هذا هو الجانب المُظلم للإبداع والذي لم يتحدث عنه أحد

فلنفترض أنك نسيت أن اليوم عيد ميلادك حبيبتك، وتعلم أنها تُحب وتقدّر أبسط الأشياء التي تقدمها إليها مثل باقة من الزهور، ولكن الوقت كان متأخرًا وأماكن بيع الزهور والورود مُغلقة، فتقرر التوجه إلى إحدى المستشفيات وتأخذ باقة ورد رائعة موضوعة أمام غرفة أحد المرضى، ومن ثم تعود إلى منزلك وتقدمها إلى زوجتك والتي تشعر بالسرور الشديد. فهل يؤذي ما فعلته أحدًا؟

هذه ليست مُعضلة إخلاقية بقدر كونها سوء سلوك ينم عن إبداع، ولنكون أكثر وضوحًا فإنه مثال للجانب المُظلم للإبداع، الجانب الذي لا يعترف به سوى عدد قليل جدًا من الناس يجرؤون على التحدث عنه. وغالبًا ما يُشار إلى هذا النوع من الإبداع على أنه عملية خبيثة أو سلبية لأنه لا يخدم سوى الشخص وحده.

دعونا نقوم بتحليل المثال السابق ذكره، أنت هنا لم تلحق الضرر بأي شخص، على العكس تمامًا أخذت باقة ورد لن يستفيد منها المريض في المستشفى ومنحتها لشريك حياتك المنزعج، وجعلته سعيد وتفادي الوقوع في مشكلة لأنك نسيت عيد ميلاده، هذه صفقة رابحة تمامًا، ولكن على الجانب الآخر أنت قمت بالسرقة، ما يعني أنك قمت بشيء غير أخلاقي.

كيف تمنع نفسك من قتل الابداع والابتكار داخلك؟

هل الابداع قوة إيجابية دائمًا؟

يتعامل الأكاديميون والعلماء والباحثون الاجتماعيين مع الإبداع على أنه قوة إيجابية لا يجب استخدامها سوى في تحقيق الصالح العام، وهو الأمر الذي رفض الفلاسفة وبعض الباحثين الآخرين الاقرار به، وكان من بينهم روبرت ماكلارين، البروفيسور في جامعة ولاية كاليفورنيا، والذي رجح أن الابداع له جانب مُظلمًا، وأن التعامل معه على أنه أداة يجب استخدامها لتحقيق المصالح الاجتماعية والأهداف الاخلاقية، سوف يؤدي إلى عدم فهمه بوضوح.

ومع مرور الوقت، أصبح هناك الكثير من المفاهيم الجديدة المتعلقة بالإبداع، والتي تربط بينه وبين الغش والسرقة، والكثير من الأمور غير الإخلاقية، مثل ابتكار طرق جديدة لشن هجمات إرهابية، أو سرقة البنوك وما غيرهم الكثير.

وإليك مثال لتوضيح ذلك، لنقل إنك تريد حضور حفل ولكن التذاكر نفدت، قد يحاول شخص لديه جانب مُظلم من الإبداع ويقنع الحراس بأنه أحد منظمي هذا الحفل أو يُخبره بأن تذكرته مع أحد الأشخاص المتواجدين بالداخل فيتمكن من حضور الحفل في نهاية المطاف، وفي المقابل قد يحاول شخص مُبدع آخر ولكنه يراعي الأخلاقيات والآداب العامة حضور الحدث من خلال أقامة حملة ضد أو لصالح الحفل، فيتمكن من الدخول أيضًا.

على طريقة أفلام هوليوود.. كلمة سر تحرم 100 ألف شخص من مستحقاتهم (فيديو)

السؤال الذي يجب طرحه هنا يجب أن يكون أي من هذين الحلين يجب استخدامهما، وللإجابة على هذا السؤال لجأ عالم النفس عزيز الدين خان إلى تقنية يلجأ إليها علماء النفس، والتي تعتمد على التعامل مع المشكلة من خلال أربعة أمور متعلقة بالابداع، وهي الشخص (الفرد الذي يقوم بالفعل)، والعملية (الاستراتيجية المستخدمة)، والمنتج (النتيجة الابداعية نفسها)، والوضع النهائي. وبعد سلسلة من التجارب، خلص إلى أن الأشخاص ذوي معدلات الذكاء العالية جدًا يلجأون إلى الابداع المُظلم أو السلبي، لأنهم يعانون من بعض السمات أو الصفات السلبية مثل الكذب، ويميلون إلى الكذب وخداع الآخرين.

الإبداع المُظلم قد يكون مفيدًا  

أكدت الدراسات والتجارب، والتي كان من بينها تجارب عزيز الدين خان، أن الجانب المُظلم من الابداع موجود حقًا، ومن المهم الاعتراف به وفهمه، خاصة وأن الناس من الممكن أن يتأذون بسبب لجوء البعض إليه من أجل تنفيذ ما يريدون.

وبعد التأكد من وجود الجانب المُظلم من الابداع، يحث العلماء على ضرورة الاستفادة منه من أجل تحقيق مصالح الآخرين، فلنقل مثلاً أن موعد عيد ميلاد صديقك المقرب اقترب كثيرًا، وتريد إقامة حفل مفاجئ له، فبإمكانك استخدام قدرتك على الإبداع السلبي في التخطيط والتنظيم له، بهذه الطريقة سوف توجه طاقتك المُظلمة لإدخال السرور في قلوب الآخرين.

وعلى مدار الأعوام الكثيرة الماضية جرى استخدام الابداع المُظلم من أجل تحقيق المصالح التجارية، ولجأت العديد من الشركات إلى استخدامه في حملاتها الاعلانية لتشويه صورة منافسيها، ويوجد الكثير من الحملات الاعلانية الخاصة بشركات المياه الغازية، ومطاعم البرجر، ومنتجات القهوة التي تقوم على التلميح بأن منافسيها أقل جودة. بالتأكيد هذه طريقة مخادعة للوصول إلى المستهلك، ولكن لا يجب إنكار أن الأشخاص الذين نفذوها مبدعين، وتمكنوا من زيادة أرباحهم وهذا هو المطلوب في كل الأحوال.

ومع ذلك، يجدر الإشارة إلى أنه الابداع المُظلم جرى استخدامه في الكثير من الأشياء غير الاخلاقية، مثل القرصنة الإلكترونية، وابتكار طرق جديدة للانتحار، وهذا ما دفع الكثير من العلماء والباحثين الاجتماعيين والنفسيين إلى الاقرار بأن الابداع مثل أي كل أي شيء آخر، فهو سلاح ذو حدين من الممكن استخدامه لتحقيق الصالح العام، أو الاضرار بالبشرية كلها، لذا من الضروري وضع مجموعة من الضوابط الأخلاقية التي تساعد على الحصول على فوائده وتجنب أضراره.

المصدر