عائلة الجفالي التجارية السعودية..بدأت بمحل صغير مقتطع من المنزل وانتهت بشركات عملاقة
يرجع تاريخ عائلة الجفالي التجارية السعودية إلى نحو 140 سنة مضت، يوم ميلاد عميدها ومؤسسها رجل الأعمال عبد الله بن إبراهيم الجفالي، في مدينة عنيزة وسط نجد.
في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، غادر عبد الله، موطنه عنيزة قاصدا مكة المكرمة، حيث استأجر منزاً استقطع منه محلا صغيرا، كان نقطة الانطلاق لأعمال العائلة التجارية. وسرعان ما برز بوصفه أبرز الوجوه التجارية في مكة المكرمة، بالتزامن مع ولادة المملكة العربية السعودية، حيث اختاره الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ليكون أحد أعضاء مجلس الشورى.
الأبناء ومن ثم الأحفاد، تابعوا نهج المؤسس، توسعوا في الأعمال وطوروها، ودخلوا مجال تجارة الأراضي العقارية وأنشأوا معامل للأسمنت واستحوذوا على عدد من الوكالات، أهمها "مرسيدس" الألمانية وأسسوا شبكة الهاتف السعودي الآلي، وأول شركة للكهرباء وتوسعوا في كثير من المجالات والأعمال حتى تربعوا اليوم على عرش العائلات الغنية في السعودية.
البدايات والخروج من عنيزة
قبل ما يقارب 140 سنة، وفي أوساط نجد وبالتحديد في مدينة عنيزة ولد أحد أشهر مؤسسي العوائل التجارية في السعودية، رجل الأعمال عبد الله بن إبراهيم الجفالي.
نشأ وسط ظروف صعبة دفعته في سن المراهقة للسفر إلى العراق، مع تجار معروفين في ذلك الوقت من آل العقيلات، بحثاً عن الرزق ولصعوبة الحياة في منطقة نجد، ولكن لم يطل الوقت بالشاب عبد الله، حيث عاد من العراق خلال ستة أشهر إلى مسقط رأسه.
لكن شظف العيش في منطقة نجد، دفع الشاب عبد الله إلى التفكير مجدداً بالسفر بعيداً عن مسقط رأسه، حيث قصد في مطلع القرن الهجري الرابع عشر مكة المكرمة، ونزل في حي الجودرية واستأجر منزلاً استقطع منه محلاً تجارياً، كان نقطة الانطلاقة في أعمال العائلة التجارية.
العائلة في أول مجلس للشورى
بعد أن استقر المقام للعائلة في مكة، تمكن عميدها عبدالله الجفالي، من توظيف علاقاته بموطنه الأصلي نجد مع مكة المكرمة، فأنشأ مع مجموعة من أصدقائه من مكة المكرمة ومن نجد تجارة متبادلة.
وبدأ هذا الشاب بتوسعة نشاطه التجاري، فسلك مسلك التجار المستثمرين حيث لا تقف تجارته على نشاط معين أو خدمة بعينها، وما حل عام ( 1343 – 1344ه ) حتى انضمّ إقليم الحجاز إلى باقي أقاليم "مملكة الحجاز ونجد" التي سميت فيما بعد، وبمبادرة من أعيان مكة المكرمة والمدينة المنورة وأهالي الطائف، باسم المملكة العربية السعودية.
في ذلك الزمن كانت عائلة الجفالي قد أصبحت اسماً بارزاً في مكة المكرمة، وزعيمها عبد الله علماً من أعلام تجار مكة المكرمة وأعيانها الذين منحهم الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، ثقته بتشكيل أول مجلس للشورى في تاريخ المملكة العربية السعودية "مملكة الحجاز ونجد آنذاك".
وشمل اختيار الملك المؤسس صالح شطا، وأحمد سبحي وعبدالله الزواوي، ومحمد يحيى عقيل، وعبدالوهاب عطار، فضلاً عن عبدالله الجفالي، وعبدالعزيز بن زيد، كممثلين لأهالي نجد، كما يضيف البعض أسماء أخرى كعبدالله الفضل، النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، إلا أن كثيراً من الأسماء المتبقية إنما جاءت تباعاً بانتخاب الأهالي آنذاك، حيث خوّلهم الملك عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، حرية النقاش فيما يرون فيه مصالح البلاد والعباد، ليرفعوه إليه شخصياً، كي تتم عليه الموافقة النهائية، بعد أن ترأس المجلس الأمير فيصل "الملك" الذي كان حينها نائباً للملك في الحجاز.
الحرص على تعليم الأبناء
حاز أبناء عائلة الجفالي قدراً من التعليم، بفضل حرص والدهم الشيخ عبد الله، بعد استقراره في مكة المكرمة، على تعليمهم بلا استثناء، وهم: إبراهيم وعلي وأحمد وسليمان، الذي توفي في حياة والده، وابنته الوحيدة نورة.
