راكان طرابزوني يكتب لـ«الرجل»: المرشد
قبل بضعة أيام كنت متحدثًا في جلسة حوارية - من تنظيم المجموعة التطوعية Project 1932 التي تعنى بتدريب الشباب من الجنسين، حديثي التخرج من الجامعات، أو في آخر سنة جامعية - عن الصفات القيادية وتمكينهم للمرحلة القادمة من حياتهم العملية. وقد أسعدني حماس الشباب من الحضور وتفاعلهم في الجلسة الحوارية وشغف التعلم لديهم. ولمن لا يعرف البرنامج، فطريقة عمله تكمن في ربط شاب حديث التخرج بشخصية قيادية ذات خبرة في مجال عمله وجعل الخبير مرشدًا (Mentor) للشاب، بحيث يقوم الاثنان بالالتقاء بصفة دورية خلال دورة البرنامج التي تستمر عدة أشهر، يقوم خلالها المدرب بمساعدة الشاب على تعلم الصفات القيادية والمهارات المطلوبة لمكان العمل التي يحتاج إليها الجميع بغض النظر عن مجال عملهم.
أنا شخصيًّا أستخدم مبدأ المرشد منذ بداية حياتي المهنية، حيث إنه كان دائمًا لدي مرشد ألجأ إليه بصفة دورية، وقد تعلمت هذه الطريقة منذ أيام الجامعة في أمريكا، وأعجبت بالفكرة وطبقتها على نفسي منذ ذلك الوقت. ففكرة أن يكون لك مرشد شخصي يساعدك على رؤية الصورة بطريقة أوضح وأن يكون لك شخص تلجأ إليه حين تحتاج إلى رأي سديد ينير لك الطريق، فتلك نعمة لا تقدر بثمن. وقد ساعدني المرشدون الذين استعنت بخبراتهم على مر السنين في كل أمور حياتي العملية والشخصية.
فكرة المرشد ليست أن يكون لك معلم في مجال عملك، إن كان المحاسبة، أو الهندسة، أو البرمجة، أو أيًّا كان مجال دراسة وعمل الشاب، وإنما أن يكون لديك مرشد تثق بحكمته وحنكته في الحياة. دور المرشد لا أن يأخذ بيدك لبر الأمان، وإنما أن يرشدك لمكان القارب وكيفية استخدامه، وعليك أن تقرر هل تتبع إرشاداته أم لا. فالمرشد لن يقول لك ما الذي يجب أن تفعله في موقف معين، وإنما تمكينك لرؤية الموقف بصورة أوضح، وإرشادك لكل الأدوات التي تستطيع استخدامها، ولكن عليك أن تقوم باتخاذ القرار المناسب لك بنفسك. ومن مميزات المرشد أيضًا أنه يستطيع أن يرى الأمل فيك حتى وإن كنت أنت لا تستطيع أن تثق بنفسك أو أن ترى قدراتك.
ونصيحتي أنه مهما كانت خبرتك العملية وعمرك، إن كنت من حديثي التخرج أو المخضرمين الناجحين في عملهم، أن تتخذ مرشدًا لك. فمهما كنت ناجحًا وخبيرًا، فهناك من هو أفضل منك وأحكم منك، فلا تغتر أو تتعال، وتواضع أمام الحكمة والعلم دائمًا. وديننا يحثنا على التعلم والبحث عن الحكمة دومًا، وكما في الأثر، الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها. قد يكون البحث عن المرشد ليس بالأمر السهل، ولكن هو اليوم أسهل منه في السنين الماضية حيث توجد كثير من المنصات المتخصصة لهذه الأمور، ومنها المنصة التطوعية Project1932 التي ذكرتها في بداية المقال. وقد يكون المرشد شخصًا تعرفه بصفة شخصية وتثق بفكره وحكمته، من الأسرة أو الأصدقاء. المهم ألا يكون المرشد مديرك المباشر، ففي ذلك تعارض في المصالح ولن يستطيع المرشد أن يكون حياديًا بحكم منصبه وسلطته عليك. وقد يكون المرشد في بلد آخر وتلتقيان أونلاين بصفة دورية، وليس من الضروري معرفته أو معرفتها بصفة شخصية من قبل، ولكن التوافق الفكري مهم، حيث إنه بطبيعة الحال لن نتحاور مع شخص لا نشعر بالارتياح في التحدث معه.
"الأذكياء يتعلمون من كل شيء وكل الناس، والعاديون يتعلمون من خبراتهم، أمّا الأغبياء فلديهم كل الإجابات"
- سقراط