محمد النغيمش يكتب: منابع السلطة الفردية
يمكن أن يستمد المرء قوته أو سلطته أو نفوذه، من مصادر عدّة، ليست كلها مرتبطة بمنصبه. فكم من شخص غادر منصبه، لكن ما زال الناس يعودون إليه نظراً لكونه خبيراً أو ضليعاً في مجال معين. وفي المقابل، تجد أن فئة من الناس ما إن تستقيل حتى ينفضّ الناس من حولها.
وفي دراسة كلاسيكية شهيرة، كشف لنا الباحثان فرنش، ورافن، في عام 1968، منابع السلطة الفردية أو القوة أو النفوذ Individual Power. هذه المنابع الراسخة هي: السلطة الشرعية، وسلطتا الثواب والعقاب، وهي سلطات ثلاثة يستمدها المرء من وظيفته. بمعنى آخر إذا أزيح هذا الرجل من ذلك المنصب، تقلصت معه سلطاته التي يستمد منها قوته. ولذلك نجد أن القيادي ما إن يفقد منصبه، حتى يجد نفسه غير قادر على مكافأة أحد، أو معاقبته، لأنه جرد من تلك العناصر المهمة في تأثير القياديين في من حولهم. ولذا كان من صور معاقبة الإدارة العليا لمسؤول ما، تجميدها صلاحياته، لتوقف ذلك النفوذ الذي قد يستخدمه في أي لحظة. ومنها مثلاً أن تزيل اسمه من قائمة المخولين بالتوقيع، فلا يستطيع أن يوقع أو يعتمد أي شيء.
وهناك سلطات أخرى مرتبطة بالفرد نفسه، بغض النظر عن منصبه، مثل سلطة التخصص (أو سلطة الخبير)، وسلطة المرجعية referent. ولذا كان المسؤول لا يحتاج إلى منصب، ليتحلى بسلطة الخبير الذي يرجع إليه الناس، وقت الاختلاف على مسألة شائكة. فهو بحكم أنه ضليع في تخصص محدد، قد يصبح مفضلاً لدى الآخرين، بحكم قوة تأثيره فيهم. ولذا قيل Knowledge is power أي المعرفة قوة.
ولحسن الحظ، فإن كل مصادر السلطة أو النفوذ، يمكن أن تنتزع من القائد، إلا سلطة خبرته ومرجعيته في مجال معين. ولذا تجد الخبير القانوني مثلاً، إذا ما أُقصي من منصبه، فإنه يبقى مرجعاً وخبيراً لمن حوله؛ يقصده القاصي والداني.
ولذا كان من الحكمة أن يستثمر الفرد بنفسه، حتى يكون عميقاً في مجال ما أو تخصص معين، وأكثر تأثيراً في من حوله، ممن يستندون إلى مناصب زائلة.
وبصورة عامة، فإن المنظمات يجب أن يكون فيها توزيع عادل للسلطة، حتى تحقق سلطة الأفراد تأثيراً إيجابياً. والمقصود، على وجه التحديد، منابع السلطات الثلاث المرتبطة بالمنصب وهي السلطة الشرعية، وسلطتا الثواب، والعقاب. وقد أثبتت دراسات عدة أنه كلما اعتمد القادة على مصادر السلطة الذاتية، مثل عمق خبرتهم وعلاقاتهم، فإنهم من المرجّح سيلاقون التزاماً من أتباعهم تجاه قراراتهم وتصرفاتهم. في حين أن الاستناد إلى منابع سلطة المنصب "الزائل" (الشرعية، والثواب والعقاب) فإنها في أفضل حالاتها تؤدي إلى التزام مؤقت من المرؤوسين، غير أنها في أسوأ حالاتها، قد تولد مزيداً من الاستياء والمقاومة، لمن لا توافق هواهم التعليمات، أو التوجيهات، أو القرارات الصادرة.