فرغم أنه حين كان صغيرا، لم يحالفه الحظ، ليتعلم أكثر من القراءة والكتابة في كتاتيب مدينة عنيزة، فإنه حرص على ألا يفوّت على أبنائه فرصة التعليم التي فاته جزء منها، حين كان شابا يبحث عن مستقبل أبنائه، ما دفعه إلى إلحاقهم بمدارس الفلاح التي أسّسها الحاج محمد علي زينل، كما انتقل هو وأبناؤه إلى شعب عامر القريب من مركز تجارته في الجودرية، حيث اشترى منزلاً واسعاً عام 1338هـ
توسّع الأعمال: طرقات.. كهرباء.. هاتف. مرسيدس
أسهمت العائلة، عبر شركاتها المتعددة في تعبيد أول طريق يربط بين مكة المكرمة ومدينة جدة، كما أسست أول شركة كهرباء، وكان ذلك في مدينة الطائف عام 1947، وتوسّعت فشملت مكة المكرمة، فأدخلت إليها الكهرباء، وألغت استخدام الفوانيس الغازية في بيوتها وشوارعها وأزقتها. وحتى بعد وفاة مؤسّسها الشيخ عبدالله، استمرت العائلة في تأسيس شركات كهرباء في المدينة المنورة وجدة والأحساء.
وامتدت شركة عبدالله الجفالي، لتشمل التجارة بالأراضي العقارية، وإنشاء شركات الأسمنت، كشركة أسمنت الأحساء وأسمنت المنطقة الشرقية، كما تعهد هو ومن بعده أبناؤه، بتسلّم عدد من الوكالات في مجالات مختلفة، كان من أهمها وكالة مرسيدس الألمانية، وتأسيس شبكة الهاتف السعودي الآلي.
وقد كان الأبناء قد حفظوا تجارة والدهم، بعد وفاته، واستمروا على نهجه في التوسع بالأعمال الاستثمارية، لا سيّما أن المملكة حينذاك كانت تعيش مرحلة التأسيس والبناء، للمؤسسات الحكومية والوكالات التجارية الخاصة.
اتفق الأبناء على تسمية الشركة "شركة إبراهيم الجفالي وإخوانه" التي بدأت نشاطها في مكة المكرمة، ومن ثم الطائف، ثم توسّعت في مكاتبها وفروعها في كل محافظات المملكة ومدنها.
التصنيع بدلا من الاستيراد
توسع الأعمال جغرافياً وقطاعياً مكّن الشركة من إنشاء عدد من المصانع لتصنيع المنتجات التي كانت تستوردها. ومن أهمها، الشركة الوطنية لصناعة السيارات، وإنتاج الشاحنات، بالتعاون مع شركة "مرسيدس-"بنز" الألمانية"، والشركة السعودية لصناعة المباني الحديدية، بالتعاون مع شركة "بتلر الأمريكية"، والشركة السعودية لصناعة الثلاجات، والشركة السعودية لصناعة المكيفات، والشركة العربية الكيماوية لإنتاج المواد العازلة واللاصقة، والشركة السعودية لصناعة "التراكتورات"، كما أن لها شراكات عدة مع شركات عالمية لعل من أبرزها "مرسيدس-بينز" و"سيمنس وآي بي إم" و"ميشلان".
الأحفاد يصلون بأعمالهم إلى أوروبا وأمريكا
دشّن الجيل الثالث من العائلة، عصرا جديدا للعائلة التجارية الشهيرة، عبر بروز الشيخ ورجل الأعمال وليد الجفالي، رحمه الله، الذي كان اهتمّ مع إخوته، بعد وفاة والدهم أحمد، بشكل كبير بكيان الشركة وعمل على استمرار الكيان باسم عمه الراحل، وهي "شركة إبراهيم الجفالي وإخوانه" في مكة المكرمة.
عملت شركات الجفالي، بقيادة الأخوين وليد وخالد، وحاتم علي الجفالي، بدعم من أبناء عمومتهم ومجموعة من المديرين التنفيذيين المهنيين على إدارة المجموعة الواسعة الاستثمارات حالياً في مجالات عدة، كان أبرزها في الهندسة والتجارة والخدمات والتصنيع والتمويل والعقارات، والتوزيع في جميع أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا وأمريكا الشمالية والأنشطة التي جعلت من عائلة الجفالي، من أكثر العوائل ثراء في المنطقة.
أعمال العائلة لدعم المجتمع
كغيرها من العائلات التجارية السعودية، أسهمت الجفالي في تأسيس مراكز خدمية لدعم المجتمع والمؤسسات الخيرية داخل السعودية وخارجها.
في مدينة جدة أسست عددا من المراكز والمؤسسات الخيرية كمركز "العون" لذوي الظروف الخاصة. ومركز غسيل الكلى في مستشفى الملك سعود بعنيزة، وجمعية الخدمات الإنسانية، ومركز تأهيل المعاقين، ومستشفى لعلاج الإدمان في لبنان، وتأسيس وتعزيز خدمات الطوارئ والغسل الكلوي، في مركز بورت سودان للديال بشرقي السودان وغيرها من إسهامات رجال أعمال العائلة.
يذكر أن صلة آل الجفالي بمسقط رأس العائلة (عنيزة) لم تنقطع، بعواطفهم واهتماماتهم وصدقاتهم، وكذلك مع الأحساء التي بنى الإخوة الثلاثة صلة عمل معها، بعد أن توثقت صلة نسبهم مع أسرة بالغنيم الأحسائية المعروفة.