كيف تغير المملكة العربية السعودية قواعد ممارسة التجارة الإلكترونية؟
تواصل المملكة العربية السعودية تحقيق المزيد من الإنجازات في مجال التجارة الإلكترونية، حيث يُتوقع أن تبقى المملكة في صدارة مسيرة التقدم والتطور الذي يشهده هذا القطاع.
ولا شك أن النمو الهائل في استخدام الإنترنت، وانتشار الهواتف الذكية من عوامل الدعم التي كان لها بالغ الأثر في الوصول لهذا النجاح، في الوقت الذي تستفيد فيه الشركات الصغيرة والمتوسطة داخل المملكة من دعم الحكومة لتعزيز قدراتها وتوسيع نطاق عملها.
وبينما يُشكل الدفع النقدي خيارًا مهمًا بالنسبة للمستهلكين السعوديين، ما يتطلب من مزودي خدمات التوصيل تبني استراتيجيات خاصة للتعامل مع هذه الاحتياجات الفريدة، فإن هناك تحديات أخرى مرتبطة بعمليات التوصيل في المدن والبلدات الصغيرة، إلى جانب الحاجة لبذل جهود إضافية من أجل تحقيق التوازن بين الأسعار وجودة الخدمة المقدمة.
المملكة تتجاوز التحديات
وتستجيب المملكة لهذه التحديات بتحديث شبكات التوصيل وتوسيع نطاقها، وتسهيل منح التراخيص لمقدمي خدمات التوصيل المحليين. والحقيقة أن مزودي الخدمات يحتلون مكانة ريادية بفضل تعاونهم مع الصندوق السيادي واستثماراته في شركات عالمية ومحلية مثل "شوبيفاي" و"نون" وغيرهما.
وما يبدو جليًا هو أن المملكة تُظهر التزامًا كبيرًا تجاه تحقيق رؤيتها 2030، إذ تسعى لتعزيز دورها كمركز عالمي وإقليمي للتجارة والخدمات اللوجستية.
ومن خلال الابتكار، ودعم الشركات الناشئة، وتيسير البيئة التجارية، يبدو من الواضح أن المملكة العربية السعودية عازمة على الاستمرار في الارتقاء بمكانتها كقوة رائدة في عالم التجارة الإلكترونية.
ورغم ما أعقب الإعلان عن خطط تغيير سلاسل الإمداد الإقليمية، وتحويل دول مجلس التعاون الخليجي إلى لاعبين رئيسين في مجال التجارة الإلكترونية، كانت هناك بعض الشكوك إزاء مبادرة المملكة العربية السعودية.
وخلال تلك الفترة، لم تكن تسير الأمور بصورة سلسة حين يتعلق الأمر بعمليات التسليم إلى السعودية، بالإضافة إلى النقص الذي كان حاصلاً في الشبكات اللوجستية الداخلية، وكذلك تفضيل تجار التجزئة العالميين خدمة العملاء السعوديين عبر مراكز إقليمية أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة أو البحرين.
لكن الوضع تغير بشكل كبير الآن، وباتت الصورة أوضح للمتشككين مع حدوث التغيير، في الوقت الذي تشير فيه التوقعات إلى أن إيرادات التجارة الإلكترونية في السعودية ستصل إلى 10 مليارات دولار أمريكي هذا العام.
هذا الرقم يضع المملكة في المرتبة الـ 27 على قائمة أكبر الأسواق عبر الإنترنت في العالم، وسط توقعات بأن يتسارع نمو الإيرادات بنسبة 13.5% سنويًا حتى عام 2027، وهو معدل نمو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 11.2%.
يأتي ذلك في ظل توقعات بأن تتفوق المملكة العربية السعودية في مجالات أخرى مثل الاستثمار، واللوجستيات، وكميات الشحن على جارتها دولة الإمارات العربية المتحدة.
اقرأ أيضًا:توقعات بنهضة الاقتصاد الرقمي في السعودية في المستقبل.. والسياحة في المقدمة
نمو التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية
تشمل استراتيجية رؤية المملكة العربية السعودية 2030 أهدافًا اقتصادية شاملة لتعزيز النمو في الاقتصاد الرقمي. كما تسعى المملكة لتصبح مركزًا عالميًا وإقليميًا للنقل والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى العمل على توسيع مصادر الدخل من خلال القطاعات غير النفطية مثل التصنيع المحلي والصادرات.
وتحدد خطة رؤية 2030 للمملكة التجارة الإلكترونية كرافعة أساسية لتعزيز توسع الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل حوالي 20% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة.
