كرات الجولف في قفص الاتهام.. هل تهدد رياضة الأثرياء البيئة؟
تشتهر لعبة الجولف بأجوائها الطبيعية الخلابة، فلطالما كان ملعب رياضة الأثرياء رائعًا ومرادفًا للطبيعة الساحرة، ومع ذلك، في الآونة الأخيرة، كانت هناك انتقادات متزايدة ترتبط بالمخاوف البيئية، مثل استهلاك المياه والطاقة واستخدام المواد الكيميائية، وصولًا إلى تأثير كرات الجولف!
فعلى الرغم من صغر حجمها، يمكن أن تخلف كرات الجولف مشكلة بيئية كبيرة، خاصة عندما تنتهي في أماكن لا ينبغي لها أن تكون فيها.
هل كرات الجولف تضر بالبيئة؟
تُفقد ملايين كرات الجولف أو تُلقى هدرًا كل عام، ويجد الكثير منها طريقه إلى المسطحات المائية مثل البحيرات والأنهار والمحيطات، وتراكم كرات الجولف هذا يشكل تهديدًا كبيرًا للبيئة، خاصة بسبب المواد التي صنعت منها، حيث تصنع الكرات التقليدية من مواد صناعية مثل المطاط والبلاستيك والمعادن، والتي قد تستغرق قرونًا حتى تتحلل، ومع تحللها، تطلق هذه المواد مواد كيميائية ضارة، ما يؤدي إلى تلويث المسطحات المائية وتعريض الحياة البحرية للخطر.
وتقع العديد من ملاعب الجولف التي يبلغ عددها حوالي 32000 ملعب في جميع أنحاء العالم على طول السواحل، ما يؤكد أهمية هذه القضية، ففي عام 2019، اكتشفت فتاة مراهقة عشرات الآلاف من كرات الجولف بالقرب من شاطئ ملعب "بيبل بيتش" الشهير في كاليفورنيا، في مظهر لا ينساه المهتمون بجانب الاستدامة.
وبالإضافة إلى التأثيرات البيئية المباشرة، فإن فقدان ملايين كرات الجولف يمثل إهدارًا خطيرًا للموارد، وكما ذكرنا سابقًا، تتكون كرات الجولف الجديدة في الغالب من البلاستيك والمطاط الصناعي، وكلاهما مشتق من مصادر أحفورية، ويتضمن إنتاج موادها استهلاكًا كبيرًا للطاقة وانبعاثات كربونية ضارة بالبيئة.
كيف يؤثر الجولف على البيئة؟
وفقًا لاتحاد الجولف الأمريكي (USGA)، لعب 45 مليون شخص هذه الرياضة في الولايات المتحدة خلال عام 2023، وكان هناك 31.6 مليون لاعب جولف غير مسجل في 146 دولة العام الماضي، وفقًا لإحصائيات "R&A".
وفي عام 2019، تفاخرت الولايات المتحدة باشتمالها على 43% من ملاعب الجولف في العالم، بواقع 16752 ملعبًا، وهذا عدد أكبر من متاجر "ستاربكس" أو "ماكدونالدز".
وكما هو معلوم لممارسي هذه الرياضة، فإن فرص إنهاء الجولة بالكرة التي بدأت بها ضئيلة، في حين أن عددًا لا يحصى من العوامل يمكن أن يؤثر على هذه الاحتمالات، كالمهارة وتضاريس الملعب بشكل أساسي، ما يجعل تقديرات عدد الكرات التي يخسرها لاعب الجولف العادي في الجولة تتراوح عادةً بين كرة واحدة وأربع كرات، وفقًا لشبكة "سي إن إن".
وقال الرئيس التنفيذي لشركة Found Golf Balls، "شون شينفيلد"، الذي تستعيد شركته وتعيد بيع ملايين الكرات المفقودة في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا كل عام، لشبكة "سي إن إن"، إنه قدر المتوسط بين ثلاث وأربع كرات في كل جولة.
وباستخدام الأرقام التي يقدرها "شينفيلد"، فإن هذا يعني فقدان أكثر من 1.5 مليار كرة في الولايات المتحدة كل عام منذ عام 2020، وإذا تم وضع هذه الكرات افتراضيًا في صف واحد، فإنها ستمتد حول محيط الأرض أكثر من مرة ونصف!
بينما أضاف "توربين كاستروب بيترسن"، مدير ملعب اتحاد الجولف الدنماركي، الذي بحث في التأثير البيئي للكرات المفقودة، أن عدد الكرات المفقودة قد يكون أعلى بكثير، وقال بدوره لشبكة "سي إن إن": "في حين أن التقديرات العالمية الدقيقة تشكل تحديًا، فإن الرقم العالمي قد يتجاوز بسهولة 3 إلى 5 مليارات كرة جولف مفقودة كل عام".
مع وجود ملاعب الجولف في 84% من دول العالم، يمكن أن نرجح فقدان كرات في سهول جرينلاند الجليدية إلى حواف البراكين المتصاعدة في هاواي، ومن قمم الجبال في جنوب إفريقيا على ارتفاع 4500 قدم فوق مستوى سطح البحر، إلى المياه المليئة بالحيتان في المضايق النرويجية!
