البيانات هي النفط الجديد: فكيف تصبح شركة تحركها الداتا؟
البيانات هي المحرك الأساسي للثورة التكنولوجية المتسارعة وبشكل أو بآخر هي تشبه النفط الذي كان له دوره الأساسي في الثورات الصناعية. منذ سنوات وغالبية الشركات تسعى لأن تكون الداتا هي الوقود الذي يحرك عملياتها. ولكن ما الذي يعينه ذلك؟
الأمر أكثر بكثير من مجرد الحصول على الأدوات والتطبيقات المناسبة فكي تتحرك الشركات وفق الداتا، فإن ذلك يعني جعل البيانات والتحليلات جزءا من استراتيجية أعمالها وبرامجها. بتعبير آخر خلق عقلية تشكل فيها التحليلات أساساً لجميع قرارات الأعمال القائمة على الحقائق والتي يتم تبنيها من قبل الجميع في كل مستويات المؤسسة.
خلال السنوات الماضية قامت شركات عدة بالعملية الانتقالية وباتت من المؤسسات التي تحركها الداتا وقد حققت نجاحات كبيرة. ولكن المشكلة الأساسية هي أن الشركات أو الجهات هذه ما تنفك تخبرنا عن أهمية القيام بالتحول هذا، وعن التأثيرات الإيجابية على مسار الأعمال ولكنها لا توضح لنا المسار والآلية.
التحول إلى شركة تحركها الداتا يتطلب خلق ثقافة وبنية تحتية داعمة كي تتمكن الشركات من الاستفادة من البيانات. المهمة ليست سهلة بالتأكيد وتتطلب تغييرات عديدة ولكنها ضرورية وملحة وسط سوق تنافسي جداً.
نقطة البداية
الشركات التي تحركها الداتا تقوم بجمع البيانات حول كل الجوانب في المجال الذي تعمل فيه. ومن خلال تمكين الموظفين، في كل المستويات، من استخدام البيانات الصحيحة في الوقت المناسب، يمكن للداتا أن تؤدي إلى حسم القرارات من دون أي مسار بيروقراطي ما سيجعل الشركة تتفوق على الشركات المنافسة. الخطوة الأولى هي بالاستعانة بشركة متخصصة في هذا المجال كي تقوم بمساعدة الشركة على الانتقال ولكن هذه الشركات معنية بالجانب التقني ولا يجب ترك الأسس لها، بل على صاحب الشركة تحديد النقاط الأكثر أهمية والتي تتعلق بنوعية الداتا.
النقطة الأساسية التي يجب الانطلاق منها هو عدم الاكتفاء بالسؤال عن البيانات الخاصة بالشركة ولكن البحث في نوعية البيانات. الحصول على إجابات عن هذين السؤالين يمكن الشركة من جعل القرارات مدفوعة بالبيانات في كل قسم من أقسام الشركة.
عملية الانتقال صعبة لكن غير مستحيلة
عملية الانتقال صعبة، وهناك الكثير من العراقيل التي ستواجه المؤسسات. ولكن الصعوبات والعراقيل ليست تقنية، بل تتمحور حول ثقافة الشركة والعقلية المطلوبة من أجل الانتقال إلى عالم البيانات. يسهل فهم آلية بناء القرارات على الداتا ولكن يصعب كثيراً جعل الآلية جزءا من القرارات اليومية للموظفين. فتبديل عقلية العاملين في الشركة هو التحدي الأكبر الذي على صاحب أي مؤسسة البدء بالعمل عليها من أجل القيام بعملية انتقال سلسة.
جمع البيانات التي تحتاج إليها الشركة
تخزين البيانات مكلف، وعليه إن لم تستفد الشركة من كل البيانات التي تملكها فإن ذلك يعني إضاعة للمال والوقت. وعليه قبل البدء يجب تحديد أي بيانات تحتاج إليها الشركة، فالنوعية وليس الكمية هي القاعدة الذهبية هنا.
البيانات وفيرة ويمكن تجميع «كميات» ضخمة منها، ولكن هذا لا يعني فقط تكلفة إضافية وإنما إغراق الشركة في بحر من الداتا غير الهامة وغير المؤثرة ما يعني أن جعل عملية القرارات تستند الى الداتا ستفشل لأنه سيكون هناك الكثير من البيانات التي لا قيمة لها. وعليه الخطوة الأولى والأكثر أهمية هي جمع المعلومات التي تحتاج إليها الشركة فقط.
التوافق مع قوانين حماية البيانات
كل دولة تملك قوانينها الخاصة المتعلقة بحماية البيانات، وأي شركة لا تحترم هذه القوانين ستجد نفسها أمام مجموعة من العقوبات المالية القاسية. صحيح أنه في نهاية المطاف الشركات تجمع الداتا التي تحتاج إليها فقط والزبون يوفر البيانات التي يريد الكشف عنها ولكن يجب الحرص على احترام القوانين. ومن أجل القيام بذلك يجب القيام بعملية تثقيف للموظفين من رأس الهرم إلى أسفله حول ماهية القوانين وموادها خصوصاً الجزئية التي تتعلق ببيانات الخصوصية ووضع إجراءات وبروتوكلات واضحة تجنب الشركة الدخول في مشاكل قانونية.
