د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»: أروع الأفكار.. أبسطها
في مطلع القرن العشرين (1900)، توجه عامل إلى الإدارة العليا في مصنع لأعواد الثِقاب ذائع الصيت آنذاك (البجعة فيستا) ليقترح عليهم فكرة ألحّت عليه، قال إنها ستوفر عليهم ملايين الدولارات لو أنها وجدت آذانًا صاغية. غير أنه عاد "بخُفي حُنين" بعد تجاهله، إذ لم يصدق كبار المسؤولين في المصنع السويدي أن عاملاً مغمورًا يمكنه أن يأتي بفكرة تحمل تلك القيمة.
غير أن ذلك الكادح لم يكل ولم يمل، وبعد شهور عدة من الإصرار وجد طريقة منحته فرصة الدخول إلى مجلس الإدارة. فبدأ يشرح مبادرته التي كانت عبارة عن إلغاء الجانب الخشن الذي يُشعل أعواد الثقاب، والإبقاء على الجانب الثاني فقط بدلا من جانبين. وبينما هو كذلك لاحظ أن البعض يحاولون كتم ضحكاتهم ربما من سطحية الاقتراح، غير أن المجلس ما إن بدأ بتداول الأمر وعمل الحسابات المالية حتى مال نحو قبول تجريب اقتراحه. ثم حدث ما لم يكن بالحسبان، إذ نجحت الشركة في توفير ملايين الدولارات كان يتم هدرها بسبب إضافة الـ sandpaper أو ورقة السنفرة الثانية. وهذا مثال حي على أن أفضل الأفكار تأتي من البساطة، ولا يكتب لها النجاح إن لم تجد آذانًا صاغية.
وفي عالم المطاعم، نجد أن "وجبة السعادة" Happy Meal في سلسلة مطاعم ماكدونالدز، قد جاءت في أول الأمر كحيلة gimmick للفت أنظار المسؤولين فيها عام 1977م. إذ يُروى أن المدير الإقليمي ديك برامز كان يرغب في تجربة وجبة جديدة للأطفال، فوضعها في علبة كرتونية زينها برسومات مبهجة تحمل شخصيات وأدوات عروض السيرك كالمهرج وغيره، فلقيت فكرته آذانًا صاغية.
ورغم بساطة تلك الفكرة فإنّه يباع منها نحو مليار وجبة سنويًّا حول العالم. والمفارقة أن "الهابي ميل" لم تعد مقصورة على الأطفال فما زال يطلبها البالغون.
اقرأ أيضًا:د. محمد النغيمش يكتب لـ«الرجل»:مصيدة التظاهر بالإنصات
وليست كل الأفكار التي تتناهى إلى أسماعنا مربحة، فبعضها إبداعي، ويرفع سقف المتعة، ويثري تجربة العميل. منها مثلاً، ما فعلته المضيفة في طيران ساوثويست الأمريكي "مارثا كوب"، حينما رفعت سماعة الطائرة وبدأت بتلاوة إرشادات السلامة على الطريقة الصوتية القديمة فقالت: "ضع قناع الأوكسجين على نفسك أولاً وتنفس بصورة طبيعية ثم ضعه على طفلك". بعدها أضافت عبارة اجتهادية بقولها: "إذا كنت تسافر مع أكثر من طفل ابدأ بالذي ترجو منه عائدًا أكبر في حياتك"! (فضحك قائد الطائرة والركاب لسماع عبارة غير متوقعة). ثم أكملت المضيفة: "وفي حال لم تحظ بركوب وسيلة نقل أتوماتيكية منذ عام 1960، فإن المضيفين يوضحون لك كيف تضع حزام الأمان".
ومنذ ذلك الحين بدأت شركات الطيران تتسابق في محاولات إبداعية لجذب انتباه الركاب نحو إرشادات السلامة، تارة بأسلوب طريف، وتارة بأسلوب كرتوني أو غنائي، أو عبر استخدام الشخصيات المحبوبة كاللاعبين والفنانين وغيرهم بهدف لفت أنظار وأسماع المسافرين نحو ما يمكن أن ينقذ حياتهم. باختصار سمحت الشركة للمضيفين بإضافة أي لمسة إبداعية على تلاوتهم لإرشادات السلامة.
كثير من المؤسسات تدفع أموالاً طائلة لمستشارين خارجيين بحثًا عن فكرة تزيد الأرباح أو تخفض التكاليف، وينسون أن بينهم من الموظفين من يحملون أفكارًا أقرب إلى حاجاتهم وتطلعاتهم، ولا يمكن أن يحدث ذلك في بيئة عمل تفتقر إلى الآذان الصاغية.