د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: ماذا نقول في ثنايا أحاديثنا؟
حينما تسترسل المرأة في كلامها مع معشر النساء فإنها عادة ما تستلذ في تعميق مشاعر الألفة معهن، وتعزز من نقاط الالتقاء باختيار هموم مشتركة للفضفضة، في حين أن الرجل عندما يسترسل في حديثه فإنه يميل نحو تعزيز مكانته الاجتماعية status وتعريف نطاق استقلاليته. والمفارقة أن المرأة أكثر ميلاً نحو مشاركة الآخرين بتفاصيل حياتها الشخصية مقارنة بالرجل. فمجتمع الذكور يرون في تلك الألفة أو الصداقة الحميمة intimacy اختراقًا لحدود الثقة لا ينبغي تجاوزه بحسب أستاذة اللغويات في جامعة جورج تاون "ديبورا تانن" في كتابها الجميل "أنت لا تفهم: النساء والرجال في الحوارات".
والناظر إلى واقع الحال يلحظ أن طبيعة حوارات الرجال تنحو باتجاه تبادل المعلومات، والمعرفة، والحقائق في حين تدور قضايا النساء حول "مشاعرهن" تجاه الأحداث، والضغوط، والتصرفات المحيطة. ولذلك قالت الباحثة "آلين ويلر" في كتابها «المرأة والرجل أسرار لم تكشف بعد»: "إن دماغ المرأة مفطور على مراقبة الناس وفهم تصرفاتهم والتأكد من أنهم بحالة جيدة". وهذا ما تكتشفه الأذن الواعية بإصغائها جيدًا لثنايا أحاديث المرأة ونظراتها التي تدور حول تلك المقولة. طبعًا لكل قاعدة شواذ.
وقد قرأت في أكثر من دراسة حللت بعمق حوارات النساء والرجال أن الذكور أكثر ميلاً نحو مقاطعة المتحدث من الإناث. ربما ذلك يدور حول فكرة السلطة أو الهرمية التي يعيشها الرجال، ويعززها المجتمع الذكوري. فكثير من أساليب حواراتنا تنبثق من التنشئة الاجتماعية.
اقرأ أيضًا:د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»:صيام الأذن..!
وهناك خيط رفيع يجمع أحاديث المرأة وتصرفاتها وهو "الحب". فهي إن أحبت رأيت ذلك في اهتمامها بأطفالها وزوجها، ويعكسه كذلك نظراتها وأسئلتها. فعندما تمطرك بوابل من الأسئلة الدقيقة فهي في الواقع تهتم لأمرك. ولذلك يقول الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "المرأة لغز مفتاحه كلمة واحدة هي .. الحب". ولذلك حينما "يعبث" الرجل "بعش المحبة" (أو الدبابير) فإن الرد سيكون قاسيًا في سلوكها وكلامها تجاهه. ولسان حالها يقول ما قاله قباني: "من باب الإنصاف تقبل ردة فعلي مثلما أتقبل مرارة فعلك".
يقول شاعر المرأة المرهف الحس نزار قباني: "إذا بكت المرأة على رجل فإنها تحبه من كل قلبها، لكن إذا بكى الرجل على المرأة فلن تجد على وجه الأرض رجلاً يحبها مثله" (انتهى كلامه). والحوار بين المحبين هو "ترمومتر" لقياس مقدار المحبة بين الطرفين.
واقع الحال يشير إلى أنه لا يوجد أسلوب واحد أفضل في التحاور بين الرجال والنساء. نحن فقط مختلفون ليكمل أحدنا الآخر، في مشاعره، ومعلوماته، وقصوره في فهم مجريات الحياة وكيف يفكر أفرادها. كما أن ما يقال في ثنايا أحاديثنا قد يكون أكثر أهمية من صريح العبارة.