"Napflix".. عندما ترفع منصة أفلام "الملل" شعارًا!
الأشياء لا تُعرف إلا بنقيضها، لذا فالملل أيضًا مفيد مثله مثل الإثارة والتشويق.
يشترك الناس في منصات الأفلام ومقاطع الفيديو المشوقة والمثيرة كي يطردوا الملل من حياتهم. حتى إن البعض يطلق على صناعة السينما والتلفزيون أنها صناعة المتعة والتسلية. لكن هل فكرنا يومًا أن هناك منصة فيديو مختصة أصلاً بالفيديوهات المملة؟ ندخلها حين تكون أدمغتنا في أوج نشاطها لتهدأ قليلاً وتمل؟ نعم بالفعل، هناك منصة خاصة بعرض مقاطع فيديو مملة تساعد مشاهديها على الشعور بالنعاس وأخذ قيلولة. لذلك أطلق عليها البعض "منصة نوم القيلولة".
منصة "نابفلكس" "Napflix" أو "منصة نوم القيلولة" هي منصة إسبانية أُنشئت بغرض التشجيع على نوم القيلولة بعد دراسة خلصت إلى قُرب انقراض هذه العادة عند الشعب الإسباني. وتقرر تسميتها على نحو ساخر باسم شبيه لمنصة "Netflix" التي تجذب جمهورها بأفلام ووثائقيات باهرة تشجعهم على تسلية الوقت والتعلم، ليكون الاسم مشابهًا والغرض مضادًا.
تُعرف المنصة نفسها بأنها تعرض أكثر الفيديوهات "المنومة" و"الصامتة" كي "تحارب الأرق"، وتخاطب متابعيها قائلة إنهم إذا كانوا يعانون همدان الجسم وصحوة العقل وكثرة التفكير، فعليهم مشاهدة مقاطع الفيديو كي "يغطوا في نوم عميق".
ضمن الأفلام المعروضة على المنصة هناك مقاطع تزيد مدتها على نصف ساعة لكرات تجري في طرق وسط رمال الشاطئ، وأخرى عن حصاد التفاح، وثالثة عن مسابقات الكرة الحديدية، وتمثيليات بحيرة البجع وحرق الشموع، والمطر على النوافذ، أو حتى مباريات الشطرنج دون اختصار، تعرضها لك بمدتها الحقيقية.
أحد الفيديوهات المثيرة للإعجاب التي أنتجها الموقع بنفسه تحت عنوان "Napflix Originals" أو "فيديوهات إنتاج نابفلكس" هو مقطع مدته 9 ساعات كاملة لمروحة مكتب تتحرك. لا شيء سوى حائط أخضر فاتح خلف مروحة تتحرك يمينًا ويسارًا. يحاكي الموقع في هذا الفيديو المقاطع المنتشرة عن صوت البحر مثلاً أو صوت الزحام التي يشغلها الناس عادة للمساعدة على الانفصال عمن حولهم إما للتركيز وإما هدوء الأعصاب للنوم فيما يُعرف بـ"الضجة البيضاء".
وعلى امتداد الخط، لم تعد تلك المقاطع مخصصة للكبار فقط ممن تعج أدمغتهم بالأفكار، بل من بينها مقاطع فيديو ليسترخي الأطفال ويكفوا عن البكاء. فالأطفال في الفترات الأولى من حياتهم يشعرون أن هذا العالم غريب عنهم، يخافون ويتوترون طوال الوقت، عاشوا 9 أشهر وتكونت أدمغتهم داخل الرحم يسمعون أصواتًا مثل أصوات مياه البحر ودقات القلب من بعيد، فجأة أصبحوا في عالم مليء بأصوات بشرية وغير بشرية لا يعرفونها. ومن هنا جاءت الفكرة، لمَ لا نُسمع الأطفال الأصوات التي اعتادوها كي نريح الأمهات والآباء من عناء السهر ولو قليلاً؟ فأنتجت مقاطع فيديو لأصوات رحم الأم ودقات قلبها، يسمعها الطفل فتهدأ أعصابه لأنه يسمع ما كان معتادًا عليه طوال 9 أشهر وينام.
اقرأ أيضًا:"تفاصيل استثنائية".. أفضل أفلام الخيال العلمي المنتظرة في 2024
ويُلاحظ أيضًا أن إضاءة الموقع نفسه منخفضة وداكنة حتى لا تحفز هرمون الميلاتونين لدى من يشاهدها فتصعب عليه عملية النوم. ومن المعروف أن هرمون الميلاتونين أو "هرمون الظلام" ينتج داخل الدماغ البشري لتنظيم الساعة البيولوجية والمساعدة على عملية النوم والاستيقاظ. فالهرمون ينشط بالضوء ويقل بانعدامه. ولهذا يُنصح بعدم استخدام الشاشات أو التعرض للضوء الأزرق قبل النوم بساعتين على الأقل حتى لا يحفز الضوء هرمون الميلاتونين فيصيب الإنسان بالأرق.
لا يخفى على أحد فوائد القيلولة، فقبل كل شيء هي وصية نبوية، لما لها من فوائد في الاسترخاء، وتعزيز الإنتاجية، وتحسين المزاج، وزيادة قدرة المخ على الاستيعاب. ومن هنا جاءت فكرة كل تلك الفيديوهات المكررة، أو حتى الصامتة حتى يستطيع من لا يقدر على أخذ قيلولة أو حتى النوم ليلاً، أن يجد العون وتزيد إنتاجيته بعد أن يصحو.
تشير شبكة "بي بي سي" إلى أن اليابان أقرت قانونًا جديدًا وأدخلته حيز التنفيذ يضع حدًا أقصى لوقت العمل الإضافي لمكافحة ثقافة العمل لساعات طويلة، ما قلص ساعات النوم لدى العاملين.
وبدأت هناك الشركات في تشجيع موظفيها على نوم القيلولة. وفي إحدى شركات التكنولوجيا في العاصمة طوكيو يفوح عطر زيت البنفسج بإحدى الغرف غير المستخدمة في الاجتماعات خلال ساعة الراحة لمساعدة الموظفين على المقاعد المريحة على الخلود للنوم لمدة ساعة واستئناف أعمالهم بعدها.
وتشير الدراسات العلمية إلى أن 1 من كل 3 بالغين يعانون الأرق عالميًا. ويرى فيكتور غوتيرييس ديتينا أحد مؤسسي موقع "Napflix" أن "الفكرة في المنصة هي جعل الترفيه مملاً" وفقًا لما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية على لسانه. ويضيف قائلاً: "قد تكون منصتنا محاكاة لأفلام ما بعد الغداء التي كنا نشاهدها ونحن أطفال فنشعر بالنعاس، تلك الأفلام البسيطة لدرجة أنك لا يفوتك شيء من قصتها إذا غفوت عنها".
فإذا كان أصدقاؤك ينتقدونك لأنك تشاهد المسلسل نفسه مرة بعد مرة، ويتهمونك بالملل؛ فلا تحزن. القصة لها أساس علمي، لأن الحلقات التي تعرف أولها من آخرها ولا تخش أن يفوتك شيئًا من أحداثها إذا غفوت تساعدك على تهدئة الأعصاب في نهاية اليوم، أو في يوم الإجازة وتشعرك بالنعاس، وتخفف حدة الضغط عليك، ولا تتعب خلايا المخ في التفكير والفهم واستنباط الحبكة. فالملل أيضًا مفيد.