أسوأ زميل عمل!
وزعت قبل أيام أوراقاً على طلابي في الجامعة، وسألتهم ما صفات أسوأ زميل في فرق العمل. فكانت أكثر صفة "الكذب"، بعدها "غير المنتج" في فريق العمل، أي من يريد أن يظهر في الصورة، وهو لم يبذل الحد الأدنى المطلوب. ولا أظن أن الموظفين يخالفون هؤلاء في ذلك؛ فالكذاب يصعب جداً التعامل معه، لأن صدقيته في كل ما يقوله "مضروبة"، وهو مشروع ورطة متكررة. ولا يقل سوءاً عن الكذاب، من يراه العاملون "عديم إنتاجية"، لأن تقصيره سيكون مثل تأثير لعبة "الدومينو"، إذا سقط - أو قصر- تأثر كل من يقف خلفه.
ولذا لدينا في عالم الإدارة مقياس يمكن أن نقيس فيه نمط القيادي، من مدى شعوره تجاه أكثر موظف يتحاشى العمل معه (أسوأ زميل). هذا الموظف يسمى تحديداً "الأقل قبولاً" من وجهة نظر رئيسه. بعبارة أخرى: يعد التعامل مع هذا الشخص معاناة مستمرة لأسباب مختلفة، غير أن القائد يجد نفسه مضطراً للاحتكاك به - أو بها - لتسيير الأمور، وهي ضريبة التعامل مع البشر.
يطلق على هذه نظرية "القيادة الظرفية" الشهيرة، وقد كشف صاحبها فريد فيدلر، أن هناك أدلة علمية تشير إلى أنه حينما نصف شعورنا عند الاحتكاك مع هذا الموظف الذي "نكره" لحظات التعامل معه، فإننا سنكشف بوضوح عن أسلوبنا القيادي عموماً. فمثلما لا تظهر شخصيتنا الحقيقية أحياناً إلا في لحظات الغضب أو الانفعال، فإن العلماء يَرَوْن أن شعورك تجاه الموظف الذي تتحاشى التعامل معه، هو أصدق علاقة تظهر نمطك القيادي الحقيقي.
ولذلك تلجأ بعض المؤسسات في العالم إلى هذا الاختبار، لتعطي مؤشراً معيناً عن النمط القيادي للمسؤول المتقدم لشغر منصب ما. فكل ما هو مطلوب منه، تخيّل أكثر شخص كان أو ما زال يتحاشى العمل معه في مسيرته الوظيفية، ليس لأسباب كره أو محبة شخصية؛ بل لكونه يصعب معه إنجاز المهام المطلوبة، ثم يجيب عن أسئلة اختيرت بعناية فائقة، تصف العلاقة مع هذا الفرد. فقد تبين بالفعل أن حصول القائد على درجة عالية في "معدل التعامل مع الزميل الذي يتحاشى العمل معه"(LPC)، يعني أن القائد تحكمه العاطفة في التعامل مع الفرد، أما انخفاض الدرجة فيعني أن علاقته بمن يتعبه في العمل لا تؤثر بالضرورة فيه بوصفه قائداً، إذ يمضي في إنجاز العمل على أكمل وجه، بغضّ النظر عن علاقته بالموظفين المتراخين أو السيئين في العمل.
مشكلة أكثر موظف نتحاشى العمل معه، تكمن في أنه مثل "تسوّس الأسنان" إذا لم يعالج أو يقتلع، فإنه يضرّ ما حوله. والأسوأ حينما يتولى ذلك السيئ منصباً ما، فقد يكون سببا في جلب من هم على شاكلته، فتشيع ثقافة طاردة وغير منتجة في بيئة العمل. ولذا حينما نجد بيئة صحية، فذلك يعود إلى رجالها ونسائها المتفانين فيها، وليس لجدرانها أو آلاتها، أو جمالية ديكوراتها. فالبشر وحدهم من يجعلون العمل جنة من جنان الأرض، أو بؤرة من بؤرة التعاسة.