كل شركة تحاول الصمود وبالتالي إن لم يتم منح كبار العملاء كل الإهتمام فحينها ستقوم شركة أخرى بإستمالتهم. الهدف هنا هو الحصول على ولاء كبار العملاء وهذا لا يمكن تحقيقه إلا من خلال منح العميل المعاملة التي يستحقها وأكثر. الخدمة الممتازة التي لطالما افتخرت بها شركتك يجب أن توجه حصراً لهؤلاء. فكيف يمكن منح كبار العملاء الاهتمام الذي يحتاجون اليه؟
خلق خطوط واضحة للتواصل: رغم أن كبار العملاء عادة ما يخصص لهم مديرًا لحسابهم في الشركة ولكن من الأهمية بمكان تزويدهم بكل المعلومات التي يحتاجون إليها للتواصل مع أي قسم كان في الشركة.
نقاط الإتصال الثلاثة: بعض الشركات تخصص فريقاً من ٣ أشخاص للحسابات الرئيسية يتألف من مدير حساب رئيسي وشخصين من أعضاء فريق خدمة العملاء المكلفين بمهمة إدارة الاتصالات اليومية. يجتمع جميع أعضاء الفريق أسبوعياً لمراجعة الحالة ولإبقاء أصحاب المصلحة على إطلاع بما يحدث.
فهم نطاق المشروع: تحديد الموارد بالإستناد إلى حجم الشركة بدلاً من التعقيد ليس بالمقاربة الصحيحة. حجم الشركة لا يدلل بدقة على نطاق المشروع وبالتالي من خلال فهم النطاق فإن الشركة ستتمكن من معرفة أفضل طريقة لخدمة العميل وتوفير كل ما يحتاج اليه والذي قد يشمل المنتج، تجربة العمل، المبيعات والتسويق وغيرها.
تجنيد أفضل المواهب في الشركة: القيام بذلك لا يؤدي الى إنجاز المهام المطلوبة فحسب ولكنه يظهر لكبار العملاء بأن شركتك تتعامل معهم على أنهم أولوية من خلال توفير أفضل العاملين في المؤسسة وأكثرهم موهبة وإبداعاً لخدمتهم وخدمة مشاريعهم.
في المحصلة، التحدي الأكبر الذي يواجه القادة اليوم هو الإستعداد للقبول بأي عميل بغض النظر عن هامش الربح. صاحب الشركة قد يشعر بالذنب أو قد يتعاطف مع هؤلاء العملاء بحكم أنهم أيضاً يعانون من التداعيات المالية الصعبة لكوفيد ١٩ ولكن اعتماد المقاربة هذه أبعد ما يكون عن التخطيط البعيد المدى.
الأوضاع صعبة وصاحب الشركة عليه أن يمتلك القوة والشجاعة لاتخاذ قرارات صعبة. الحرص على صمود الشركة من خلال التركيز على مكامن القوة ضروري. الفترات الصعبة، كالفترة التي نعيشها حالياً، عادة ما تؤدي في عالم الأعمال إلى فرز من يملك الولاء ومن لا يملكه للشركة خصوصاً لناحية العملاء والشركاء. منح الذين يُظهرون الولاء للشركة الإهتمام الكافي سيجعل إقتصاد كوفيد ١٩ مجرد عقبة يمكن تجاوزها.
في ظل تفشي كوفيد-19.. كيف تحقق الشركات أكبر استفادة من النظام الإيكولوجي؟