جعل الشركة «خطا واحدا» في التعامل مع البيانات
الغالبية تظن بأن الاعتماد على البيانات محصور بقسم التسويق فقط، ولكن الاعتقاد هذا أبعد ما يكون عن الواقع. فالذين يعملون في مجال التسويق يجمعون الداتا ويقومون بتحليلها كي يتمكنوا من مشاركتها مع فرق العمل الأخرى في الشركة.
هذا يعني أنه على جميع العاملين في الشركة فهم قيمة الداتا وتأثيرها الإيجابي الكبير على مسار الأعمال. ولأنه يصعب تقدير قيمة ما لا يمكن فهمه من الأهمية بمكان تحضير جميع الموظفين للتعامل مع وفهم الداتا وتأثيرها الإيجابي. فالغاية هنا هي جعل الجميع جبهة واحدة لأن المقاربة هذه تسرع عملية الانتقال.
الحد من احتمالات سوء الفهم
كارل أندرسن مؤلف «المؤسسات التي تحركها الداتا» و مايكل لي مؤسسة شركة «ذا داتا إنكيوبيتر» يشيران إلى أهمية بناء ما يسمى «قاموس الداتا». الشركات تحتاج إلى وضع كتيب خاص بها يتضمن تعريفات أو مقاييس واضحة وغير غامضة ومتفق عليها حول البيانات وتسمياتها ومقاييسها.
كل أصحاب المصلحة في الشركة يجب أن يكونوا جزءا من العملية وعلى اطلاع كلي على هذه التعريفات والمقاييس. الوضوح هذا يمنع دخول الشركة في متاهات هي بغنى عنها خصوصاً لناحية قيام بعض فرق العمل أو الموظفين بعمليات احتيال مستغلين قلة وضوح الداتا والمقاييس والمعايير المتعلقة بها.
وعلى صعيد متصل من الأهمية بمكان إمضاء الوقت ليس فقط على وضع تعريفات واضحة بل بتحديد أطر التعامل مع القضايا الخارجية، مثلاً رغم أن الجميع قد يملك مفهوماً مشتركاً حول ماهية «طلب» خدمة ما أو بضاعة ما ولكن سيكون هناك اختلاف حول آلية التعامل مع إلغاء عملية البيع أو عمليات الاحتيال. صحيح أن الاستعانة بخبير من خارج الشركة سيحل المشكلة بسرعة ولكن هذا حل لا يمكن اعتماده على المدى البعيد.
التعامل مع أدوات متكاملة يسهل استخدامها
سيكون هناك دائماً مجموعة من الموظفين الذين سيخافون من التغيير وحتى قد يرفضونه ويتحولون الى عقبة. ورغم أنه لا يسهل جعل الجميع «يحبون» الداتا ولكن يمكن جعلهم يتبنون عقلية مدفوعة بالداتا من خلال توضيح الآلية التي يمكن للداتا من خلالها تسهيل حياتهم اليومية.
القيام بذلك يتم من خلال اختيار الأدوات المناسبة وهذه الأدوات يمكنها أن تكون نفس الأدوات التي تستخدمها الشركة حالياً. كل شركة تملك مجموعة من الأدوات التي تعتمد عليها من أجل التواصل أو إنجاز الأعمال، هذه الأدوات التي يألفها الجميع يمكن استغلالها في مجال الداتا.
ولكن قد يكون هناك حاجة لاعتماد أدوات جديدة وهذه الأدوات يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن التعقيد، إذ يجب أن تكون بسيطة ويسهل استخدامها.
ولعل الأهم هو عدم حصر الداتا بمجموعة معينة من الأشخاص في الشركة، صحيح أن توفير الداتا للخبراء الذين يعرفون استغلالها يعني امتلاك الشركة القوة ولكن توفير الداتا المناسبة لجميع الموظفين يعني عملية انتقالية إيجابية جداً للشركة وخطوة كبيرة إلى الأمام.
قيمة الداتا ودقة التحليلات
سابقاً كانت الشركات تطلع على الداتا بمعدل ربع سنوي وذلك لأن الأجواء التنافسية حينها لم تكن بالحدة نفسها التي هي عليه اليوم. في وقتنا الراهن برامج الداتا يمكنها جمع كميات كبيرة من المعلومات خلال فترة قصيرة جداً. ومن أجل الإبداع والإبتكار بسرعة وبشكل صحيح التحليلات باتت تتم بشكل تلقائي لبيانات حالية وأخرى مؤرشفة. مثل حساب الفائدة على أساس يومي، فتحليل البيانات علي أسس يومية يمكنه أن يؤدي الى تأثير مركب على قيمة البيانات الخاصة بالشركة. من خلال معرفة ما يحصل عبر مؤشرات الأداء الرئيسة، يمكن يمكن تصحيح المسار وبالتالي تحقيق النجاحات المطلوبة. في المقابل يجب الاستغناء عن الداتا التي لا تؤدي الى تحليلات صائبة وإلى قرارات أفضل. النتائج هذه يتم التوصل إليها من خلال التجربة أو من خلال التعلم من تجارب الآخرين. الداتا القيمة والمفيدة ستؤدي إلى تحليلات منطقية وسيبنى عليها قرارات صائبة.