هل هناك بدائل لكرات الجولف التقليدية؟
الخبر السار هو أن هناك بدائل صديقة للبيئة متاحة للاعبي الجولف المهتمين بالبيئة، وهي كرات الجولف القابلة للتحلل البيولوجي، المصنوعة من مواد متجددة تتحلل بشكل طبيعي بمرور الوقت، ما يقلل من بصمتها البيئية السلبية.
بالإضافة إلى ذلك، توفر كرات الجولف المعاد تدويرها أو المجددة خيارًا صديقًا للبيئة، من خلال منح الكرات القديمة فرصة جديدة للحياة، وتتحلل بشكل طبيعي دون أن تترك وراءها بقايا ضارة، حتى إن بعضها يحتوي على طعام صحي للأسماك، وبذلك تنقلب الأمور من شيء ضار إلى نقطة إيجابية!
هذا يعني أنه حتى لو انتهى الأمر بكرات الجولف القابلة للتحلل البيولوجي في المسطحات المائية، فلن تشكل تهديدًا طويل الأمد للبيئة.
ولكن نظرًا للمواد التي تصنع منها، فإن الكرات القابلة للتحلل البيولوجي لا يمكنها بطبيعتها أن تضاهي أداء الكرات التقليدية من حيث المسافة ومعدلات الدوران والمتانة، ومع ذلك، في المناطق الساحلية أو حتى على متن السفن السياحية أو اليخوت، لا تزال خيارًا قابلاً للتطبيق للغاية.
اقرأ أيضًا: مزيج من التحدي والاستمتاع بالطبيعة.. أفضل ملاعب الجولف بالشرق الأوسط
إعادة التدوير حل آخر
إعادة تدوير وتجديد كرات الجولف القديمة تقدم حلولاً مستدامة إضافية، للتحديات البيئية المرتبطة بكرات الجولف التقليدية، فبدلاً من السماح لكرات الجولف القديمة بالتراكم في المسطحات المائية أو مكبات النفايات، يمكن جمعها وتنظيفها وإعادتها إلى حالتها الأصلية، ما يمنحها فرصة ثانية للحياة، ويقلل النفايات والتأثير البيئي السلبي.
وعلاوة على ذلك، فإن المبادرات التي تهدف إلى تنظيف المسطحات المائية واستعادة الكرات المفقودة، لا تساهم فقط في الحفاظ على البيئة، بل تعزز أيضًا نظامًا بيئيًا أنظف وأكثر صحة للجميع.
وتقدم بعض العلامات التجارية مثل "tomorrow golf" كرات جولف ذات قلب مُعاد تدويره بنسبة 100%، مع غطاء جديد تمامًا، ما يجعلك تشعر وكأنها كرة جديدة، بينما تركز شركات ناشئة أخرى مثل "Vollē Golf" على إعادة تدوير مادة غلاف الكرة البلاستيكية الحرارية، مع استخدام المطاط الخام للقلب.
تكمن الميزة الأساسية لهذه الأنواع من الكرات، مقارنة بالخيارات القابلة للتحلل البيولوجي، في استخدامها لمواد عالية الأداء، مما يضمن مسافة فائقة، وتحكمًا في التصويبات القصيرة والمتانة.
ومن منظور بيئي، تساهم هذه الكرات في تدوير حياة المنتج واستخدام المواد نفسها، والحد بشكل عام من البصمة الكربونية، ما يدعم جهود الاستدامة بلعبة الجولف، ويقلل من الإنفاق على كرات تقليدية جديدة.
كيف نتفادى أضرار الجولف على البيئة؟
تلعب ملاعب الجولف دورًا حاسمًا في تقليل التأثير البيئي السلبي لهذه الرياضة، من خلال تنفيذ ممارسات مستدامة مثل الحفاظ على المياه وكفاءة الطاقة والحفاظ على المسطحات المائلة، ويمكن لملاعب الجولف تخفيف بصمتها البيئية وتعزيز الرعاية البيئية.
إن أنظمة الري الموفرة للمياه، ومصادر الطاقة المتجددة، ومبادرات الحفاظ على الموائل الطبيعية، ليست سوى أمثلة قليلة على كيفية مساهمة ملاعب الجولف الحديثة في مستقبل أكثر استدامة لهذه الرياضة.
علاوة على ذلك، يمكن لنوادي الجولف معالجة موضوع الكرات بطرق مختلفة، إما بالاعتماد على الكرات المصنوعة من مواد قابلة للتحلل البيولوجي، أو من خلال تنظيم نهج إعادة التدوير، وبالنظر إلى المستقبل، فإن مستقبل كرات الجولف الصديقة للبيئة واعد، مدفوعًا بالتقدم في المواد وعمليات التصنيع.
ومع تزايد وعي لاعبي الجولف بالاستدامة البيئية، يمكننا أن نتوقع رؤية طلب متزايد على الخيارات المستدامة في السوق، ورغم أن هذا قد لا يحدث في المستقبل القريب، فإن إمكانية اعتماد اللاعبين المحترفين مثل "روري ماكلروي" أو "جاستن توماس" للكرات المستدامة قد تكون محفزًا لهذا الاتجاه الصديق للبيئة.