طموحات المملكة في مجال التجارة الإلكترونية
وفيما يتعلق بنقص الشبكة اللوجستية المحلية، قامت المملكة العربية السعودية بتبسيط عمليات منح تراخيص مقدمي خدمات التوصيل المحلية، وإنشاء مستويات متعددة من التراخيص. وكانت النتيجة نموًا كبيرًا في عدد شركات التوصيل، واستثمارات جديدة في تعزيز قدرات التخزين، والتنفيذ، والنقل بالشاحنات.
وأدت هذه الجهود إلى تحسين شبكة اللوجستيات في المدن السعودية، بما في ذلك البلدات الصغيرة في الداخل والجنوب، حيث أصبحت متصلة الآن بشبكة لوجستية فعالة وسريعة.
الجهات الرقابية السعودية حاضرة وبقوة في قطاع التجارة الإلكترونية، إذ لا يوجد أي نقص من أي نوع في هذا الإطار. وقد تحولت الوزارات والهيئات الرئيسة إلى العمليات الرقمية نتيجة لخطة أتمتة الأعمال واللوجستيات، ما أدى إلى تبسيط القواعد وتخفيف الإجراءات والمتطلبات المرتبطة بهذا المجال.
ومن أجل زيادة ثقة المستهلك ومكافحة الاحتيال، أصدرت وزارة التجارة قوانين تلزم تجار التجزئة الإلكترونيين بتوفير معلومات الكفالة على الفواتير، وتوفير خيارات دفع متعددة، وتتبع الطلبات، وإجراءات إلغاء الطلب، وتعليمات الإرجاع والاسترداد.
اقرأ أيضًا:دعم المشاريع الصغيرة "ريادة".. هكذا تُسهم المملكة في تمكين رواد الأعمال
قوة صندوق الاستثمارات العامة
وفي مجالي اللوجستيات والتجارة الإلكترونية، كان لصندوق الاستثمارات العامة دوره المؤثر والفعّال، ما سمح بالاستحواذ على حصص كبيرة في شركات تجارة التجزئة العالمية، وشركات التجارة الإلكترونية، ومقدمي خدمات الدفع، كما أدى إلى توسيع تواجده في سوق التجارة الإلكترونية السعودية.
ومن أجل تحديث وتوسيع الشبكة اللوجستية، قام الصندوق بالاستثمار كذلك في مزودي بنية التحتية المملوكة للدولة مثل الشركة السعودية للنقل العام، وطيران الرياض، والشركة السعودية للخطوط الحديدية، والشركة الوطنية السعودية للنقل البحري، والمواني السعودية العالمية.
مزايا المملكة العربية السعودية
وكشف تقرير للبنك الدولي عن تمتع المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين، بأعلى معدل استخدام للإنترنت من قبل الأفراد في العالم بنسبة تصل إلى حوالي 100%.
كما تتفوق المملكة العربية السعودية على صعيد انتشار الهواتف الذكية على مستوى العالم، وتصدرها في اشتراكات النطاق العريض المتنقل، واحتلالها المركز العاشر عالميًا في سرعة الإنترنت.
وتعد المملكة أيضًا عضوًا مهمًا في منظمة أوبك، إذ تشكل نسبة كبيرة من سكان دول مجلس التعاون الخليجي ومساحة الأرض والناتج المحلي الإجمالي، ما يعزز من وضعيتها ومكانتها بشكل كبير بالفعل.
وهناك ميزة إضافية تتميز بها المملكة تتمثل في قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث يعد هذا القطاع أكبر وأكثر تنوعًا وحيوية من نظيره في دول الإمارات العربية المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
كما تتبنى المملكة سياسات رائدة في مساعيها لتطوير التجارة الإلكترونية، حيث تدعم الشركات المحلية والعلامات التجارية السعودية من خلال مبادرات مثل دعم 100 علامة تجارية سعودية موجهة نحو الموضة. وتُوجَّه هذه الجهود لتعزيز مكانة المملكة كمركز رئيس للتجارة الإلكترونية في المنطقة.
وفي سياق آخر، يُتوقع أن يزيد النمو السريع في التجارة الإلكترونية في المملكة من التحديات مثل عدم المساواة في خدمات التوصيل، وصعوبات الحصول على موظفين مؤهلين. وعلى الرغم من ذلك، فإن الاستثمارات المستمرة والاتجاهات الإيجابية تشير إلى مستقبل واعد لتطور التجارة الإلكترونية في المملكة العربية السعودية.