جاسم السعدون: لم افلح في القطاعين العام والخاص فأسست شركتي .
الكويت - فادية الزعبي:
عندما تكون العقول الفذة أصولاً ورأسمال ومنتجات أي شركة، فإن تقييم وزنها لا يقاس بالمال. تلك هي شركة "الشال للاستشارات الاقتصادية" وفريقها من الخبراء، التي أسّسها ويرأسها جاسم خالد السعدون الخبير والعقل الاقتصادي الكويتي المعروف.
عندما بدأ السعدون العمل بشركته عام 1981، كان المبلغ المتوافر لاستثماره لا يزيد على 36 ألف دينار كويتي (نحو 129 ألف دولار). ورغم أن أصولها حالياً تصل إلى 24.2 مليون دينار (نحو87 مليون دولار) فإن هذا المبلغ لا يعدّ مقياساً لحجم هذه الشركة التي يسعى لاستشارتها ويترقب تقريرها الاقتصادي الأسبوعي، معظم الشركات والمهتمين والدارسين في الكويت والمنطقة.
ولأن العقول هي رأس المال، فقد نجح السعدون في إبراز صدقية استشاراتها وتقاريرها، كما نجح في تجاوزها عواصف الأزمات الكويتية والعالمية، وخرج منها بأقل الخسائر، دونما أي دعم حكومي، بل وبدأ أحياناً من الصفر كما حدث إثر غزو الكويت.
يُضاف إلى هذا النجاح، ما يقدمه وشركته من استشارات ومعلومات مجانية تطوعية سواء للقطاع الحكومي أو البرلماني أو للطلبة الدارسين أو الباحثين.
وإذ يؤخذ على السعدون بعض توقعاته الاقتصادية المتشائمة، وتحذيراته مما هو آت، فإن الذين يأخذون عليه ذلك أنفسهم، يعترفون بصدقية تحليلاته وتوقعاته، ولكن بعد فوات الأوان. يروي جاسم السعدون قصة تأسيس شركة الشال للاستشارات الاقتصادية ونجاحه في ثباتها وانتشارها وتخطيها للأزمات فيقول: "الشال" لم تطرح فكرةً، وإنما جاءت خلاصة ظروف، فإنني بعد أن عملت بإخلاص وصدق موظفاً في القطاعين الحكومي والخاص، لم يحتمل أي من القطاعين صدقيتي، فأسست شركة ا"لشال". "الرجل" واكبت مسيرة جاسم السعدون العملية في الحوار التالي:
* الصدقية في العمل هي الصفة المطلوبة، فكيف لم يحتملها القطاعان العام والخاص؟
- نبدأ بالقطاع العام؛ بعد تخرجي مباشرة، عملت في مجال تخصّصي الاقتصادي في بنك الكويت المركزي لأكثر من 10 سنوات. وأثناء عملي في دائرة البحوث، أعددت دراسة طويلة عن الوضع الاقتصادي في الكويت وسياساته الخاطئة وضمنته تنبؤات مستقبلية.
وحينما أردت نشر تلك الدراسة، اشترطوا عليّ تحكيمها أولاً ثم إجازتها. وفعلاً تم تحكيمها وإجازتها، ولكنهم قرروا عدم نشرها، فنشرتها خارج البنك المركزي. ورأى مسؤولو البنك تصرفي هذا تحدياً لقرارهم.
ثم تطوّرت الأمور وتمّ نقلي إلى شؤون العاملين، إلى أن فوجئت بكتاب فصلي من البنك معللاً بأنني لم ألتزم بالدوام في شؤون العاملين، وأنني تغيّبت 15 يوماً رغم إنني لم أتغيب يوماً واحداً.
* هذا في القطاع العام، فماذا عن القطاع الخاص؟
- على الأثر تركت البنك المركزي عام 1979. وعُرض عليّ العمل في شركة تعمل داخل الكويت، ولكنها خليجية المنشأ، وهي شركة مركز الخليج المالي. فوضعت ثلاثة شروط للعمل فيها أولها ألا يضارّ بلد المنشأ، ولا تضارّ الكويت البلد الذي تعمل فيه الشركة، وأن يؤخذ رأيي قبل دخول الشركة في أي استثمار يتعلق بسوق الكويت للأوراق المالية إبّان رواج سوق المناخ في الكويت، فأكتب فيه تقريراً يضم رأيي بالموافقة أو عدم الموفقة، وذلك حتى لا ينسب لي قرار الاستثمار إذا كنت غير موافق عليه.
وبعد مرور 4 إلى 5 أشهر من المفاوضات، وافق ملّاك الشركة على شروطي، وعملت فيها 11 شهراً إلى أن تغيّر مجلس إدارتها، فأبلغني المجلس الجديد أن شروطي الثلاثة لم تعد قائمة. وهذا إخلال بالعقد الذي أبرمته معهم، فأعطوني بقية حقوقي في العقد عن 13 شهراً وتركت العمل معهم.
وهكذا لم أفلح في العمل في القطاع العام ولا في القطاع الخاص.
* وكيف أسّست شركتك الخاصة؟
- كان بعض الإخوة قد نصحوني بأن استخرج رخصه شركة خاصة بي؛ هذه النصيحة جاءت قبل أن أتعيّن في شركة مركز الخليج المالي، أي عندما كنت عاطلاً عن العمل. وحصول العاطل عن العمل على رخصة تجارية لشركة أسهل من حصول الموظف عليها. فاستخرجت رخصة شركه متخصّصة في التجارة العامة والمقاولات لعلّي أحتاجها في يوم من الأيام. واستوفيت جميع الشروط إلا شرطاً واحداً هو توفير رأسمال الشركة ومقداره ربع مليون دينار (نحو 825 مليون دولار) الذي لم أكن أملكه. وأبلغت وكيل وزارة التجارة يومها بأنني لا أملك المبلغ، وبأنني سوف أستعيره لبضعة أيام ثم أعيده لأصحابه، وقال لي لا بأس إنه شرط ليس لحاجة العمل وإنما لفرز الجاد من عدم الجاد في طلب الرخصة، فاستعنت بأقاربي في توفير المبلغ، ثم أودعته في البنك وحصلت على ترخيص شركه تجارة عامه ومقاولات. ولم أستخدم المبلغ المودع، لأنني باشرت العمل في الشركة الخليجية "مركز الخليج المالي" بعد حصولي على الترخيص مباشرة.
وعندما تركت العمل في تلك الشركة، وجدت ترخيص شركتي الخاصة جاهزاً لأعمل فيه، خاصة أنني كنت راغبا كثيراً في العمل بمجال هوايتي وتخصّصي، وهو الاقتصاد.
* ما سرّ اختيارك اسم "الشال" لشركة استشارات اقتصادية؟
- ببساطة هو الاسم الذي لم نجده مكرراً بين أسماء الشركات المسجلة في وزارة التجارة والصناعة. فبعد أن وضعت قائمة طويلة بأسماء مقترحه للشركة، وجدت أن جميع تلك الأسماء قد سبقني آخرون إلى استخدامها، وأمضيت ثلاثة أيام أتردّد فيها على الوزارة وأعرض أسماء لشركتي الجديدة فأجدها متكررة.
إلى أن ضقت ذرعاً بهذه المهمة البسيطة والصعبة، فتوجهت إلى الموظف المكلف تسلّم الطلبات قائلاً له "لقد نفد صبري، أرجو أن تختار لي أي اسم سواء .. ميم .. دال ..شال .. أي اسم بس خلّصني."
فرد الرجل "اسم شال غير مكرر." وهكذا سمينا الشركة "الشال".
وهكذا بدأت. وقررت أن أنشئ مكتباً للاستشارات باسم "مكتب الشال". فاستخدمت المبلغ الذي حصلت عليه من بقية عقدي مع الشركة الخليجية في فتح المكتب وتأثيثه وتوظيف عمالة رئيسه صغيرة فيه، وعمل معي في منصب نائب رئيس الشركة زميلي في الشركة الخليجية محمد اليوسفي الذي ترك العمل فيها في الوقت نفسه الذي تركته أنا، وبدأ معي تأسيس المكتب.
افتتحت المكتب في مارس 1981، في مبنى سوق الصفاة، وتكلف افتتاحه بين إيجار، ومقدم، وأثاث قليل، ورواتب ثلاثة موظفين، نحو 36 ألف دينار (129 ألف دولار). وكان هذا المبلغ كافياً لشركة يعدّ رأسمالها هو الجهد البشري، كونها شركة استشارية.
* في أغسطس عام 1982 حدثت أزمة المناخ (البورصة) في الكويت، فكيف تعاملتم مع عملائكم؟
- بدأنا العمل الاستشاري في "شركة الشال للاستشارات"، وكنا محظوظين، فما أن فتحنا الباب حتى جاءنا مجموعة من عملائنا الذين كانوا يعرفوننا في الشركة السابقة التي عملنا فيها. ومع بدء العمل اتخذنا أول قرار في إبريل1981، هو أن نقوم في ذلك الوقت بتخفيض أصول عملائنا في سوق المناخ (الذي كان مزدهراً في ذلك الوقت) من 80 % إلى 20 %، واستغرق هذه العمل نحو سنة وأربعة أشهر لتقليص تلك الأصول إلى 20 %.
طبيعي قاوم عملاؤنا تلك الاستشارة التي قدمناها لهم، خاصة أنها جاءت في وقت رواج سوق المناخ، حينما كان الجميع يحققون أرباحاً في ذلك السوق. ولكن عندما حدثت أزمة المناخ تأكدوا من صحة قرارنا واستشارتنا، فقمنا بتحصيل شيكاتهم، ودفع كل التزاماتهم، لأنها كانت مسجلة باسم مؤسسة الشال.
بعد فترة، واجهت الشركة فترات عصيبة في بداية عملها، خاصة أن توقيت افتتاحها كان في بدايات الثمانينات.
فبعد أن توسّعت قاعدة عملائنا، عشنا فترة كانت شديدة الصعوبة امتدت من بعد عام 1982 إلى الغزو عام 1990. وقد اتسمت هذه الفترة بتراجع أسعار النفط بقوة، ونشوب الحرب العراقية الإيرانية. فكانت الأمور الأمنية والسياسية والمالية صعبة، ولكننا استطعنا أن نبحر في هذا الوسط العاصف جداً.
تلا تلك الفترة العصيبة وقوع كارثة الغزو العراقي للكويت عام 1990، فأصبنا بضربة أخرى خسرنا فيها جزءاً كبيراً من رأسمالنا البشري وقاعدة معلوماتنا وعقودنا وكل شيء تقريباً.
وعندما تحررت الكويت عام 1991 أعدنا بناء كل شيء، فبنينا قاعدة معلوماتنا، وأعدنا التواصل مع عملائنا، وأعدنا بناء رأسمالنا البشري. أي بدأنا من الصفر. ولكن الحمد لله بعد سنتين سارت الأمور بشكل طبيعي.
ويمكن القول إننا استطعنا النموّ في ظروف صعبة جداً، وقد ساعدتنا خبرتنا السابقة على النمو في ظروف صعبة والتي عشناها في الثمانينات.
* هل يعني ذلك أنكم بدأتم فترة الرواج؟
- هذا صحيح.. ففي سنة 1997، قررنا أن "نكبر قليلاً". وبعد 3 إلى 4 سنوات، قررنا أن نكون شركة مدرجة باستثمار أموال خاصة بالشال. وتحقق ذلك في سنة 2001 . حيث اشترينا شركة مدرجة في وقت كانت فيه سوق الكويت للأوراق المالية غير رائجة، وأسعار السوق هابطة. كان اسم هذه الشركة "المستشارون الماليون العرب" وكان رأسمالها ثلاثة ملايين دينار. فخفضنا رأسمالها بحجم خسائرها إلى 2.4 ملايين دينار، ثم قمنا بتغيير اسمها إلى شركة "الشال للاستشارات والاستثمار" وقمنا بإعادة بنائها من جديد.
وباشرنا العمل في تلك الشركة بخطين متوازيين الأول الاستثمار والثاني الاستشارات، إلى أن جاءت سنة 2005 وكانت سنة رائجة، والشركة مدرجة، فبعنا أصول الشركة، وبعنا حق الإدراج، ولكن لم نبع اسم الشركة، ولا مقرها، ولا قاعدة العملاء، ولا قاعدة المعلومات، واحتفظنا بالعاملين في الشركة. أي بعنا ترخيص شركة الاستثمار فقط ، وإدراجها في البورصة وصافي حقوق مساهميها وأصولها وكان السعر بالنسبة لنا كبائعين جيداً بقيمة إجمالية بلغت 11 مليون دينار.
ثم قمنا - نحن الموظفين والعملاء - بعدها مباشرة بتأسيس شركة جديدة برأسمال 15 مليون دينار هي شركة الشال للاستثمار، التي أسست بدورها شركة الشال للاستشارات برأسمال مليون دينار "مدفوع نصفه".
والشركتان حاليا موجودتان في برج السحاب بمنطقة الصالحية، وتقومان بعمليتي الاستثمار والاستشارات.
كذلك قمنا بتأسيس شركة عقارية "الشال العقارية" ولكن تزامن تأسيسها مع انفجار أزمة العالم المالية في خريف عام 2008، فقمنا بتجميد تفعيلها للتغيّر السلبي الكبير الذي أصاب سوق العقار المحلي وبعض أسواق الإقليم، وحافظت الشركة على قيم أصولها ولكنها لم تمارس أي عمليات تطوير، وبها اكتملت بنية شركة الشال بتخصصاتها الثلاثة، الاستثمار والاستشارات والعقار.
* هل ينحصر نشاطك الشركة في السوق الكويتي؟
- السوق المحلي هو السوق الرئيس للشال، إلا أن الشركة تمتلك مكاتب خارجية عدة تدعم نشاطها، أحدها في دالاس (في تكساس) والثاني في لبنان، والثالث في سورية، والرابع شركة خدمات اقتصادية في قطر، وشركة في السودان، وشركة استشارية أخرى في المغرب.
والغرض من هذه المكاتب والشركات هو خدمة عملاء الشركة في مواقع وجودهم أو وجود استثماراتهم، والتقاط فرص الاستثمار لهم، لأننا متخصصون في الاستثمار المباشر.
كما قمنا بفصل الاستثمار غير المباشر (وهو استثمار في الأوراق المالية) عن الشال للاستثمار، وأسهمنا بـ 30 ٪ في شركة استثمار كويتية هي شركة «ثروة» وبذلك أصبح الاستثمار غير المباشر مخصصاً لشركة زميلة هي «ثروة».
* لجذب العملاء تخصّص الشركات مبالغ للإعلان عنها في الصحف والفضائيات، فلماذا لا نرى لـ "الشال" إعلانات؟
- نحن نركز في جميع شركاتنا على ناحيتين، المهنية والأخلاقية، فمن الجانب المهني نقوم بمتابعة مستمرة لما يحدث في العالم من تطور متواصل، وملاحقة تلك التطورات، أما الجانب الأخلاقي فإننا لا نراهن على اكتساب عميل ما لم نكن صادقين معه، فإن لم نكن أفضل من يقدم الخدمة المطلوبة لذلك العميل، فإننا ننصحه بالذهاب لشركة أخرى.
ولذلك، نحن لا نلجأ أبداً لتسويق أنفسنا ولا ننشر إعلانات للترويج لشركتنا، فتسويقنا يتم من خلال أعمالنا، كتقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي مثلاً، ولا نقنع عميلاً بالمجيء إلينا، فإن لم يأت بمفرده فنحن لا نذهب إليه لإ قناعه. ويبدو أن منهجيتنا وأخلاقياتنا يراها البعض خارج نطاق الزمن الذي نعيشه، لكنني أعتقد أنها في التوجه الصحيح.
كما أن نتائجنا جيدة دائماً؛ فنظراً لمنهجيتنا المتحفظة، فإننا نحقق أرباحاً معقولة في ظروف رواج السوق، وبالمقابل نكون أفضل الشركات أداءً في حال الكساد.
وهذه مدرسة من مدارس الاستثمار. وإذا قسنا مستوى الأداء على المدى الطويل فإجمالي نتائجها تؤكد أننا إحدى أفضل الشركات القائمة.
* ما قصة تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي الذي تحرص الصحف والمواقع الكويتية وغير الكويتية على نشره كل يوم أحد؟
- بدأت شركة الشال بإصدار تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي عام 1984 وكان يتضمن مؤشراً لأداء البورصة وشركاتها المدرجة، وهو أول مؤشر يصدر في الكويت لأداء السوق، إلى جانب مؤشر آخر للشركات الخليجية.
واستمر هذا التقرير الخاص بالسوق حتى غزو الكويت عام 1990، ولأنه كان المؤشر الوحيد فقد حصل على الشهرة.
وبعد تحرير الكويت، بدأنا في شهر مايو 1991 بنشر تقرير اقتصادي موسّع، والسبب أن التقرير السابق للغزو كان متخصصاً بأداء السوق، وبعد التحرير مباشرة كان السوق متوقفاً. وكانت جميع مؤسسات الدولة معطلة والناس تريد معرفة الأخبار الاقتصادية. ولهذا بدأنا بنشر التقرير في 10 مايو 1991 تقريراً اقتصادياً شاملاً، وكان هدفنا أن يكون تقريراً مؤقتاً إلى أن يتم افتتاح السوق، وتعود المؤسسات الأخرى الحكومية وغير الحكومية لتنشر تقاريرها.
وعندما عادت السوق للعمل، وبدأت المؤسسات عملها، قررنا العودة للتخصص بنشر أداء السوق فقط في تقريرنا، ولكن عملاءنا الذين يصلهم تقريرنا، طالبوا باستمرارية إصدار تقريرنا كونه تقريراً حيادياً. ونزولاً عند رغبة عملائنا وقراء تقريرنا، واصلنا إصدار تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي، فزاد حجم قرائه.
وقد وجدنا أن إعداد التقرير رغم صعوبته، يحقق للشركة مكسبين مهمين، أولهما متابعة جميع الأحداث حول العالم بدقة وتحليل، حتى نتمكن من إعداده بشكل جيد، وثانيهما أنه أفضل دعاية لشركة الشال. ونحن نرسل حالياً من ذلك التقرير نسختين بالإنجليزية والعربية لمئات عدة من عملائنا داخل الكويت وخارجها، عدا الذين يدخلون موقع الشال الإلكتروني للحصول على التقرير الذي يسجل طلباً متزايداً من قبل الباحثين والدارسين، مع العلم أن معظم قراءات التقرير مصدرها ما ينشر في الإعلام المقروء نصاً أو تعليقاً.